الصورة.. الفيلم الوثائقي.. والبيِّنة "حوارة"
نشر بتاريخ: 2022-10-16 الساعة: 12:04موفق مطر
نعتقد بوجوب النظر إليها والتعامل معها كمادة دسمة لأفلامنا الوثائقية, يجب استخدامها، لتحقيق أهدافنا السياسية والإنسانية المشروعة، وتقديم روايتنا الفلسطينية دون (رتوش) ارتكازا على قواعد العمل الفني الوثائقي. فصور ولقطات ومشاهد المستوطنين الإسرائيليين اليهود المتطرفين المسلحين المجرمين ليست هوليوودية، ولا من وحي خيال كتاب سيناريو ومخرجي (أفلام الآكشن)، إنها أدلة مادية حقيقية، هم أبطال الشر، الخارجون من بيئة وطبيعة منظومة الاحتلال الإسرائيلي الاستيطاني العنصري، "كيان اللاقانون" الوحيد في العالم، المسمى "دولة إسرائيل" العاملة بكل قوة، والمسخِّرة لأعظم الإمكانيات المادية والدعاية ليس لتسويق ذاتها على أنها الديمقراطية الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط، ونموذج يحتذى وحسب، بل لإخفاء حقيقتها، ككيان مستخدم للقوى الاستعمارية، وظّف منذ إنشائه لتسييد منطق الإرهاب وسفك الدماء والسيطرة على الآخر بقوة السلاح، متبعا منهج تهجير واقتلاع المواطنين الأصليين !!..وكأنهم بالدعاية المكثفة عن "ديمقراطية إسرائيل"، وسيادة القانون والمؤسسات فيها، وما يسمى أخلاقيات جيشها يحاولون منع الذاكرة الإنسانية الجمعية من استرجاع مشاهد استيطان الغزاة واستعمارهم لأميركا الشمالية، بعد عمليات وصلت حد الإبادة في معظمها لشعوبها الأصلية، بالتوازي مع جهود لتلميع صورة المستوطنين الذين رغم جهود الساسة والعسكر في إسرائيل، ما زالوا الصورة الأصلية للطيف المنعكس عن مفاهيم الصهيونية الاحتلالية الاستيطانية العنصرية، التي لم يكف قادتها وورثة تعاليمها عن تأصيل الإجرام في شخصية المستوطن، باعتبارها القوة الموازية لإرهاب عسكر إسرائيل، وربما أقوى تأثيرا في بعض الأحيان والمواقع.
صور ومشاهد إطلاق المستوطنين النار على المواطنين الفلسطينيين ومحاولة إرهابهم مسبوقة وهي لا تعد ولا تحصى، لكن أحدثها ما شاهدناه في بلدة حوارة الفلسطينية جنوب نابلس أمس الأول، فالمستوطنون كانوا مثالا يحتذى لعصابات الجريمة المنفلتة، ومصدر إلهام لمؤلفي ومخرجي أفلام العصابات، والجريمة السياسية، والمعنيين بسينما الواقع أيضا، أما بالنسبة لنا فإنها – على أضرارها، وحجم وفظاعة معاناة المواطن الفلسطيني– تبقى شهادة حية على جرائم الحرب وضد الإنسانية التي ترتكبها منظومة الاحتلال والاستيطان (إسرائيل) بحق الشعب الفلسطيني، ويجب أخذها بينة ننتصر بها لروايتنا المرفوعة للعالم على منصة الحق.
ما نشهده من تفكك سياسي لمنظومة الاحتلال (إسرائيل) وبروز وجهها الاستعماري الإرهابي العنصري الحقيقي، الذي تمثله مؤسستها العسكرية (جيش الاحتلال) والمخالفات الصريحة لقواعد الدولة عبر إشراك المستوطنين في عمليات الاغتيال والقتل والإرهاب وتكليفهم بمهمات على الحواجز والطرقات وتوفير الحماية لهم من أعلى هرم مؤسسة المنظومة الرسمية، تحتاج منا إلى نقلة نوعية، ورؤية عميقة ودقيقة وحساسة، حيث تتم دراسة كل العناصر داخل إطار الصورة واللقطة والمشهد، لنضمن وصول رسالتنا العاكسة لحقيقة ما جرى وما زال قائما على الأرض.
لم يعد مجديا التعامل مع أحداث كهذه وغيرها كمهمة تصوير صحفي لحدث الغرض منه توفير الصورة المرفقة بالخبر المرئي، وصار لازما نزول المتخصصين إلى الميدان لاقتناص لحظات الذروة الدرامية للشرائط الوثائقية، التي تعتبر في عالم الاتصال والتواصل والإعلام الأقوى تأثيرا وجدوى، خاصة في ظل سيطرة مراكز الوكالات الصحفية الكبرى في العالم على سوق الصورة الثابتة أو المتحركة (الفيديوية) وتوزيع ونشر ما ينسجم مع سياسة الوكالات، التي قد يكون متعارضا مع منطق الحق والحقوق، أو تنشر ما ينفع في تأكيد الرواية المضادة لروايتنا، وتبرير أعمالها حتى لو كانت في ذروة المخالفة للقوانين، وحقوق الإنسان.
نعتقد أن شركات الإنتاج الإعلامي في بلادنا كثيرة جدا، وهي إلى جانب تقديمها خدمات مهمة لفضائيات ووسائل إعلام كبرى وهامة عربية وأجنبية يمكنها إلى جانب مؤسساتنا الإعلامية الرسمية إحداث فارق في الصراع على الاستحواذ على عقل وعاطفة المتلقي في دائرة الرأي العام الأجنبي، دون إغفال أهمية ذلك على دائرة الرأي العام الوطني والعربي أيضا، لتحريره من منطق المسلمات، وإطلاقه في فضاء منطق المحاكاة العقلانية، حيث يستخدم حواسه جميعها لبناء قاعدة الموقف، وتحديد الظالم والمظلوم، وتشجيعه على الانتصار لإنسانيته وفق الرسالة التي نقدمها له في شريط وثائقي بدقائق معدودة، لكنها غنية بالحقائق والوقائع غير القابلة لتناولها بالشكوك.
mat