الرئيسة/  مقالات وتحليلات

في ذكرى انطلاق المارد الفتحاوي

نشر بتاريخ: 2022-12-31 الساعة: 14:19

الكاتب : سمير عباهره

 

احتفلت جماهير شعبنا الفلسطيني في الذكرى الثامنة والخمسين لانطلاقة حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" والذي شكل انطلاقها تاريخ جديد في مسيرة الشعب الفلسطيني الذي استفاق على رحيل زجري بعد نكبة عام 1948 وتشتت في بقاع متنوعة من الأرض وأقيمت المخيمات لتؤوي المشردين والمطاردين والتي لا زالت ماثلة إلى يومنا هذا وشاهداً على فقدان الحس الإنساني وضياع الأخلاق في مختلف المقاييس.  
وبعد سبعة عشر عاما من عمر النكبة أذنت الليالي الحالكات بأن يشق التمرد غلاف الوضع الحبيس ليرى القادم الجديد  بنفسه نور مصيره ويعلن ولادة المارد الفتحاوي الذي ولد من رحم النكبة والمعاناة وأسدل الستار على مرحلة التيه والضياع التي عاشها شعبنا طوال عمر سنوات النكبة وتأثر بالتيارات والأفكار السياسية التي كانت سائدة على الساحة العربية والدولية حيث تاهت أفكاره واختلطت بين هذا التيار وذاك مما ساهم قي تشتت التركيز الفكري الفلسطيني، حيث شهدت تلك الفترة إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية بقرار عربي وبمشاركة بعض قطاعات الشعب الفلسطيني التي كانت تفتقر الى هيئة قيادية يجمعها.
وجاءت انطلاقة حركة فتح في الفاتح من كانون ثاني 1965، لتضيف بعدا جديدا للقضية الفلسطينية فقد أدركت حركة فتح ومنذ انطلاقتها أن إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية كان يحمل في طياته محاولات لفرض الوصاية العربية على العمل الفلسطيني، فكان قرارها بإطلاق الكفاح المسلح وإطلاق الرصاصة الأولى اللذان أكدا على الهوية الفلسطينية وترسيخ الكيان الفلسطيني ليكون الإطار الرسمي المعبر عن الهوية الوطنية القطرية الفلسطينية. فكانت الانطلاقة بداية عهد جديد في التاريخ الفلسطيني وسط تشكيك عربي وتردد فلسطيني غير ان هزيمة 1967 وما افرزته من نتائج أجبرت العرب على تغيير مواقفهم لصالح دعم المقاومة المسلحة، حيث أسهمت المعطيات الناجمة عن هذه الحرب في تنمية التوجه نحو الفلسطنة ليكون النضال الفلسطيني طليعة للنضال العربي.
طرحت حركة فتح برنامجها السياسي منذ تأسيسها وحددت أهدافها منذ البداية بتشكيل شعبي ثوري عريض لقيام الدولة الفلسطينية والمجتمع الفلسطيني السليم وحافظت فتح على الوحدة الوطنية وكانت بمثابة الأم الرؤوم لكل فصائل العمل الفلسطيني. وتمكنت حركة فتح في الخروج  بالقضية الفلسطينية الى قضية يعترف العالم بها بعد ان كان يرى فيها انها حفنة من اللاجئين حيث فرضت عدالة القضية الفلسطينية نفسها على العالم واضطر العالم للاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية التي قادتها حركة فتح ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني.
تأتي الذكرى الثامنة والخمسون من عمر حركة فتح في ظل تغيرات وتحولات دولية متسارعة تركت تداعياتها على المشهد السياسي الفلسطيني فقد كشفت الحرب الروسية الاوكرانية عن عمق ازمة الشرعية الدولية في التعامل مع الازمات الدولية ومناطق النفوذ والصراع وكشفت ايضا بوضوح عن عمق ازمة الديمقراطية في تحديد مفاهيم الصراع والذي بات الحكم عليه من منطلقات سياسية بما يخدم طبيعة التحالفات التي تصب في صالح الدول التي تتحكم في مقاليد السياسة الدولية والحكم على هذه الصراعات وفق مصالحها السياسية وبعيدا عن احكام القانون الدولي. كما تأتي  ذكرى انطلاقة حركة فتح ايضا في ظل تغيرات على المشهد السياسي المحلي مع وصول حكومة اسرائيلية جديدة الى سدة الحكم وهي الاكثر تطرفا وتشددا في تاريخ الكيان بقيادة نتنياهو والذي سبق وان تبوأ الحكم لسنوات طويلة على راس حكومات متعاقبة والذي تنكر للحق الفلسطيني مع رفضه الاعتراف بحل الدولتين حتى وصلت الامور الى طريق مسدود توقفت عندها المفاوضات المتعلقة بتسوية الصراع فهل سيكون هناك تدخلا دوليا من قبل الدول التي اخذت على عاتقها تحقيق حل الدولتين واعني الولايات المتحدة واعتماد الموازين الدولية الجديدة في التعامل مع الصراعات الدولية وتطالب نتنياهو بالاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني وحقه في اقامة دولته ام ان الصراع سيبقى مستمرا مع اجواء التصعيد الاسرائيلي.
من المفترض ان يكون نتنياهو قد استخلص العبر من خلال فترات حكمه الماضية في رئاسة الحكومة الاسرائيلية وان يكون قد توصل الى نتائج موضوعية في ان الفلسطينيين لن يتنازلوا عن حقوقهم في اقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية بحدود 1967 وان حركة فتح التي تتربع على قمة النظام السياسي الفلسطيني ستبقى متمسكة بالثوابت الوطنية الفلسطينية نحو إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشريف والإفراج الكامل عن الأسرى وعودة اللاجئين.
ومن المؤكد أيضا أن حركة فتح التي قادت النضال الفلسطيني في أحلك ظروفه قد أصابها نوع من الترهل ومن المفترض العمل على علاجه وإعادة الهيبة لها حتى تبقى صمام الأمان في قيادة التوجهات السياسية لشعبنا الفلسطيني.

 

m.a
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024