اعيادنا المجيدة في كتاب الوطن المقدس
نشر بتاريخ: 2022-12-27 الساعة: 12:56موفق مطر
تمثل الحرية الدينية في المجتمعات المدنية الديمقراطية المتحررة من رواسب التفسيرات والفتاوى والوعظ الطائفي إحدى الركائز القوية الثابتة بقوة على قاعدة الوطنية، والهوية الثقافية للشعب .. وفي هذا السياق تحسب المناسبات كشهور الصيام والأعياد وكل ما يتعلق بالمناسك بمثابة تنوع غني للهوية الوطنية، التي يستحيل تذويبها مهما بلغت درجة حرارة الغزو الاحتلالي الاستيطاني المباشر أو الثقافي.
نحن هنا في فلسطين لا نتحدث عن طوائف، ولا عن أقليات، ولا نستخدم مصطلح مسيحي أو مسلم إلا في سياق التعريف والتوثيق اللازمين لإظهار جمالية مضمون فسيفساء الشعب الفلسطيني، وهويته الثقافية الإنسانية، فهنا تتجلى المواطنة بأحسن صورة للانتماء الوطني، فالأعياد في فلسطين الدينية كما السياسية وطنية بامتياز، ومن يريد برهانا ليس عليه إلا إلقاء نظرة على ساحة المهد في مدينة بيت لحم ليرى بأم عينه كيف يحتفل الفلسطينيون بالميلاد المجيد، وكيف تتحول المناسبة إلى لقاء وطني عظيم مفعم بتفاصيل التعبير بفخر عن الهوية الوطنية الفلسطينية، حيث يلتقي الفلسطينيون من مدن فلسطين التاريخية ويفيضون بالمحبة والفرح، حتى يبلغ المؤمن المسيحي الأجنبي القادم من أقاصي بلاد الدنيا إلى الأرض المقدسة وكنيسة المهد – نسبة لمهد المسيح عليه السلام- في هذا اليوم المبارك ذروة الاندهاش وهو يرى أجمل صورة للوطنية الفلسطينية تشكيلا وتكوينا وجمالا، صورة قل نظيرها لدى الشعوب والمجتمعات الآتي منها، فجميع المواطنين هنا في الأرض المقدسة فلسطين مؤمنون بالمحبة والسلام، ويصلون ويناضلون، ويعملون بالحق وبصبر وتضحيات لتصبح حقيقة مادية ماثلة على أرضهم، بدون احتلال وجرائمه، وبدون حواجز عسكرية وإرهاب مستوطنين، وبدون مشاهد قتل على الطرقات، وبدون منظومة عنصرية قررت رؤوسها الانخراط في مشروع الشيطان المعادي لمنطق ومبدأ المحبة والسلام.
هنا في فلسطين تتعرض الكنيسة كما المسجد لخروقات وانتهاكات من سلطة منظومة الاحتلال، ويمنع الخوري والقس والبطريرك كما يمنع الشيخ والمفتي من الوصول إلى أماكن العبادة، أما محاولات المنظومة لإفساد أعياد الفلسطينيين وقلب الفرح إلى حزن يثقل القلوب بالأحزان، واحتلال الأمل ومحاولات اجتثاثه لغرس اليأس والإحباط مكانه كما يفعل المستوطنون بمشيئة رؤوسهم، فهذه سياسة، عكستها العدائية الكامنة في أدمغة كبارهم، وأنماط تفكيرهم، حتى باتت العلامات المميزة للمنظومة العنصرية (إسرائيل) التي ما فتئت تعمل على دس سمومها ليس في فروع شجرة الوطنية الفلسطينية، بل إضعافها تمهيدا عبر إيصال سمومها إلى جذورها، لكن جبروتهم وطغيانهم قد أعماهم عن حقيقة وهي أن الشعب الفلسطيني النابتة شجرته والثابتة والباسقة في أرضه المقدسة عصية على الاقتلاع، أو التسميم، ذلك لحصانتها المخلوقة عليها منذ الأزل، وقوة مناعتها المكتسبة عبر التجارب والمناخات التاريخية التي تعاقبت عليها، وليس أمامهم إلا التخلص من هوسهم بعقدة تفوقهم، والتوقف عن الركض وراء شيطان نفوسهم المريضة، والتنبه إلى مصير دموي سيجلبونه للإنسانية إذا أصروا على نصب الشراك القاتلة في دروب سالكيها!. وارتضوا أن يكونوا جنودا في جيش شيطان الحرب حتى لو أنكروا.
أعيادنا في فلسطين مجيدة وسعيدة لأننا لا نعيشها ولا نراها إلا صورة في مشهد الإيمان والانتماء الوطني، ومعاني آيات وأسفار كتاب الوطن المقدس.
mat