الرئيسة/  مقالات وتحليلات

اسرائيل المتمردة على المجتمع الدولي الذي أنشأها

نشر بتاريخ: 2022-11-17 الساعة: 14:09

حسان البلعاوي

 


لا تكاد تمر أي مناسبة خاصة بفلسطين في بلجيكا إن كان على المستوى الرسمي، أو على المستوى الأهلي، إلا وتجد وزير الدولة أندري فلاوو، حاضرا ويدلي بدلوه وما يتفق مع قناعته منذ أن كان فتى صغيرا، برفض الظلم ونصرة الحق والقانون.

فهو يخاطب البرلمان الفيدرالي البلجيكي كنائب ورئيس فخري له بعد أن كان سابقا رئيسا له، في كل ما يتعلق بالشأن الفلسطيني ويوجه أسئلة لرئيس وزراء بلجيكا ووزير خارجيتها، مطالبا بلجيكا بالانحياز للقانون الدولي الرافض للاحتلال الإسرائيلي وسياساته على الأرض والتي يصفها بدون تردد بسياسة الأبرتهايد التي كانت سائدة في جنوب أفريقيا.

وهو يفتخر دائما باستقباله للرئيس الراحل ياسر عرفات في المطار عندما كان وزيرا للدفاع، وباستقبال خلفه الرئيس محمود عباس في البرلمان الفيدرالي البلجيكي عندما كان رئيسا له.

التزام فلاوو بقيم العدل والحرية والتضامن يعود  للبيئة الأسرية التي نشأ بها وإلى مساره النضالي عندما كان طالبا ومناضلا في دعم نضال الشعوب في حق تقرير مصيرها، إن كان في تشيلي، أو فيتنام، أو في العديد من الدول الأفريقية.

ولد في آب/أغسطس 1955 في منطقة والهين، إحدى مدن إقليم ولوني الناطق باللغة الفرنسية، والده كان موظفا في مؤسسة علم الميكانيكا وتطبيق القوانين الاجتماعية، أما والدته فكانت ربة بيت وهي التي تولت تعليمه.

ورث أندري شغفه بالسياسة في سن مبكرة، من جده الذي كان يعمل في قطاع سكك الحديد والقطارات وكان جزءا من نقابة يسيطر عليها اليسار والتي كانت تؤثر أيضا على العاملين في قطاع البريد، ولعبت هذه النقابة دورا هاما في دعم المقاومة ضد الاحتلال الألماني النازي.

أما جدته فكان لها أيضا دور في المقاومة حيث اعتقلتها سلطات الاحتلال النازي ووضعتها في سجن سانت جيل في بروكسل، وكانت مجمل الأسرة جزءا من المقاومة، وكان جده يطلب منه قراءة جريدة "لوسوار" بالإضافة لقراءة جريدة نقابة العمال، وقد انتقلت الأسرة لاحقا للعيش في فرنسا، وشكلت هذه الظروف الأسرية عاملا حاسما في حياة أندري.

شغف أندري بالسياسة قاده للسعي إلى امتلاك رؤية أوسع للعمل السياسي، فالتحق بإحدى المدارس الثانوية المختصة في مدينة جامبلو ليدرس الاقتصاد، والجغرافيا والتاريخ، وهي علوم ساعدته في الوصول إلى فهم أوسع للخارطة الجغرافية السياسية للعالم ولمسائل الصراعات الإقليمية والدولية التي يتمحور الجزء الأكبر منها حول أماكن الثروات على هذه الخارطة، كما أوجدت هذه العلوم لدى الشاب الطموح اهتماما بقضايا الذاكرة والتراث وهي التي ستؤهله بعد عقود أن يعمل على موضوع ذاكرة بلجيكا وخاصة في عدد من الدول الأفريقية والتي كانت  خاضعة للاحتلال البلجيكي مثل الكونغو .

ضمن هذا السياق انتمى إلى الحزب الاشتراكي منذ عام 1973، في فترة عرفت بلجيكا، مثل فرنسا والعديد من الدول الأوروبية، وجود لجان التضامن مع فيتنام التي كانت تخوض حربها التحريرية ضد الولايات المتحدة، ومع تشيلي والتي شهدت انقلابا رعته الولايات المتحدة ضد الرئيس المنتخب سلفادور أليندي.

في هذه الفترة نضج الوعي السياسي لأندري فأصبح مناضلا متمرسا في العمل الحزبي، فقاد عددا من الخلايا الحزبية وهو داخل المدرسة، وقاد تظاهرات طلابية إحداها كانت ضد وزير الدفاع البلجيكي، ولم يدر بخلد الفتى المتحمس أنه بعد عقود سيصبح هو نفسه وزيرا للدفاع في مطلع الألفية الثانية.

نصح عدد من نواب الحزب الاشتراكي أندري أن يلتحق بمقاعد الدراسة الجامعية في جامعة بروكسل الحرة ليدرس العلوم السياسية والعلاقات الدولية والإدارة العامة، وهذا ما تم حيث شكلت الجامعة لأندري مساحة جديدة يعمق فيها وعيه السياسي والتزامه ويخطو في مسار طويل يقوده إلى أعلى المواقع في الدولة البلجيكية.

الجامعة كانت مسرحا حيويا للنشاط الطلابي اليساري على المستويات السياسية والثقافية، وهناك ومن خلال لجان التضامن مع حركات التحرر الوطني في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية وفي المقدمة حركة التحرر الوطني الفلسطيني، بدأ أندري فلاوو يعي مفردات القضية الفلسطينية كقضية استعمار، وساهم في تعميق هذا الوعي ثلاثة أساتذة جامعيين، تتلمذ أندري على أيديهم وتركوا بصمة هامة في مساره، الأول اسمه مارسيل ليبمان والثاني فيليب مورو والثالث غي سبيتال، وهولاء الثلاثة هم أحد الأعمدة للحزب الاشتراكي البلجيكي ومؤيدون للنضال الفلسطيني، أحدهم كان مارسيل ليبمان، يهودي الديانة، معروف بالتزامه اليساري الماركسي الرافض للاحتلال الإسرائيلي وشكل مع الشهيد نعيم خضر، أول مدير لمكتب منظمة التحرير الفلسطينية في بروكسل (استشهد في الأول من حزيران 1981 أمام منزله في بروكسل)، ثنائيا كانا يشرحان القضية الفلسطينية في كافة المنابر الجامعية والإعلامية.

بعد أن نال شهادته الجامعية بدرجة البكالوريوس في العلوم السياسية والإدارة العامة، تولى العديد من المواقع الحزبية داخل الحزب الاشتراكي ومنها مركز الدراسات والأبحاث الخاص بالحزب بالإضافة إلى المواقع الوظيفية الهامة مثل مؤسسة الضمان الاجتماعي الاشتراكي والوكالة الوطنية للولادة والطفولة حتى عام 1995، حين أصبح وزيرا في الحكومة الفيدرالية للخدمة المدنية، ومسؤولا أيضا عن المحاربين القدامى، وهو الذي جعل منه متابعا عن قرب لكل ما له علاقة بالذاكرة، وبقي في هذا الموقع قرابة 12 عاما.

وفي يوليو عام 1999، تم تشكيل حكومة جديدة برئاسة الليبرالي غي فيروهوشتاد، ضمت للمرة الأولى الخضر بالإضافة لليمين لليبرالي والذي كان من أبرز شخصياته لوي ميشيل، وزير الخارجية وهو مؤيد للحق الفلسطيني، شغل فيها أندري فلاوو موقع وزير الدفاع وبقي فيه (أي وزير الدفاع) قرابة ثماني سنوات متتالية، حيث أدخل إصلاحات عميقة في نظام الدفاع، وأجرى مراجعة شاملة لنظام إنفاق الجيش وأدخل البعد الإنساني في عمل الدفاع.

وفي نفس الفترة التي شغل فيها فلاوو حقيبة الدفاع، رفضت بلجيكا المشاركة في الحرب الأميركية على العراق في عام 2003، وبناء عليه رفض وزير الدفاع السماح للطائرات الأميركية بالتحليق في السماء البلجيكية للتوجه لضرب العراق، كما منع استخدام المطارات البلجيكية لطائرات الاستخبارات الأميركية بالرغم من أن بلجيكا عضو في الحلف الأطلسي، بل حتى تحتضن مقره في العاصمة بروكسل، وهذا ما كان يقوله المسؤولون الأميركيون، وكان رده الدائم إنه يريد تفاصيل عن تحرك الطائرات الأميركية.. من أين تأتي وإلى أين تذهب وماذا تفعل حتى يسمح لها باستخدام المطارات؟

ومما يذكره أندري خلال مشاركته في هذه الحكومة أنه في عام 2002 كانت بلجيكا على موعد مع قضية ساخنة أثارت تفاعلا على المستوى العربي والدولي وهي القضية التي رفعها عدد من ضحايا مجزرة صبرا وشاتيلا ضد رئيس وزراء الإسرائيلي الأسبق أريئيل شارون وذلك أمام المحاكم البلجيكية بموجب قانون بلجيكي سابق صدر عام 1993، كان يسمح بتطبيق الولاية القضائية الدولية, وطبقا لهذا القانون فقد كان ممكنا للمتضررين من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية رفع دعاوى ضد مرتكبي هذه الجرائم بغض النظر عن جنسية الضحية أو المعتدي أو المكان الذي يُرتكب فيه هذا النوع من الجرائم.

ونتج عن هذه القضية، ليس فقط أزمة مع إسرائيل والتي كادت تصل إلى قطع العلاقات ولكن أيضا مع الولايات المتحدة الأميركية التي هددت بلجيكا مباشرة بسحب مقر الحلف الأطلسي من أراضيها، ومنع أي نائب أو دبلوماسي أو عسكري أميركي من دخول بلجيكا، وتحت هذا الضغط كان على بلجيكا أن تلغي هذا القانون، ويرى فلاوو أن هذه الفترة جميلة بالنسبة له وأنه إذا عاد الزمان إلى الوراء فلن يتردد باتخاذ نفس المواقف.

من المواقف التي يفتخر بها أندري فلاوو في تلك الفترة خلال توليه وزارة الدفاع، بالإضافة إلى ملف المحاربين القدامى، أنه نجح بأقناع مجلس الشيوخ البلجيكي في 2003 بسن قانون  بلجيكي عام 2003، يكرم الأشخاص الذين عملوا في الحرب العالمية الثانية على إخفاء الأطفال اليهود في بلجيكا من أجهزة الأمن الألمانية التي كانت تلاحقهم، وبإيجاد مخصص مالي شهري لهؤلاء الأشخاص، وقد سمت الدولة البلجيكية هذا المخصص باسم "مخصص فلاوو" لأنه صدر بناء على اقتراحه وجهوده.

سمحت المواقع الرسمية والحزبية والتي تولاها أندري بالاقتراب من العديد من القضايا العادلة ومنها القضية الفلسطينية والتي كانت محط اهتمامه واهتمام رفيقة دربه ماري جوزي لالوا والتي كانت عضو برلمان، ورئيسة لجنة العلاقات الخارجية ورئيسة محافظة باربان ولان.

التزام أندري فلاوو، برفض كل أشكال الاضطهاد والقمع وبدعمه للشعوب المناضلة من أجل حريتها ومنها الشعب الفلسطيني، سبب له مشاكل مع  مجموعة مؤيدة للاحتلال الإسرائيلي في بلجيكا وتمارس ضغوطا شتى على كافة الأحزاب والشخصيات والتي تنتقد سياسة الاحتلال الإسرائيلي.

ففي 26 أيار/ مايو من عام 2008، وفي الذكرى الستين للنكبة، نظمت إحدى حركات التضامن مع الشعب الفلسطيني تظاهرة جماهيرية في إحدى ساحات مدينة نيفيل، الواقعة في إقليم والوني في محافظة باربان، تمثلت في مسرحية تحاكي ممارسات جيش الاحتلال الإسرائيلي وطرده للشعب الفلسطيني من أرضه حيث وضع متضامنون مع الشعب الفلسطيني لباس جيش الاحتلال وقاموا بتمثيل دورهم وهم يطردون فلسطينيين، من نساء وأطفال ورجال كبار من بيوتهم بشكل وحشي ويضعونهم في شاحنات ويقومون بترحيلهم، وقد طافت هذه التظاهرة عددا من شوارع المدينة، وكان المتظاهرون الممثلون يتحدثون بصوت عال، يشرحون ما حدث للشعب الفلسطيني قبل 60 عاما ويوزعون بيانا يشرحون فيه النكبة للسكان.

لم يرق هذا المشهد المؤثر لإحدى مجموعات الضغط المؤيدة لإسرائيل، واسمها "اللجنة التنسيقية للمنظمات اليهودية في بلجيكا" فتدخلت لدى السلطات البلدية في مدينة نيفيل لمنع المتظاهرين من إكمال مسيرتهم، وقامت ببث فيديو من 6 دقائق للمشهد وتوزيعه على شبكات التواصل الاجتماعي ويظهر في الفيديو، جانب من التظاهرة والتي تم منع استمرارها، ويظهر أيضا في الفيديو، نائبة فيدرالية من حزب الخضر اسمها تيريز سنوي، تعرب عن انزعاجها من الضغط الذي تمت ممارسته لمنع التظاهرة من إكمال مسيرتها وتعرب عن أسفها لرضوخ الأحزاب والقوى السياسية للضغوطات التي تمارسها بعض المجموعات اليهودية وعلى كافة المستويات.

ويظهر في الفيديو (والذي وزعته اللجنة التنسيقية للمنظمات اليهودية في بلجيكا) أيضا أندري فلاوو والذي كان حينها عضوا في المجلس البلدي في بلدية نيفيل، وهو يتحدث شفهيا دون ورقة، حيث يقول حرفيا: "إنني أحس بالعار لمدينتي نيفيل، عندما يتم منع تظاهرة أو تعبير عن رأي، وأنا أعتبر ذلك انحرافا خطيرا، وأنا كأي إنسان عاقل، منزعج وغاضب عنما أرى أطفالا يعانون، ونساء يعاملن بشكل سيئ ويتم اغتصابهن ورجال تتم معاملتهم بشكل سيئ وحريات يتم قمعها".

"خلال 12 عاما ونصف العام كنت فيها وزيرا، بذلت كل جهدي حتى لا يتم  نسيان الفظائع التي عانى منها الشعب اليهودي خلال الحرب العالمية الثانية، والتي يجب أن نتذكرها دائما، وقد كان لدينا هذا الالتزام وبالتالي فإنني أطالب أيضا أن يكون لدينا نفس الالتزام والتصميم ونفس الإرادة لإسماع صوت هؤلاء الذي يعانون بشكل مستمر، وألا يصبح ذلك أمرا عاديا، إنني مصمم على أن أناضل ضد كل أشكال التطرف، النازية والفاشية، أينما وجدت وفي أي مكان تقدم نفسها ـ من أجل ذلك أنا هنا".

وفي نهاية الفيديو وضعت اللجنة جزءا من تعريف معاداة السامية الذي وضعه مركز البحث عن العنصرية في الاتحاد الأوروبي لمعاداة السامية، في 2004، والذي جاء فيه، طبقا للفيديو "يمكن أن تشمل الأمثلة على الطرق التي تتجلى بها معاداة السامية نفسها فيما يتعلق بدولة إسرائيل مع الأخذ في الاعتبار السياق العام والتي تشمل إجراء مقارنة بين السياسة الإسرائيلية المعاصرة النازية".

وقد حاولت اللجنة التنسيقية للمنظمات اليهودية في بلجيكا، الإيحاء في هذا الفيديو والذي وزعته على نطاق واسع أن أندري فلاوو بكلامه هذا والذي يشبه سياسة إسرائيل بالنازية، حسب ادعائها، فهو معاد للسامية.

رفض أندري فلاوو هذا الادعاء واعتبر أنه تم المس بشرفه فقام بتقديم شكوى قضائية ضد اللجنة التنسيقية للمنظمات اليهودية في بلجيكا في محكمة بروكسل الابتدائية وكسبها، ولكن اللجنة طلبت في 2009 استئناف القضية رافضة الحكم الذي صدر لصالح أندري فلاوو, وبعد سنوات من مداولات في أروقة القضاء البلجيكي، والتي كان لها ردود فعل سياسية وإعلامية على أعلى المستويات، أصدرت محكمة استئناف بروكسل في 2014، وفي نفس الفترة التي حدث فيها الاعتداء على المتحف اليهودي في بروكسل في آذار 2014، قرارا برفض دعوة فلاوو ضد لجنة تنسيق المنظمات اليهودية في بلجيكا، ملزمة إياه بدفع أتعاب الفضية والتي خسرها.

آمن فلاوو أن عمل وزير الدفاع في بلجيكا يجب أن يتخطى الجيوش وأنه يجب أن يطال الجانب الإنساني وتقديم الدعم اللازم له، لأنه الوجه الآخر للدفاع، والذي يسميه دبلوماسية الدفاع والتي يجب أن تسير جنبا إلى جنب مع الدبلوماسية البرلمانية والتي مارسها والتي يرى فيها أنها مكملة للدبلوماسية الرسمية التقليدية، وهو يذكر الدعم الإنساني الذي عمل على إيصاله من خلال وزارة الدفاع البلجيكية إلى لبنان في عام 2006 لدى تعرضها للعدوان الإسرائيلي.

كما أولى في عمله اهتماما خاصا بالذاكرة والرموز والتي تتخطى الحواجز، فعندما فازت ميشلين باشلي، في رئاسة تشيلي في عام 2006، والتي كانت من الشخصيات الاشتراكية المعارضة لنظام الرئيس الأسبق بينوشيه، طلب أندري فلوو أن يمثل بلجيكا في حفل تنصيبها، وعندما ذهب إلى هناك ذهب أولا لوضع إكليل زهور على ضريح الجنرال سيرجو بوبلي والذي كان لاجئا سياسيا في بلجيكا عام 1973 وكان صديقا له، ثم ذهب لحفل التنصيب، كما ذهب إلى ضريح الرئيس سلفادور أليندي أول رئيس دولة في أميركا اللاتينية ذي خلفية ماركسية انتخب بشكل ديمقراطي. شغل منصب رئيس جمهورية تشيلي منذ 1970 وحتى 1973 عند مقتله في الانقلاب العسكري الذي أطاح بحكمه والذي خططت له ونفذته وكالة المخابرات المركزية الأميركية بقيادة الجنرال أوغستو بينوشيه.

نفس الأمر في فيتنام والتي زارها 3 مرات وحتى قبل أن يتم رفع الحظر عنها والتقى قائد معركة التحرير الجنرال جياب والتقى مجموعة من المحاربين القدامى الذين قاتلوا في الأنفاق في مواجهة الجيش الأميركي.

والحال نفسه مع فلسطين والتي يحرص، كلما استطاع، المشاركة في التجمعات الجماهيرية في بلجيكا وخاصة مع الحروب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة حيث يرى أن هناك تفاعلا جماهيريا، خاصة في قطاع الشباب يتخطى حركات التضامن التقليدية مع الشعب الفلسطيني والنقابات والأحزاب السياسية، ويذكر في هذا السياق التظاهرة الضخمة التي تمت في شوارع بروكسل في مطلع عام 2009، احتجاجا على العدوان الإسرائيلي على غزة، جنبا إلى جنب مع رئيس الحكومة البلجيكية آنذاك ورئيس الحزب الاشتراكي ايليودوروبو وسفير فلسطين آنذاك ليلى شهيد، يرى أنه يجب تكثيف العمل من أجل فلسطين مثلما كان الحال مع فيتنام وتشيلي .

ودائما في الرموز يذكر ان طلب من الحكومة البلجيكية، بصفته وزيرا للدفاع استقبال الرئيس الراحل ياسر عرفات في زيارته لبروكسل في الأول من حزيران عام 2001، حين حضر الرئيس عرفات مع وزير الخارجية آنذاك لوي ميشل، ندوة في جامعة بروكسل الحرة، عن الشهيد نعيم خضر وذلك في الذكرى العشرين لاستشهاده في الأول من حزيران 1981، والتقى مع رئيس وزراء بلجيكا وقادة الاتحاد الأوربي، كما يذكر اندري انه عندما كان رئيسا للبرلمان الفيدرالي حرص على استقبال الرئيس محمود عباس في شباط/ فبراير 2010 وتنظيم جلسة رسمية له.

ويعود وزير الدولة فلاوو في زيارته لفلسطين في منتصف التسعينيات مع مجموعة من أعضاء المجلس الشيوخ البلجيكي وهناك التقى الرئيس عرفات ولاحقا رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك شمعون بيريس وسلمه دراسة كانت أعدتها مؤسسة الدراسات والأبحاث إيميل فنديرفيلد، والتي كان يديرها، وتتناول بروكسل كعاصمة موحدة للإقليمين الكبيرين اللذين يشكلان بلجيكا، لتكون فكرة ملهمة للقدس عاصمة لدولتي فلسطين وإسرائيل.

يرفض الرئيس الفخري للبرلمان الفيدرالي المحاولات التي تسعى لإسكات أي انتقاد لسياسة إسرائيل ووصم هذا الانتقاد بأنه عمل معادٍ للسامية ويقول بكل صراحة: إن "إسرائيل هي طفل تم خلقه من قبل المجتمع الدولي وهذا الطفل أصبح مدللا ولا يستمع لأحد ولا يهمه أحد وهذا أمر مقلق".

في الانتخابات التشريعية لعام 2009، أصبح أندري فلاوو نائبا في البرلمان الفيدرالي عن حزبه الاشتراكي والذي قرر ترشيحه لرئاسة البرلمان حتى عام 2014، عاد بعدها من جديد للعمل الحكومي حيث أصبح وزيرا في حكومة إقليم والوني بروكسل والتي يمثل المجموعة الناطقة باللغة الفرنسية في بلجيكا، يشغل حقيبة الميزانية، الوظيفة العامة والتبسيط الإداري حتى عام 2019.

بقي ادري فلاوو والذي يحتفظ بلقب وزير دولة والذي منحه إياه  ملك البلجيكيين في 2009، وهو الحائز من قبل ذلك التاريخ، على وسام ملك البلجيكيين ليبولد الأول، كأعلى وسام في النظام العسكري والمدني في بلجيكا، يدافع عن القضية الفلسطينية في كل المنابر ومنها البرلمان الفيدرالي، حيث ما زال يحتفظ في عضويته بالإضافة لرئاسته الفخرية .

ويرى أن هذه القضية الفلسطينية تعاني كونها من "أقدم القضايا في العالم ومن تبسيط كثير في وسائل الإعلام إنها حرب بين طيبين إسرائيليين في مقابل أشرار فلسطينيين بينما هي في الحقيقة قضية استيطان وقضم للأراضي وهي قضية سجن مفتوح بدون سقف وقمع مستمر، ومع ذلك يجب الاستمرار في الدفاع عن القضية الفلسطينية، لأن ما يحدث هناك هو باختصار فصل عنصري ويجب أن تتواجد مجموعة من الدول ولو صغيرة تقول: لا للسير بشكل مستمر خلف الولايات المتحدة ويجب أن نحرر الحديث عن إسرائيل من الماضي".

mat
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024