الرئيسة/  مقالات وتحليلات

سقوط المفاهيم الساذجة عن المنظمة

نشر بتاريخ: 2022-10-18 الساعة: 16:28

عمر حلمي الغول


في جلسة ذات مساء قريب مع بعض الأكاديميين والنقابيين والسياسيين في إحدى العواصم العربية المجاورة دار الحديث حول المصالحة الفلسطينية، والانتخابات وأهميتها، ومنظمة التحرير ودورها المرجعي للقرار الوطني الفلسطيني، استوقفني حديث أحدهم، وهو رجل أكاديمي من أصول فلسطينية عن المنظمة بطريقة فيها للأسف قصور سياسي وقانوني وتنظيمي، وعدم فهم لمكانتها المركزية في كفاح الشعب الفلسطيني، وثقلها العربي والدولي كممثل شرعي ووحيد للشعب، وساوى بينها وبين أي منظمة أو مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني أو كمركز ثقافي، لا قيمة لهيئاتها القيادية، حتى عندما تطرق الحديث للمجلسين الوطني والمركزي، وأهميتهما كمرجعيات للقرار السياسي والقانوني والكفاحي، نطق كفرا، عندما استخف بمكانتها، واعتبرها لا تعني له شيئا. ولا يجوز من وجهة نظره، التي تتقاطع مع وجهات نظر القوى المتربصة بالمنظمة ومكانتها التشريعية والتنظيمية، ودورها كوطن معنوي للكل الفلسطيني في الوطن والشتات، إعطاؤها مكانة أكثر مما تستحق، وتذرع بأن أعضاءها "لم ينتخبوا"، وإنما "فرضوا فرضا" على الشعب. ولم يميز بين لحظة تاريخية وأخرى في كفاح الشعب الوطني، والأسباب والخلفيات، التي فرضت أسس وآليات التشكيل لها في شروط فلسطينية وعربية قاهرة، ومع ذلك هيئاتها القيادية تم انتخابها، ودوائرها تم التوافق عليها بين ممثلي القوى السياسية الفاعلة في النضال الوطني. لكنه تجاهل ذلك، حتى يدعم وجهة نظره السلبية.

ورغم اتفاق الجميع من المشاركين بالحوار على أهمية وأولوية الانتخابات لأعضاء المجلس حيث أمكن ذلك، واعتماد الاختيار والتوافق بين المكونات السياسية والمستقلين، بقي الأكاديمي المنساق في متاهة التبسيط والتسطيح يكرر الكلام ذاته؛ لأنه إما لا يدرك أهمية ومكانة المنظمة المركزية؛ أو أنه يكرر مواقف القوى المستهدفة للمنظمة ومكانتها. لا سيما أن تلك القوى تعتقد، أن معضلتها الأساسية في الساحة تكمن في عدم حضورها في المنظمة، وبالتالي كان خطابها قبل لقاء الجزائر الأخير (أكتوبر 2022) يقوم على تبهيت ما تمثله المنظمة. آملا أن يكون موقفها تغير بعد إعلان الجزائر الأخير.

بيد أن الرجل الأكاديمي لم يتابع التطورات الجارية في الساحة، أو مُصر على ذات الموقف المسبق، ويردده بشكل ميكانيكي، دون إدراك لأبعاد مخاطره، وتداعياته السلبية على الشعب الفلسطيني ووحدة مركز قراره، وتمثيله، وعنوانه السياسي الوحيد أمام العالم، ومرجعيته القانونية والتشريعية، والمحدد لبرنامجه السياسي في الدورات المتعاقبة وفقا للتطورات السياسية المحلية والعربية والدولية.

وعليه يخطئ، من يعتقد أن منظمة التحرير منظمة شكلية، يمكن فكها وتركيبها وفقا لمزاج وتقديرات بعض القوى السياسية الجاهلة، أو المتجاهلة لضرورتها ومركزيتها الوطنية. وهي تشبه بالمعايير النسبية منظمة الأمم المتحدة بالنسبة للعالم، مع الفارق بين التمثيلين، والمهام والوظائف الموكلة لكل منهما؛ لأن انهيار هيئة الأمم المتحدة، رغم كل المثالب والنواقص، التي تعاني منها، ورغم معرفة خلفيات من عمل على الدعوة لتأسيسها في أعقاب الحرب العالمية الثانية في عام 1945، تعني انهيار المنظومة السياسية والقانونية العالمية. بالضبط كما تم تشكيل عصبة الأمم في أعقاب الحرب العالمية الأولى 1919 عقب مؤتمر باريس. وبالتالي انهيار وفك المنظمة يعني انهيار التمثيل الوطني، وضياع تبديد وحدة الشعب والأرض والمشروع الوطني والنظام السياسي الفلسطيني التعاقدي التعددي.

كما لم يميز ذلك الأكاديمي بين المطالبة بالانتخابات لمجلسها الوطني وهيئاتها المركزية، وبين تسجيل الملاحظات، والحديث عن الأخطاء والخطايا، وبين الاستهتار بها وبمكانتها، وضرورتها الوطنية لتمثيل الشعب، وحماية مصالحه الوطنية، والدفاع عن أهداف وثوابت ومرتكزات نضاله، وتمثيله أمام المنابر العربية والأممية بمختلف منظماتها، وتمثيلها أمام الدول في قارات الأرض، والتشبيك معها لتعزيز المصالح الفلسطينية، وتوطيد العلاقات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية معها، وأيضا بذات القدر مع المنظمات القارية المختلفة لتكريس الدور السياسي الفلسطيني.

وبدا للمستمع لذلك الأكاديمي، أنه لم يدرك طبيعة العلاقة بين المنظمة والسلطة، أداتها وذراعها في الأراضي المحتلة عام 1967، ويشطب ويحذف ما يريد دون أي تدقيق، أو تمحيص فيما ذهب إليه من مفاهيم لا تمت للواقع الوطني بصلة. ولهذا بودي أن أدعو المنابر الإعلامية والأكاديمية التربوية والثقافية التعريف أكثر فأكثر بدور ومكانة منظمة التحرير حتى لا يبقى بعض أبناء الشعب في حالة غياب أو تغييب لضرورتها وأولويتها في أوساط الشعب، وأمام الأشقاء والأعداء ودول العالم ومنابره. المنظمة كانت وستبقى العنوان الأساسي لتمثيل الكل الفلسطيني بمختلف مشاربهم وتوجهاتهم الفكرية والعقائدية والسياسية، وأيا كانت الخلافات الداخلية، فلن تؤثر على هذه الحقيقة. ولا تستطيع أي قوة سياسية الانتقاص من حق العضوية للقوى السياسية الفاعلة، ولكن وفق محددات المنظمة وبرامجها السياسية والتنظيمية، وليس وفق إملاءات هذه القوى أو تلك، أو على كيفي أو بحرد. المنظمة بيت الجميع الفلسطيني، وحاضنة كل فلسطيني دون انتقاص.

[email protected]

mat
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024