الرئيسة/  مقالات وتحليلات

الرد على ترس

نشر بتاريخ: 2022-10-06 الساعة: 11:58

 عمر حلمي الغول

لا أعتقد أن في أوساط الشعب الفلسطيني، أو شعوب الأمة العربية من تفاجأ أو استغرب من تصريح رئيسة وزراء بريطانيا، ليز ترس، التي عادت وكررت مقولتها، بأنها "صهيونية كبيرة"، وأعادت طرح وعدها مع اختيارها من قبل حزب المحافظين خلفا لرئيس الوزراء السابق بوريس جونسون، الهادف لدراسة حكومتها نقل السفارة البريطانية من تل أبيب إلى القدس، مكرسة ومعمقة نهج الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب من زاوية النقل، ومن زاوية أخرى معمقة موقف الرئيس الأميركي الحالي، جو بايدن، الذي قال: لو لم تكن الصهيونية موجودة، لأوجدتها، وأكد أنه صهيوني بالانتماء؛ لأن الكل الفلسطيني والعربي بمن في ذلك بسطاء الناس، يعلمون أن إسرائيل الصهيونية الاستعمارية، هي صنيعة الغرب، وأداتهم، وابنتهم اللاشرعية وخندقهم الأمامي المتقدم في الوطن العربي، الذي أوجدوه في فلسطين، وعلى حساب نكبة شعبها، ولتصفية وتدمير كل بارقة أمل لنهوض الأمة العربية.
وتأكيدها على موقفها الاستعماري، ليست بحاجة له؛ لأنها غير مقبلة على حملة انتخابية، ولا هي مضطرة لإطلاق موقف له دلالات سياسية وقانونية خطيرة، لم يسبقها لهكذا موقف إلا سلفها الأسبق جيمس آرثر بلفور، الذي أطلق وعده المشؤوم في عام 1917 بإقامة "وطن قومي لليهود في فلسطين"، ومن ثم قامت كل من بريطانيا وأميركا ومعهما باقي دول الغرب الاستعماري بتعميده والمصادقة عليه في المنظومة الدولية آنذاك، أي بترسيمه في عصبة الأمم في 24 تموز/ يوليو 1922، والذي عهدت في تنفيذه وترجمته لهيئة الأمم المتحدة الحالية عبر مصادقتها على قرار التقسيم 181 في تشرين الثاني/ نوفمبر 1947، وأصلت لنكبة الشعب الفلسطيني. 
وخطورة موقف رئيسة وزراء المملكة المتحدة تكمن في، أولا، استهداف خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967؛ ثانيا، منح إسرائيل المارقة والخارجة على القانون الضوء الأخضر لمواصلة الاستيطان الاستعماري، واستباحة الحقوق والمصالح الفلسطينية؛ ثالثا، الاعتداء الصارخ على القانون الدولي، وكل القرارات الأممية ذات الصلة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي؛ رابعا، هدم الضوابط البريطانية تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. 
ليز ترس، زعيمة حزب المحافظين في المملكة المتحدة، ليست أمية ولا جاهلة لأبعاد وأخطار الحجر الذي ألقته في بركة ماء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي المشتعلة أساسا، والتي هي بأمس الحاجة لمن يطفئ نيرانها، وليس لإشعالها أكثر فأكثر. وهي تعلم أنه لم يسبقها في موقفها الحالي أي رئيس وزراء من المحافظين بعد التوقيع على أوسلو، والثلاثة السابقون عليها من المحافظين، هم: ديفيد كاميرون، وتيريزا ماي وبوريس جونسون. رغم أنهم جميعا منحازون لدولة المشروع الصهيوني، واتخذوا مواقف داعمة للوعد المشؤوم بلفور، ورفضوا ملاحقة المحكمة الجنائية الدولية لقادة إسرائيل، كما فعل جونسون عام 2019، وكما دعمت ماي المفاهيم الجديدة لمعاداة السامية، وكما طور وعمق التعاون الأمني الاستخباراتي إلى مستويات غير مسبوقة ديفيد كاميرون، إلا أنهم بقوا يعلنون تمسكهم ولو لفظيا بخيار حل الدولتين. 
لكن ترس كسرت الجرة، وهذا جهل من جانب آخر، ذكرته فيما سبق عن المرأة الشمطاء الجديدة، والمتمثل باندفاعها وتهورها، وعدم تدقيقها جيدا في مآلات خطواتها الدراماتيكية، رغم أنها من حيث الجوهر تعكس حقيقة موقف كل الغرب الأنجلوسكسوني تجاه دولة النكبة والمحرقة الإسرائيلية. بيد أن الغرب بكل ألوان طيفه الرأسمالي وفق مدرسته السياسية يلجأ لدعم ربيبتهم الصهيونية بطرق أكثر دبلوماسية، ومن خلال حجب وطمس الحقوق الفلسطينية، مع أنهم يؤيدونها بالشكل، لكن في الجوهر والمضمون، هم ضدها، ولا يؤيدونها، والدليل عدم الاعتراف بالدولة الفلسطينية، والتماهي مع جرائم الحرب الإسرائيلية، وحماية تلك الدولية من المحاسبة والمساءلة الدولية، وعدم إلزامها باستحقاقات عملية السلام وخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967....إلخ.
وللخروج من متاهة الصمت، أو الرد الخجول، تملي الضرورة الرد على زعيمة المحافظين ترميم جسور الوحدة الفلسطينية، وتنفيذ قرارات المجلسين الوطني والمركزي؛ و تصعيد المقاومة الشعبية، هذا فلسطينيا. ولكن عربيا الرد الأعظم، هو نهوض الأمة وقوى حركة التحرر الوطني، والكف عن النوم، والاستيقاظ من لعنة الواقع، والخروج من دوامة التساوق مع دول الغرب الرأسمالية، 
[email protected]

   

mat
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024