الرئيسة/  مقالات وتحليلات

المسؤولية الوطنية

نشر بتاريخ: 2022-12-13 الساعة: 11:14

 موفق مطر

 


لا تمضي سفن السياسة الوطنية برغبات شخصية أو فئوية، أو حتى حزبية ضيقة، ولا تتخذ القرارات تحت إلحاح أصحاب هذه الرغبات، حتى لو كانوا بمواقع متقدمة في هيئات صنع القرار، فالمسؤولية الوطنية ليست دمغة تختم على الجباه، ولا وثيقة مروّسة تمنح حتى لو كانت مذهبة حروفها، فهذه بالذات لا تقاس بمؤشر المراتب والمواقع القيادية، ولا بالمهمات التي تبوأها هذا الشخص أو ذاك، ولا بتاريخ انتمائه لتنظيم ما، ذلك أنها (المسؤولية الوطنية) نمط تفكير، وعقلانية بالغة ناضجة، وواقعية موضوعية مرتبطة بحسابات القرب والبعد عن الأهداف، وأمانة الوفاء الثقيلة جدا، يحملها المناضل لحظة تأديته قسم الإخلاص لفلسطين، ومنهج متقدم في قراءة التاريخ والحاضر، ورسم ملامح المستقبل على الأقل إن لم يكن تفاصيله، هي إبداع وسائل وأدوات منسجمة مع المتغيرات والتطورات، والتحرر من القيود القديمة منها، التي لا تحقق الجدوى، حتى وإن كانت حينها مثمرة ومفيدة . 

يظن البعض أن وجودهم في موقع ما في فضاء المسؤولية الوطنية، يبيح لهمإطلاق المواقف التي من شأنها تخفيف الضغط، أو تقطيع شباك القانون الدولي والشرعية الدولية الضاغطة تدريجيا على رؤوس منظومة الاحتلال الاستيطاني العنصري عن قصد أو جهل، وبذلك يجهضون منهج العمل القائم على أسس وقواعد وركائز المسؤولية الوطنية، وأهمها الانتصار للمصالح العليا للشعب الفلسطيني، والحفاظ على الإنجازات والمكتسبات الوطنية، ومنع التفريط بها، وكذلك مواجهة سلطة الاحتلال الإسرائيلي بأعلى درجات الشجاعة والثبات على الحق، باعتبارها الخاسر الأكبر من استدامتها وتطورها!

يضج بعض وسائل الإعلام والمنابر السياسية بالخطاب الداعي لإلغاء اتفاق أوسلو مثلا، وكأن أوسلو الذي اغتالته منظومة الاحتلال إسرائيل مازال حياً، أو لا يعلمون أننا قد تجاوزنا اتفاق أوسلو وأصبح من حيث الكثير من تفاصيله وراءنا، والسؤال هنا: لماذا يريدوننا إعلان مسؤوليتنا عن اغتيال وإنهاء مفاعيل اتفاق يقولون ويقرون بألسنتهم حرفيا: إن رؤوس منظومة الاحتلال قد اغتالته وقبرته ليس لحظة اغتيال رابين وحسب، بل بالجرائم التي ارتكبتها حكوماتهم بحق شعبنا بعد توقيع الاتفاق، وبرفضها القاطع لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، وبتوسيع مساحة إرهاب الدولة المنظم، وتسييد العدائية المطلقة، وتجسيد منطلقات عنصرية مخالفة للقيم الإنسانية والقوانين الدولية والمواثيق الأممية .

لا يجوز طرح المواقف لمجرد تسجيلها، وإخلاء الطرف من المسؤولية، فالمواقف أو الطلبات و القرارات إن لم تكن واقعية وجالبة لوضع أفضل للشعب الفلسطيني على طريق الحرية والاستقلال, فإنها ستأتي بنتائج عكسية لا يستفيد منها سوى المحتلين، ونعتقد أن التفكير بإبداع بدائل تغنينا عن الاتفاقات مع سلطة الاحتلال أيا كان نوعها، أجدى بمليون مرة من مجرد المطالبة بإلغائها من طرف واحد (طرفنا) كما أن التفكير بما يجب علينا فعله، ورسم الخطط القابلة للتنفيذ احتسابا لمرحلة مابعد قرار سلطة الاحتلال حسبانها لاغية، أكسب للوقت، وأجدى بمعيار مصالح شعبنا، فالمطالبة بإلغاء وضع قائم تتطلب تجهيز بديل قابل للحياة والديمومة، وعليه فإن أي إنجاز في المحافل الدولية، وتحديدا على صعيد الحصول على عضوية كاملة  لدولة فلسطين في الأمم المتحدة، ودفع منظومة الاحتلال إلى قفص الاتهام في المحكمة الجنائية الدولية، وتقرير محكمة العدل الدولية حول طبيعة الاحتلال لأراضينا المحتلة منذ عام 1967 إلى جانب وسم (إسرائيل) بدولة فصل عنصري، وتوسيع رقعة المقاطعة الدولية لدولة يحتل كنيستها وحكومتها مستوطنون إرهابيون عنصريون  يدعون علنا لأخذ قتل الفلسطيني منهجا، وطرده وتهجيره، ومنعه منأبسط أساسيات الحق في العيش في وطنه، كل هذا مع تمسكنا بتطبيق قرارات الشرعية الدولية،على أساس الحق والعدل، كل هذا بمثابة قواعد لابد منها لتعزيز الموقف الوطني، وتحقيق أهداف وطنية بدون الانغماس في قرارات تنتظرها دول استعمارية وحكومات إسرائيل لتكون الذريعة لتضييق الحصار والخناق على الشعب الفلسطيني، وتحويل الأوضاع القائمة على قساوتها بالنسبة لنا إلى جحيم، والذي يعطي المبررات والذرائع للمحتلين الإرهابيين ليس مسؤولا وطنيا حتما، حتى لو ضج الدنيا وقرع أسماعنا بالشعارات والخطابات المغمسة بالمصطلحات الوطنية.

 

mat
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024