"فتح".. لأنها عقل الوطنية وعروق العروبة وسماء الإنسانية
نشر بتاريخ: 2023-01-04 الساعة: 12:44موفق مطر
"لو لم تكن عضوا في حركة فتح فأي حزب كنت ستنضم إليه، فقلت له: حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح". فقال لي:"هل فتح حزب؟ قلت له: إنها حركة تحرر وطنية، وثورة، وكل ثورة وحركة تحرر لها تنظيم وأنا أفخر أنني بتنظيمها منذ كان عمري 14 سنة منذ المرحلة السرية قبل معركة الكرامة عام 1968". وأكدت قناعاتي عندما جاءوا لي بورقة وقلم لأكتب اعترافا – ظنوا أن جلدي محشورا ومكبلا في كاوتشوك سيارة سيمكنهم من تكفيري بالحركة: فكتبت حينها ووقعت على: أنا الممضي أسفله أنتمي لحركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح، ولا علاقة لي ولن تكون لي علاقة بأي كيان سياسي آخر في بلدي سوريا ولا خارجها".
حدث هذا قبل 47 عاما بعد اعتقالي بعملية خطف مرتبة سلفا عندما كنت في السنة الجامعية الثانية، فضابط الاستخبارات في ذلك النظام العربي أصر على اختبار قناعاتي كما يبدو، فسألني وهو يعلم - مني طبعا - أنني مناضل في حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح منذ عام 1968، لكنه قرر إعادتي للشوط الثالث في لعبتهم المفضلة، الجلد بكابل الهاتف العسكري المجدول في ذات الدولاب، وظهري العاري على أرض القاعة الباردة في شهر ديسمبر– كانون الأول، فيما رأسي محشور في الكاوتشوك يلامس ركبتي باتجاه سقف غرفة تعذيب واسعة.
أثبت لهم أن العربي اختار وما زال يختار الانتماء لحركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح، لأنها الوطنية والعروبة والإنسانية في عقل سياسي تحرري تقدمي واحد، لأن فتح سبقت الشعارات بالفعل والعمل الثوري والكفاحي والنضالي في الميادين والمسارات كافة، فكان الشعار خلاصة وتتويجا لتجارب عملية، فالشارع العربي كان طافحا ومغمورا بالشعارات السياسية الرنانة، لكن العربي لم يجد وحدته إلا في قواعد حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح الميدانية في إطار الكفاح المسلح والتنظيمية، فهنا المناضل الكويتي والجزائري إلى جانب السوداني، والسوري إلى جانب اليمني، والسعودي إلى جانب التونسي، والمغربي والليبي إلى جانب الأردني، والبحريني والقطري والعماني إلى جانب المصري واللبناني، وجميعهم مناضلون أو فدائيون مقاتلون مع أخيهم المناضل الفدائي الفلسطيني الذي منح الأممية أسمى معاني الكفاح ضد أشكال الاستعمار والعنصرية ففي هذه اللوحة الفسيفسائية كان المناضل الأوروبي والآسيوي والأفريقي والقادم من قارة تشي جيفارا وكاسترو (أميركا اللاتينية) فكيف لا أفخر بحركة جعلت فلسطين بحجم القارات الخمس، وحضرت بصورة مناضل أو شهيد فأعادت لمئة مليون عربي وأكثر الثقة والعزة، واستعادت إرادتهم المسلوبة عندما حررتهم من وطأة الهزيمة والنكسة في الكرامة عام 1968، وهزمت اليأس، وبرهنت على أن إرادة الشعوب ومشيئتها أقوى إذا امتلكت القرار وهيأت شروط المواجهة وأهمها الصمود ببطولة والأمل بالنصر.
لماذا حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح؟ لأنها لم تكن قالبا تنظيميا آيديولوجيا مصبوبا على مقاس دولة ما، أو قوة إقليمية أو تابعة لحزب أو استخبارات نظام، ولم تتبن أو تستورد نظريات وشعارات من الخارج، فبقيت في مسار حركة الإنسانية المتحررة المتقدمة، تستلهم تجربتها، وتبثها تجربة وطنية فلسطينية رائدة.
حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح، لأنها نظمت قدرات الشعب الفلسطيني وصقلت أهدافه, وبلورت شخصيته الوطنية، وكانت وما زالت الأقوى على مواجهة المنظومة الصهيونية الاستيطانية العنصرية، بسلاح الوطنية الفلسطينية الأمضى، والقادرة على التصدي لأسلحة المنظومة (إسرائيل) الحربية حتى لو كانت نووية.
سيبقى جوابنا على سؤال لماذا حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح؟ هو: لأن مناضليها حملوا عن شعبهم الفلسطيني وزر الحفاظ على الشخصية الوطنية، والإرادة بتحرير الأرض والإنسان، بعد (النكبة) المؤلمة، فاتخذوا الكفاح والمقاومة المسيسة وسيلة، ولم تسمح بانحناء ظهر الشعب الفلسطيني، لأن روح كل إنسان منه كانت عزيزة وغالية، ولم تفرط بها من أجل مكسب أو سمعة زائفة، فكان المعيار أن التضحية يجب أن تكون بمقابل لصالح الشعب والثورة.
لأن فتح إشراقة الصبح القريب بعد ليالي سنوات النكبة السوداء التي كادت تكف بصيرة شعبنا وأمتنا، ليال فظيعة دموية أفلت المستعمرون العنصريون علينا ذئابهم وضباعهم وكلابهم البرية التي تأكل لحم الإنسان حيا، فكانت فتح النار التي حمت الشعب والأمة، وكانت النور العظيم المبدد للظلمة، أشرقت شمسها منذ ثمانية وخمسين عاما، وتأبى الغروب قبل تحقيق النصر، قبل امتداد ظلال بنيان الدولة المستقلة على الأرض، وتأبى الغروب قبل بلوغ الديمقراطية سن الرشد، وقبل استعادة مكانة الشعب الفلسطيني الحضارية المعهودة، وإضاءة علاماتها بمضمونها وشكلها الإنساني لتعاصر الأمم والشعوب المؤمنة بأن شروق السلام على الدنيا يبدأ من أرض السلام فلسطين الحرة.
mat