أوقفوا الإضراب في المدارس!
نشر بتاريخ: 2023-02-12 الساعة: 13:47رمزي عودة*
يستمر إضراب القطاع التعليمي في المدارس الحكومية هذا الأسبوع أيضاً بما يمثل أزمة حقيقية في القطاع التعليمي والمجتمعي الفلسطيني. وحسب تصريحات بعض المعلمين المضربين، فإن السبب الرئيس للإضراب يعود إلى عجز الحكومة عن الإيفاء بدفع فاتورة اقتطاع الرواتب والبالغة 15% بالمتوسط، وهي نسبة مقتطعة ليست فقط خاصة بقطاع المعلمين وإنما أيضاً لباقي الموظفين في مختلف القطاعات بما فيها القطاع الأمني. المشهد ليس مبشراً بالانفراج، هنالك أكثر من مليون طالب مهدد بانقطاع العملية التعليمية بما فيها طلبة التوجيهي وطلبة المراحل التأسيسية وطلبة القدس. نسبة المدارس المضربة تجاوزت 39% من إجمالي المدارس الحكومية، وهنالك بعض المدارس في القدس دخلت الإضراب بما يهدد قدرة مدارس التربية والتعليم هناك على الصمود والتصدي لسياسات التهويد التي تمارسها سلطات الاحتلال على مدارسنا ومناهجنا. وفي الوقت الذي تعاني فيه خزينة السلطة الوطنية من عجز كبير بسبب سياسات الحصار المالي والضغوطات على السلطة الوطنية في قضايا الأسرى والقدس وعملية السلام والتي منعتها من الإيفاء بفاتورة الرواتب كاملة، فإن مطالب المعلمين تأتي في ظل ازدياد الضغوط الداخلية على السلطة الوطنية بما يعيق إمكانيات تحقيق المشروع الوطني والنضال من أجله في ظل استشراس وتغول الاحتلال الإسرائيلي والهجمة العنصرية التي تقودها حكومة اليمين الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني.
الفلسطينيون يعيشون الآن في مرحلة حرجة وتاريخية، تتمركز هذه المرحلة على الصمود من جهة وعلى زيادة تكاليف الاحتلال من جهة ثانية، وعلى تعزيز مشاركة الجماهير في بناء الدولة والتنمية من جهة ثالثة. وفي النتيجة، فإن سياسات الإضراب تؤدي الى تبعثر الجهود الوطنية وعرقلة جهود البناء والتنمية والصمود. بالطبع، ليست المسألة مقايضة بين الفعل الوطني ولقمة العيش، ولكن المسألة تتمحور حول الحد الأدنى والممكن من شروط الحياة الكريمة والكافية للمساهمة في تحقيق المشروع الوطني الذي يقوم على التحرر والبناء. وفي السياق، فإن قدرة المجتمع الفلسطيني على الانخراط في عملية مقاومة المشروع الصهيوني يجب أن تكون قدرة شاملة في القطاعات كافة، وأن لا تخرج أصوات المطالبة بالاحتياجات والتي هي في غالبيتها مشروعة، إلى خانة تضييق الخناق وتشديد القيود على الفعل الوطني المقاوم للاحتلال.
انا أدرك جيداً، أحقية المعلمين وغيرهم من القطاعات في المطالبة بحقوقهم المالية وبرفع الرواتب وغيرها من الحقوق، ولكن يجب أن تأتي هذه المطالب في سياق المؤسسة النقابية الممثلة للمعلمين وهي الاتحاد العام للمعلمين، وهو الإطار الرسمي للمعلمين والممثل الشرعي لهم في منظمة التحرير الفلسطينية. ولست هنا أدافع عن الاتحاد، وأدرك جيداً أنه ينقصه خطوات جادة في ديمقراطية التمثيل، ولكنه مع هذا قام بالدعوة للتنسيب، بحيث انضم إليه نحو نصف المعلمين وهو في طور استكمال عملية العضوية، لتستكمل بعد ذلك عملية الانتخابات والتي من المتوقع أن تنتهي في أواخر العام الجاري. من زاوية أخرى، فقد قام الاتحاد العام للمعلمين بخطوات مقدرة في خدمة المعلمين وتوفير احتياجاتهم من خلال الضغط على الحكومة والتواصل معها. وبالفعل، فقد نجح في الحصول على مكتسبات مهمة للمعلمين في القطاع الحكومي لم تستطع أن تحصل عليها أي من النقابات الأخرى. وعلى سبيل المثال، فقد تحصل الاتحاد العام للمعلمين العام السابق على علاوة رفع طبيعة العمل للإداريين، وعلاوة بقيمة 300 شيقل لمدراء المدارس، إضافة إلى تحويل علاوات الاتحاد الإشرافية إلى 15%، وتثبيت صرف مكافأة القدس، واحتساب عقود التهيئة للدرجات والعلاوات والتقاعد، وإنهاء ملفات معلمي غزة العالقين في تعيينات 2006 و2007 و 2008. وقد كلفت هذه العلاوات بمختلف أنواعها موازنة السلطة الوطنية أكثر من نصف مليار شيقل هذا العام. وفي غالبيتها منح خصصت للقطاع التعليمي فقط.
وفي المحصلة، إن أولوياتنا الأساسية كشعب فلسطيني هي التحرر وبناء الدولة، ويجب أن تطغى هذه الأولوية الجمعية على الأولويات كافة، كما يجب أن تنحصر مطالب واحتياجات القطاعات المختلفة بالآليات الممكنة والمتاحة لتحقيق المشروع الوطني. كلنا مع المعلمين ومع اتحادهم الشرعي ومع مطالبهم، ولكن بالمقابل نحن أيضاً مع مئات الآلاف من أبنائنا الذين فقدوا قدرتهم على التعلم، ولهذا، فإن إيقاف الإضراب في الوقت الحالي سيمثل بادرة حسن نية للوساطة بين الحكومة والمضربين عن العملية التعليمية، وسيمكن الوسطاء من المجتمع المدني والسياسيين من لعب دور مهم في تحقيق المطالب النقابية، وسيمكن أيضا الاتحاد العام للمعلمين من المضي قدماً في العملية الديمقراطية وزيادة إنجازاته التاريخية في تحقيق المطالب النقابية وقيادة العمل الوطني نحو التحرر والبناء.
* الأمين العام للحملة الأكاديمية الدولية لمناهضة الاحتلال والابرتهايد
mat