الشهيد ناصر أبو حميد وخيار الاسترحام أو الحرية
نشر بتاريخ: 2022-12-22 الساعة: 10:42تحسين الأسطل*
استشهد الأسير القائد الفتحاوي ناصر أبو حميد ، مكبل القدمين واليدين على سرير مستشفى عسكري احتلالي في فلسطين المحتلة، رغم دخوله حالة الغيبوبة التامة في سجن الرملة نتيجة مرض السرطان والإهمال الطبي المتعمد من قبل دولة الاحتلال وجيشها الإجرامي، في جريمة وصفها سيادة الرئيس محمود عباس بأنها جريمة حرب كاملة الأركان.
وآخر جملة قالها الطبيب بعد مغادرة عائلته غرفة المستشفى "فكوا قيده لقد رحل بلا عودة"، معتقدا أنه كتب السطر الأخير في حياة القائد أبو حميد، فيما هو السطر الأول في حياة الخلود التي لن ينساها أبناء شعبنا، وستبقى الأجيال تذكر الفارس الذي ترجل، ولم يكتب في سجله أنه طلب الرحمة من المحتل الإسرائيلي، في درس حقيقي بالانتماء للحرية، ورفض التعايش مع المحتل، والتي بدأت من نعومة أظافره طفلا في مخيم الأمعري شمال رام الله، إلى استشهاده عن عمر يناهز 51 عاما، قضى بعضها خارج سجون الاحتلال، طفلا، وفتى، وشابا، في كل مرة كان شغله الشاغل وخياره الذي لا يتبدل، مقارعة الاحتلال الإسرائيلي في صفوف حركة فتح، ليبقى رهن الأسر ثلاثين عاما في آخر عملية اعتقال، بعد حكم بالمؤبد سبع مرات و50 عاما.
الأسير القائد أبو حميد حاول الاحتلال كسر إرادته عدة مرات، من خلال مساومته على إمكانية دراسة طلب الإفراج عنه، أن قدم طلب استرحام يعبر فيها عن ندمه عن مقاومة الاحتلال للأرض الفلسطينية، والذي قوبل بالرفض التام من قبل بطلنا، الذي رفض مجرد التفكير بالعرض رغم خطورة حالته الصحية، التي كانت تتدهور يوما بعد يوم، وكان الاحتلال يراهن على كسر إرادته المؤمنة بشرعية مقاومته للاحتلال، وبالطريق التي اختارها منذ نعومة أظافره، حيث كانت أول عملية اعتقال له من قبل جيش الاحتلال عندما كان طفلا لم يتجاوز أحد عشر عاما، على خلفية مشاركته في مظاهرات رافضة للاحتلال قبل الانتفاضة الأولى.
تنسم شهيدنا الحرية لبعض الوقت عام 1994م اثر توقيع اتفاقية أوسلو، ليعاد اعتقاله مرة أخرى بعد عامين عام 1996م، خلال انتفاضة النفق، وأول حكومة لرئيس وزراء دولة الاحتلال المتطرف "بنيامين نتنياهو" الذي قرر إنشاء نفق استيطاني أسفل المسجد الأقصى لتنطلق على أثرها انتفاضة شعبية عارمة شارك أبو حميد في فعالياتها ويعتقل مرة أخرى، وأمضى ثلاث سنوات رهن الاعتقال.
لم تكن حياة الشهيد ناصر أبو حميد إلا تجسيدا لحالة شعب يرفض التعايش مع الاحتلال والاستيطان، ويرفض العيش إلا بكرامة وحرية والتي كانت خياره الدائم، فلم يستطع أن يتقبل جنود الاحتلال في طفولته، كما قاوم المستوطنة المقامة قبالة مدرسته وتطل على المخيم، ويمارس جنود حراستها هواية قنص الأطفال بأزقة المخيم وإطلاق النار على منازل المواطنين بشكل يومي، ليتصدى وعائلته المناضلة وكل أهالي المخيم إلى هذا الإجرام، لتقدم العائلة شهيدا وخمسة من الأبناء محكومين بالمؤبدات لنضالهم وتحديهم للاحتلال وعصابات المستوطنين.
ترجل الفارس عن حصانه، وختم حياته حيث أراد مقارعا للاحتلال رفضا التعايش معه، او التعاطي مع عروضه حتى لو كانت بلسم حياته، فمضي حيث أراد، وقال بكل شموخ في رسالته إلى الشعب الفلسطيني، والتي نقلت بواسطة والدته خنساء فلسطين، فكانت أصعب رسالة تحملها أم مكلومة بابنها المريض، والذي يعاني الموت أمام عينها، لتسقط كل حسابات الاحتلال الذي راهن على أمومتها لأضعاف بطلنا، عندما ترى حالة وقد هزل جسمه، ولم يعد قادرا على الحراك، في طلب استجداء الرحمة من الاحتلال، فلم يجد من الأم إلا الوفاء لوصية ابنها، والتي على إثرها حرمها الاحتلال من زيارته مرة أخرى، حتى اللحظات الأخيرة ودخوله الغيبوبة الكاملة.
حملت الأم رسالة الأسير من على فراش موته رسالته التي تكتب بأحرف من نور قائلا: "غير نادم عما فعلت وسأنقل رسائل شعبنا إلى شهداء أمتنا".
وأضاف: وأنا "مش زعلان" من نهاية الطريق لأنه في نهاية الطريق أنا بودع شعب بطل عظيم، حتى ألتحق بقافلة شهداء فلسطين، وجزء كبير منهم هم رفاق دربي وأنا سعيد بلقائهم"، في إشارة إلى الطريق التي حددها واختارها لنفسه، ولم يندم عليها في أي لحظة من اللحظات، فناصر اختار الحرية، والحرية فقط.
*نائب نقيب الصحفيين الفلسطينيين-
mat