الرئيسة/  مقالات وتحليلات

المطبعة الوطنية.. صرح سيادي آخر

نشر بتاريخ: 2022-09-15 الساعة: 14:47

 

موفق مطر


ما كان لحركة التحرر الوطنية الفلسطينية أن تلقى الصدى الشعبي الفلسطيني والعربي والعالمي، لولا منطلقات ثقافية إنسانية، وآلة إعلامية ذات مصداقية بالغة التأثير- رغم تواضع إمكانياتها المادية في البداية، ولعل بعضنا الذي عاش في بيروت ما زال يذكر كيف كانت كبرى الصحف اللبنانية والعربية اليومية، ومعها وكالات الأنباء العالمية تنتظر الخبر والموقف الفلسطيني الصحيح من مصدره الرسمي وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا" في المسار: الكفاحي النضالي (العمل الفدائي) والمتلازم معه المسار السياسي.. ويمكننا القول بكل ثقة إن انسجام الكفاحي (العمل الوطني الميداني) مع السياسي والثقافي والإعلامي بلغ النضج المطلوب، وهذا ما تجسده "وفا" اليوم بعد خمسين عاما من النمو والتطور، فإن كان مقر وكالة "وفا" مجرد غرفة ملحقة بمكتب القائد العام ياسر عرفت أبو عمار – رحمه الله – عام 1972، فإنه اليوم وعند افتتاح الرئيس أبو مازن رئيس دولة فلسطين قائد حركة التحرر الوطنية الفلسطينية، أصبح صرحا، وحقيقة مادية يرتفع ويتطور على تراب أرض الوطن، وجزءا رئيس من مؤسسة الإعلام الرسمي، بعد ظروف ضغط هائلة أجبرت وفا ووسائل إعلام تابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية على الانتقال من دولة عربية إلى أخرى، ومنها إلى دول أجنبية.

 أمس الأربعاء كان المؤمنون بتكريس الدولة ومؤسساتها على موعد مع نتاج الصبر والعمل بإخلاص وصدق، مع كيفية تحويل الشعار إلى حقائق مادية متجذرة على الأرض، كان الوطنيون الذي يدركون جيدا مكانة الكلمة والكتاب والمكتبة والمطبعة والصحافة والإعلام بوسائله العديدة، كانوا على موعد مع إنجاز وطني يصب في نطاق السيادي على المدى القصير وكذلك البعيد، فالمطبعة الوطنية التي افتتح أول مقر لها ومستقر على أرض دولة فلسطين الدكتور محمود عباس أبو مازن رئيس دولة فلسطين باتت حقيقة قائمة، وعلما من أعلام الدولة والسيادة، تقف على كتفها المكتبة الوطنية، التي احتفت أمس أيضا بمعرض الكتاب الدولي  بدورته الثانية عشرة، وكذلك مقر وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) الجديد الذي ارتفع صرحه بجوار مقر منظمة التحرير الفلسطينية التي اتخذت قرار إنشائها قبل خمسين عاما، وبجوار مقر الرئاسة الفلسطينية، وكأن للمكان دلالة شاهدة على رسالة الوكالة ودورها.

صارت الأفكار، والقواعد القانونية، والهياكل التنظيمية للعمل، ونتائج الاجتماعات الماراثونية،  والمخططات في المحصلة النهائية، صارت حقيقة مادية، وأصبح لدينا في فلسطين مطبعة وطنية أسوة بكل الدول، تسير ومعها مطابع القطاع الخاص وتحمل على عاتقها -بضمانة الالتزام والانتماء الوطني- الحالة الثقافية والتربوية والإعلامية في الوطن، مطبعة وطنية تقدم بأحدث التقنيات والآلات كل متطلبات المؤسسات الرسمية الحكومية أيا كانت درجة حساسيتها، فالمطبعة الوطنية أبعد من كونها آلات يتمدد فيها الحبر الملون والورق ليطوى حسب التصميم، وإنما هي نتاج تصميم إرادي وطني سياسي، وحصيلة لمفهومنا لدولة فلسطين المستقلة ذات السيادة، وانعكاس -غير منكسر ولا منحرف- لمبادئ حركة تحررنا الوطنية، حيث لازمت الثقافة بكل مساراتها العلوم العسكرية اللازمة لتأسيس شخصية الفدائي المناضل، أو المناضل الفدائي، فالمطبعة مثلما كانت بمثابة نقلة حضارية لدى كثير من الشعوب، فإنها كانت قاعدة رئيسة لمؤسسات الثورة الفلسطينية الإعلامية، ورديفا لا ينضب للمناضلين السياسيين القادة والكوادر على حد سواء، وللإعلاميين المناضلين على تنوع مشاربهم النظرية والفكرية، وقد يكون منصفا استذكار ما كنا نعرفه (بمطبعة أبو شامخ في بيروت) حيث كانت تطبع صحيفة فلسطين الثورة اليومية آنذاك بأسلوب الصف بالحروف المصبوبة من الرصاص، كان لي شرف طباعة ملصقاتي الجدارية التي صممتها للإعلام الموحد ولمؤسسات أخرى تابعة لمنظمة التحرير على أحدث آلات الطباعة في أواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات.

 ابتداء من اليوم سيكون لدى دولة فلسطين (آلة) تنتج متطلبات مؤسساتنا على الصعد كافة: المعرفية، الثقافية، التربوية، التعليمية، الصحية، السياحية، والأهم السيادية كالطوابع والفواتير الضريبية وغيرها من الأوراق عالية الدقة والحساسية، لكن وراء هذه الآلة عقلا وطنيا، ومنهج عمل بلا كلل أو ملل، عمل مدفوع بصبر الأوفياء، يجسد مقولة الحفر في الصخر،  فروايتنا الفلسطينية موجودة منذ فجر التاريخ، ومتجددة على أرض وطننا بإنسانها الفلسطيني المتحضر.. والشعوب المثقفة تمنح الإنسانية نبلاء في مجالات الحياة كافة.

عندما أمر الرئيس أبو مازن بطباعة الكتب الصادرة في فلسطين قبل النكبة كتب بخط يده قبل شهور وهو القائل: "لم تكن فلسطين أرضا قاحلة، كان أبناؤها وبناتها مبدعين في الشعر والقصة والرواية والمسرح، والموسيقى والسينما، والعلوم الاجتماعية والفكر والفلسفة... كانت فلسطين تزخر بالمطابع والمكتبات والصحف والمجلات والمسارح ودور السينما والمراكز الثقافية والمدارس المعاهد، وكانت منارة يهتدي بها الآخرون، ويفدون إليها طلبا للعلم والمشاركة في الحياة الثقافية التي كانت تزدهر بها.. نعتز بموروثنا الثقافي الذي أبدعه أجدادنا ونريد المحافظة عليه، ونريد للأجيال القادمة أن تقرأ وتعتز به وتبدع كما أبدع أسلافهم".

mat
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024