حول معرض الكتاب
نشر بتاريخ: 2022-09-19 الساعة: 13:47
عبد الغني سلامة
لليوم السادس تستمر فعاليات معرض فلسطين الدولي للكتاب، بدورته الثانية عشرة، وبقي أربعة أيام حتى يقفل أبوابه ويعود الزوار والضيوف والناشرون والعاملون إلى بيوتهم محملين بذكريات المعرض، وجولاته، وأمسياته، ولقاءات الأصدقاء ونقاشاتهم وتبادلهم كتبهم.. وستضم أوراق المعرض ووثائقه إلى أرشيف وزارة الثقافة، لتضيف إنجازاً آخر إلى الحركة الثقافية الفلسطينية، وتفاعلها مع محيطها العربي والإنساني.
حلت تونس الشقيقة ضيف الشرف على المعرض، وكنت أتمنى لو أنهم أحضروا لنا جزءًا وفيراً من إنتاج مفكري تونس ومثقفيها المميزين، سواء كتبهم القيمة، أو باستضافتهم شخصياً.
كما استضاف المعرض نخبة منتقاة بعناية من مثقفين وأدباء وشعراء عرب، قامات أدبية وثقافية نعتز بها، وقد حلوا ضيوفاً كراماً علينا.. بيد أن الاحتلال حرمنا (كعادته) من قامات أدبية أخرى، كنا نتوق للقائهم.
وشاركت في المعرض عشرات دور النشر الفلسطينية والعربية والعالمية، منها من حضرت مباشرة، ومنها من شارك بتوكيلات لدور نشر أخرى، فحضرت كتبهم، وغابت شخوصهم، لكن حضورهم المعنوي كان حاضراً بقوة.
وكأي فعالية ثقافية كبيرة لا بد أن تختلف الآراء والتقييمات حولها، فقد رأى البعض أنه بالإمكان تقديم شيء أفضل، وأجمل، وأكثر متعة.. فيما عبر آخرون عن ارتياحهم لحسن الإدارة والتنظيم.. من جهتي رأيت قاعات المعرض فسيحة، ونظيفة، بفضاء مفتوح، وخدمات جيدة، والكتب مرتبة بطريقة تسهّل على الزوار المرور عليها.. فضلاً عن نوعيتها وجرأتها وتنوع موضوعاتها.. مع الأخذ بعين الاعتبار أن سلطات الاحتلال حرمتنا من مشاركة دور نشر مرموقة، لكن هذا لا يقلل من أهمية المعروض.. وخلافاً لدورات سابقة اقتصرت الفعاليات على رام الله، وتحديداً على أرض المعرض.. وعدم تخصيص جناح خاص بأسرى الحرية، والاكتفاء بندوة أدارها الدكتور عبد الرحيم الشيخ واستضافت الأسير المحرر جمال حويل .. ولكن يُحسب للمعرض تخصيص ركن كبير وواسع خاص بالأطفال، وتوفر عدد كبير من كتب ومجلات الأطفال.. ويُحسب للإدارة جهدها المميز في مجال الدعاية والإعلان عن المعرض.
ما كان ينقص المعرض توفير مواصلات عامة، أو تسيير حافلات مجانية لنقل الزوار، خاصة وأن المكان بعيد نسبياً، كما يجب توفير حمّامات عامة، وتنظيم مواقف السيارات، والاهتمام أكثر بنظافة الكافتيريا الملحقة بالمعرض. وأيضاً توفير تكييف، أو على الأقل «مراوح» تخفف من وطأة حرارة الصيف المرتفعة.
بالإجمال، الكتب ليست رخيصة الثمن، كما يأمل الزوار، وربما كان على وزارة الثقافة إعفاء دور النشر من رسوم المشاركة الباهظة، أو تخفيضها لتشجيع الناشرين على عمل تخفيضات.. وربما كانت هذه من بين أسباب ضعف حجم المبيعات، إضافة لتخلف المؤسسات العامة والأكاديمية عن الإقبال على المعرض، قياساً بدورات سابقة، حتى الآن، ونأمل أن يتغير الموقف قبل نهاية المعرض.
على هامش المعرض، نظم نادي حيفا الثقافي لقاء تعارف بين المثقفين والأدباء الفلسطينيين على جانبي الخط الأخضر، فقد حضر وفد كريم ضم نحو ثمانين كاتباً وأديباً وفناناً من مختلف مناطق 1948، والتقوا مع مثقفين من الضفة وغزة والشتات، في مشهد توحد فيه الكل الفلسطيني، سياسياً وثقافياً.. وهذه فرصة للحديث عن الدور العظيم والمهم الذي يقوم به نادي حيفا، ليس في المجال الأدبي وحسب، فهذا مجرد مدخل لما هو أعمق: تعزيز المشهد الثقافي الفلسطيني لأهلنا في الداخل المحتل، وحماية الذاكرة الشعبية، والهوية الوطنية من محاولات الطمس والإلغاء، والأسرلة.. ما يعني تمكين صمودهم، وتمسكهم بأرضهم، وفتح الأبواب لهم لمستقبل أفضل، تشرق فيه شمس الحرية.. وهذا النتاج الثقافي يقدم الرواية الفلسطينية التاريخية بمعانيها الإنسانية والحضارية، في مواجهة الرواية الصهيونية المبنية على أساطير توراتية، والمرتكزة على قيم العنصرية والاحتلال والعدوان.. فشكراً لنادي حيفا، وللأستاذ فؤاد نقارة، وطاقم النادي ورواده.
وبمناسبة الحديث عن حيفا وحتى تكتمل الصورة لا بد من الإشادة بقطب ثقافي حيفاوي آخر: المثقف والناشر صالح عباسي ومكتبة «كل شيء»، والتي قامت بنشر عشرات الكتب لعدد كبير من الكتاب الفلسطينيين، دون أن يتحملوا نفقات الطباعة. ولا شك بأن هذا الدور يساهم في تعزيز وإغناء المشهد الثقافي الفلسطيني.
وعلى هامش المعرض أيضاً دار جدال حول ظاهرة الشعراء والروائيين الذين ظهروا فجأة، ودون مقدمات.. أكثرية الآراء انتقدت هذه الظاهرة، ووضعت اللوم على دور النشر، وقالوا إنها باتت تغلّب المعيار التجاري على معيار الثقافة وجودة العمل؛ واعتبر أصحاب هذا الرأي أن ذلك أضر بالثقافة، وساهم في تشويه الذائقة الفنية للقراء، بل وأساء للأعمال القيّمة التي بذل أصحابها فيها جهداً حقيقياً..
وبرأيي، هذه الظاهرة جزء من عناصر أزمة الثقافة العربية، وأزمة الكتاب.. وهي، أولاً: عدم قدرة المؤلفين على طباعة مخطوطاتهم. وثانياً: متطلبات دور النشر المادية، وحقها في نشر ما تراه مناسباً، لأنها في النهاية مؤسسات ربحية، وعليها التزامات مادية، ولا تتلقى دعماً من أحد. وثالثاً: عزوف الجمهور العربي عن الكتاب، والتحول إلى القراءات السريعة (منشورات الفيسبوك، والتيك توك).
وبرأيي يجب إتاحة الفرصة للكتاب المبتدئين، والثقة بذائقة الجمهور، فبوسع القراء تقييم جودة العمل، وتمييز الغث من السمين.. وبدلاً من إلقاء اللوم على دور النشر، أو على الكتّاب المبتدئين؛ على وزارة الثقافة واتحاد الكتاب والمؤسسات الثقافية تفعيل دورهم في دعم المبدعين في شتى الحقول، وذلك بطباعة ونشر مخطوطاتهم.
وبموازاة ذلك، يقتضي الأمر تطوير حركة نقدية نشطة، لا يكون همها تصيّد الأخطاء، ولا المجاملة.. وتخليص لجان الجوائز من الحمولات والمعايير السياسية والمناطقية.
ختاماً، شكراً لكل الأدباء من شعراء وروائيين وأكاديميين الذين أتوا إلى فلسطين، وكسروا الحصار المفروض عليها، وتضامنوا مع شعبها وقضيتها من بوابة الثقافة والفكر.. وشكراً لدور النشر التي تحملت أعباء الحضور والمشاركة، رغم أن الموضوع ليس مغرياً من الناحية التجارية، فبعضهم تقبل خسائره بفرح ممزوج بإحساس العطاء، وتحقيق حلمهم الأثير بزيارة فلسطين.. وشكراً لوزارة الثقافة على جهدها المميز، فمجرد إقامة المعرض يعد إنجازاً بحد ذاته، وشكراً على متابعتها الحثيثة، وعلى إتاحتها الفرصة للالتقاء بأدباء من غزة، ومن الوطن العربي، وهؤلاء كان يتعذر لقاؤهم بسبب الحصار.. وشكراً لدولة تونس التي حلت ضيف شرف على المعرض..
#فلسطين_تقرأ