أسرلة المناهج الفلسطينية في القدس البوابة نحو تهويدها
نشر بتاريخ: 2022-09-19 الساعة: 13:50
بقلم: فتحي احمد
بعد عام 1967 بدا عهد جديد انتهجته إسرائيل في خطة محكمة في اطار تهويد المناهج الفلسطينية في القدس، كنهج لطمس الهوية الفلسطينية وبداية مشروع الحركة الصهيونية الرامي الى اسرلة المدينة وتهويدها، سواء كان على صعيد الأماكن المقدسة وهندسة العقول حسب الرؤية الصهيونية لفصل الشباب المقدسي عن واقعهم العربي والاسلامي، وحرف بوصلة التعليم، بجانب فرض واقع ديمغرافي يتناسب مع الفكر التوراتي وما يمليه الحاخامات على القيادة السياسية، وتحظى مدينة القدس بأهمية بالغة أيضا في الفكر السياسي عند قادة الحركة الصهيونية والصهيونية الدينية، فالاستيطان في القدس كان من اهم المنطلقات التي تشبثت بها الحركة منذ نشأتها وخلق إطار شامل للاستمرار في عمليات التغيير والتطوير في المدينة كعاصمة لإسرائيل، ومركز للحكم فيها، وتمثل ذلك في تغيير المعالم الثقافية والحضارية والتاريخية للمدينة المقدسة، كموقع أثري وموروث حضاري ثقافي يهودي.
هذا التوظيف للتوراة وهذا الاستدراج للأسطورة في حياة اليهود هو ما استند إليه قادة الحركة الصهيونية، في تحويل بيت العنكبوت إلى حقيقة، واللاتاريخ إلى تاريخ، والعدمية والتشوية والدارونية إلى وجود، وبدأ الحركة الصهيونية في تسليط الضوء على القدس بشكل أو بآخر في التعبئة الفكرية الأيدلوجية للحركة الصهيونية، وبدأ يتشكل في المخيلة اليهودية تصورا خاصا عن القدس وأُطلِقت عليها العديد من التسميات، منها: مدينة الله، ومدينة داود، ومدينة الملك العظيم، ومدينة يهودا، وأرائيل، ومدينة العدل، وشاليم، ومدينة صهيون. القدس اذن في قلب العقيدة اليهودية والفكر التوراتي كانت هدفا في إضفاء الطابع التوراتي أي لا معنى لإسرائيل بدون القدس، ولا معنى للقدس دون الهيكل حسب ما صرح به ديفيد بن غوريون، من هذا المنطلق الفكري دأبت الصهيونية على تغيير الواقع العربي الإسلامي في القدس، من خلال الاسرلة المكثفة والهرولة نحو مصادرة مزيد من الأراضي وبناء المستوطنات في القدس وحولها وهوالسباق مع الزمن.
الإجراءات المتدحرجة لتغير الواقع المقدسي:
لقد الغى الاحتلال قانون التعليم الأردني رقم ( 16 ) لعام 1964 ، وحل محله قانون وزارة المعارف الإسرائيلية، وتبعه ذلك اغلاق مكتب التربية والتعليم في القدس، واصبح التعليم الثانوي تحت رقابة بلدية القدس، هذا التحول السريع هو من اجل تبديد الهوية العربية والإسلامية في المدينة المقدسة وسحق القيم لتحل مكانها القيم الصهيونية، بهذه الخطوة الاحلالية ارادت حكومات إسرائيل المتعاقبة خلق واقع يتماشى مع تسويق نظرية الاحتلال حول القدس مدينة يهودية، وضعت قانون مركز الحياة، وهوقانون مؤقت الجنسية اللذان يحدان من نمو السكان الفلسطينيين، ويزيد من النمو السكاني الإسرائيلي كتناسب عكسي ، فسنت عدة قوانيين تتعلق بالتخطيط والبناء، وانشاء مناطق خضراء للحد من التمدد الفلسطيني في القدس، فسنت الخطة الخمسية والتي اعلن عنها عام 2018 شملت على ستة قطاعات منها التعليم وكان لتعليم حصة الأسد من الدعم المالي الذي قدر بحوالي ( 127 مليون دولار ). وهو كسياسة تشجيع أولياء أمور الطلاب العرب على الانخراط في برنامج التعليم الإسرائيلي.
واقع التعليم في القدس:
لا شك ان الاحتلال يبذل جهده في خلق كثير من الحواجز والمعيقات من اجل إعاقة المسيرة العلمية في المدينة المقدسة، وذلك من خلال المضايقات اليومية للطلبة بعمل حواجز طيارة وإجراءات تفتيش للطلبة واذلالهم، وبعد إقامة جدار الفصل العنصري عام 2004، كان هنالك حالة لها طابع عنصري بحت، من تفتيت المنطقة الجغرافية الواحدة، فعزل الجدار ما يقارب 55000 ألف مواطن عن محيطهم السكاني، واوجد هذا العزل واقعا اجتماعيا مريرا ضرب البنية الأساسية للتكوين الاسري الاجتماعي.
ان نسبة عالية من مدارس مدينة القدس تعاني من نقص في الأبنية وصعوبة توفير ارض لإقامة مدارس عليها، فضلا عن الحيلولة دون حصول القائمين على المسيرة التعليمية في القدس على تراخيص لبناء المدارس، ومصادرة قطع أراضي كان من المقرر ان تقام عليها غرف صفية، نتيجة هذا الاجراء تم اللجوء لاستئجار مباني بديلة فهو حل غير مرض، هذه المباني لا تتلاءم مع واقع الطبيعة المدرسية ، من حيث مناسبتها للتدريس وافتقارها لكثير من الأمور السليمة التي تتعلق بالجو الدراسي العام، مما ينعكس سلبا على الأداء الوظيفي للمعلم واريحية التعليم للطالب، فشح الموازنات المدرسية ونقص مصادر التمويل وعدم انتظام الرواتب أدى الى هجرة الادمغة التعليمية، مما اوجد نقص حاد في المعلمين، على صعيد اخر فان الاحتلال استهدف اللغة العربية وعمد على منع تدريس الادب العربي، بدواعي ان المنهاج الفلسطيني يحرض على العنف ويتحدث عن بطولات العرب ومعاركهم وبسالتهم، واستبداله بدراسة الادب الإسرائيلي مثل قصص وروايات إسرائيلية وغيره، فهذا النهج الفلسفي مستقاه من الرواية الصينية فبعد الغزو الياباني للصين اذهل الصينيون من دخول الجيش الياباني لبلدهم، كيف لا وجدار الصين العظيم يمنع دخول ولو حشرة حقيرة، فخرج احد المفكرين عن صمته فقال كان يجب علينا ان نعد الحارس قبل ان نقيم الجدار. هذا ما تعكف عليه إسرائيل منذ احتلالها للمدينة هو برمجة وهندسة العقل المقدسي قبل السياج الفاصل، مقدمة ضرورية نحو السيطرة على القدس وسكانها.
المقايضة المشروطة:
حتى يتسنى للاحتلال السيطرة على التعليم بشكل موسع ويحكم سيطرته عليه كان هنالك شرط مقابل الدعم المالي وتمويل مدارس القدس، وهو ان يطبق المنهاج الإسرائيلي بحذافيره، فهذا الدعم المالي الإسرائيلي المشروط السخي دفع كثير من أولياء الأمور الى تسجيل أبنائهم في مدارس تتبع المنهاج الإسرائيلي، من اجل تحسين البنية التحتية للمدارس وترميم المباني المتأكلة، رئيس الوزراء السابق بينت قال يجب ان يكون شعار العملية التعليمية في مدينة القدس هو توحيد المدينة عبر خطة تعليمية متكاملة تشمل جميع المراحل بالإضافة لإجبار المدارس في المدينة على العمل حسب فلسفة وزارة المعارف الإسرائيلية.
نحو سياسة تعليم محفزة:
بعد كل هذه الحروب على خطط التدريس الفلسطينية في القدس، ومحاولات إسرائيل المتكررة لتغير المصفوفة المفاهيمية المتأصلة في الشعب الفلسطيني وتاريخه المجيد حول القدس، وفلسطين، يجب ان يكون هنالك تتظافر للجهود لدعم التعليم في القدس من خلال الضغط على إسرائيل لإعطاء القائمين على التعليم حقهم في إقامة المدارس بعد النقص الحاد في غرف التدريس، ودعم المنهاج الفلسطيني من محاولات التهويد والاسرلة ، والهدف هو دعم وتعزيز الصمود في ظل هذه الموجة الشرسة التي تقوم بها إسرائيل ضد الوجود الفلسطيني في كل مكان من فلسطين، وخاصة مدينة القدس.
mat