أهمية إلغاء الاعتراف
نشر بتاريخ: 2022-10-19 الساعة: 13:33
عمر حلمي الغول
خطت حكومة رئيس الوزراء الأسترالي، أنتوني ألبانيز خطوة بالاتجاه الصحيح عندما قررت يوم الإثنين الماضي، سحب اعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل، وبقاء سفارتها في تل أبيب، إدراكا منها، أن ما اتخذته حكومة رئيس الوزراء اليميني السابق، سكوت موريسون عام 2018 بهذا الشأن، متساوقا آنذاك مع "صفقة القرن"، التي دشنها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في 6 كانون الأول/ ديسمبر 2017، أخل بالموقف الأسترالي التاريخي من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وعكس نفسه سلبا على علاقات الدولة الأسترالية مع الشعب الفلسطيني وممثله الشرعي والوحيد، منظمة التحرير الفلسطينية. لا سيما أن الشعب الأسترالي يرتبط بعلاقات إيجابية منذ مطلع خمسينيات القرن الماضي مع الشعب الفلسطيني.
جاء تراجع الحكومة الأسترالية الحالية في لحظة سياسية مهمة، خاصة وأن العالم يموج بالتحولات الدراماتيكية والعاصفة بالمنظومة السياسية الدولية، كما أنه مؤشر يشي بأن القضية الفلسطينية ما زالت تحظى باهتمام دول ذات وزن سياسي ودبلوماسي هام. وهذا التحول النسبي، لم يأت من فراغ، إنما نتاج جهود القوى الأسترالية الديمقراطية الفاعلة، والمؤيدة للحقوق الوطنية، والداعمة لخيار السلام، والرافضة لعملية التغول الإسرائيلية. كما أن الجاليات الفلسطينية والعربية والإسلامية، وتجاورها مع أكبر دولة إسلامية (إندونيسيا) وغيرها ساهم في النقلة الإيجابية.
وعكست هذا الموقف وزيرة الخارجية الأسترالية، بيني وونغ في بيان جاء فيه، إنها "تؤكد من جديد موقف أستراليا السابق والطويل الأمد بأن القدس، هي مسألة مرتبطة بالوضع النهائي، وينبغي حلها كجزء من أي مفاوضات سلام بين إسرائيل والشعب الفلسطيني". وبالتالي فإن هذا يعني "سحب اعتراف حكومة (رئيس الوزراء السابق موريسون) بالقدس الغربية عاصمة لإسرائيل". وأضافت قولها "كانت السفارة الأسترالية دائما، ولا تزال، في تل أبيب". مؤكدة التزام "أستراليا بحل الدولتين، الذي تتعايش فيه إسرائيل والدولة الفلسطينية المستقبلية، في سلام وأمن، داخل حدود معترف بها دوليا، ولن نؤيد نهجا يقوض هذا الاحتمال".
وفي أعقاب هذا الموقف الرصين لحكومة ألبانيز، استدعت الخارجية الإسرائيلية السفير الأسترالي للاحتجاج على التراجع عن اعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل. كما أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد، عبر عن استيائه وامتعاضه من "الموقف المتسرع" للحكومة الأسترالية. وكردة فعل أكد رئيس حكومة تسيير الأعمال الإسرائيلية، أن "القدس هي العاصمة الأبدية الموحدة لإسرائيل، ولا شيء سيغير ذلك". وفق البيان الصادر عن مكتبه. وهو إصرار على إدارة ظهر واضحة لخيار السلام عموما، وحل الدولتين خصوصا، الذي ادعى أمام منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخرا، أنه يؤيده؟!
وبادر العديد من السياسيين والعسكريين والإعلاميين والأحزاب وممثليهم في إسرائيل الاستعمارية إلى تسجيل استيائهم من الخطوة الأسترالية الصغيرة، لكنها الهامة والضرورية، وعبروا عن غضبهم، واستنكارهم للسياسة الأسترالية القديمة الجديدة. والعكس صحيح على المستوى الفلسطيني حيث رحبت القيادات الفلسطينية بمستوياتها المختلفة بالموقف الأسترالي، واعتبرته دعما وإسنادا لحقوق ومصالح الشعب الفلسطيني، وفي الوقت نفسه لخيار السلام، الذي عملت، وتعمل إسرائيل على تدميره، وتصفيته كليا.
نعم، الموقف الأسترالي في هذه اللحظة الخطيرة من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، يعتبر ضروريا، وهاما؛ لأنه جاء كرد طبيعي على جرائم حرب دولة التطهير العرقي الإسرائيلية، ورفضا لسياساتها العدوانية، ولتغول جيشها وقطعان مستعمريها على أبناء الشعب الفلسطيني، وانتصارا لخيار السلام، الذي تكاد تكون الدولة الصهيونية قضت عليه، وجردته من أبسط مكوناته وحضوره نتاج السياسات الصهيونية أحادية الجانب، والتي لم تتوقف لحظة في مواصلتها أبشع عمليات التهويد والمصادرة والتطهير العرقي والقتل والاعتقال للأطفال والنساء والشيوخ .. وغيرها من الانتهاكات الخطيرة، التي أمست تهدد أبناء الشعب في مدنهم وقراهم ومخيماتهم، وتستبيح أمنهم وحقولهم ومعابدهم خاصة الحرمين القدسي والإبراهيمي الشريفين وكنيسة القيامة، ولا تتوانى عن ارتكاب مطلق جريمة ضد الشعب الفلسطيني مع دخول ربع الساعة الأخيرة من المنافسة على مقاعد الكنيست الـ25، كون القوى الصهيونية كافة تعتبر تفوقها على خصومها السياسيين يكمن في مدى تغولها وقتلها من أبناء الشعب الفلسطيني.
شكرا لحكومة ألبانيز بكل مكوناتها، وشكرا للشعب الأسترالي ومواقفه المتزنة والرصينة، ولتكتمل الخطوة الجديدة تحتاج أستراليا للتقدم خطوة إضافية، تتمثل في الاعتراف بالدولة الفلسطينية، لتكرس دعمها ومساندتها لخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967. فهل تفعلها وتنتصر لخيار السلام والعدالة النسبية؟ الكرة في ملعب حكومة ألبانيز.
mat