المخدرات القتالية وتأثيرها على سلوك الجيوش وعلى قوانين الحروب
نشر بتاريخ: 2022-09-12 الساعة: 13:30
الدكتور/ خالد ابو ظاهر
قوانين الحروب - هي مجموعة القواعد الدولية التي تحدد ما يمكن وما لا يمكن فعله أثناء النزاع المسلح، وتعتبر اتفاقيات جنيف والبروتوكولات الإضافية جوهر وأساس هذه القوانين والقواعد، والتي تهدف الى تقديم الحماية للمدنيين والحفاظ على شيء من الإنسانية في النزاعات المسلحة، وإنقاذ الأرواح، والتخفيف من المعاناة، وعدم قتل الأسرى، وتعريضهم للتعذيب، أو قتل الأطفال، أو اغتصاب النساء، أو ارتكاب مجازر إبادة جماعية منظمة.
ولكن ما نراه اليوم ان معظم الجيوش ولأسباب كثيرة، ومنها استخدامها للمخدرات القتالية داست على جميع قوانين وقواعد الحرب خلال نزاعاتها العسكرية، سواء تلك التي شرّعها الله، أو التي وضعها الإنسان، فقتلت وشردت واغتصبت واعدمت وارتكبت الجرائم بحق الإنسانية.
وسوف نتحدث في هذه المقالة عن معطيات ودلائل حول استخدام الجيوش للمخدرات القتالية قديما كما في الجيش الأمريكي والاحمر والالماني وحديثا في الجيش الأوكراني والروسي والإسرائيلي، وسوف نتحدث عن مدى تأثير هذه المخدرات على تصرفات الجيوش وعلى قوانين الحرب المتفق والمتعارف عليها.
المخدرات القتالية – مجموعة من العقاقير المخدرة ذات تأثير تنشيطي تستخدمها الدول وبعض التنظيمات الإرهابية في حروبها، تُعطى للجنود لتخفف الى حد كبير من شعورهم بالخوف والألم والجوع والتعب والنعاس والكسل، وتكسبهم الشجاعة والاستبسال والقسوة المفرطة وغير المبررة في مواجهة الخصم، ويسهل تنفيذ أصعب المهام بعد تعاطيها وهذا يدفعهم الى مواجهات شرسة ومعارك لا تعرف الرحمة.
الجيش الأمريكي:
حاولت الولايات المتحدة ابتكار وتطوير مخدرات قتالية على أساس مادة الميثا امفيتامين والتي استخدمها جنودها في الحرب العالمية الثانية للتغلب على الإجهاد ومحاربة النعاس في الحرب ضد الرايخ الثالث وحروب أخرى خاضتها الولايات المتحدة، لكن التجارب أظهرت أن هذا النوع يعمل على انعدام الخوف والإنسانية في نفوس متعاطيها ويقودهم لارتكاب الجرائم، وعلى المدى الطويل يخل بالصحة النفسية لمتعاطيها.
منظمات القاعدة وداعش:
اثبتت بعض التقارير الى ان افراد هذه التنظيمات لجأت لاستخدام هذه المخدرات القتالية وبشكل خاص الكبتاجون الذي يحتوي على الأمفيتامين، لصناعة المقاتل الذي لا يخشى شيئاً، ليرتكب ايضاً الجرائم بأنواعها دون خوف مما قاد الى مجموعة من التصرفات العدوانية واللاإنسانية من قبل منتسبي المنظمات والجماعات الإرهابية مثل ظاهرة قطع الرؤوس لدى تنظيم داعش، وتقطيع الاعضاء البشرية دون خوف، لدى بعض الجماعات الإرهابية الأخرى.
الجيش الأحمر:
لا ينسى التاريخ أن السوفييت هم أول من شرعوا استخدام العقاقير المخدرة في الحروب، ففي 22 من أغسطس 1941، اجتازت لجنة الدفاع الحكومية السوفيتية قانون توريد الكحول للجيش الأحمر السوفيتي، مما يجعل علامة في التاريخ كوثيقة تشريعية رسمية تسمح للجنود بشرب الفودكا بشكل منتظم في الحروب، ونالت الفكرة تأييد القادة السوفييت حينها، وكانت الفكرة حينذاك أن الفودكا ستساعد من تخفيف الشعور بالإجهاد الجسدي والنفسي الشديد أثناء القتال.
الجيش الألماني:
لقد أعلن هتلر وأنصاره في البداية الحرب على المخدرات القوية مثل الهيرويين والكوكايين، ولكنهم غضوا الطرف عن المخدرات الخطرة الأخرى، ويشير أوهلر في كتابه الجديد إلى أن الكيميائيين في مصنع تيملير للأدوية في ضواحي برلين، كانوا قد ابتكروا "اقراص السعادة" (بيرفيتين)، وأنتجوا الملايين منها (35 مليون حبة في الشهر)، وتحتوي هذه الأقراص على نوع من الأدرينالين الاصطناعي الذي يعمل مثل الألعاب النارية في الدماغ، بحيث ترفع مستوى الطاقة والرغبة الجنسية، وتمنح متناولها القوة والثقة بالنفس.
ومع بداية الحرب العالمية الثانية في مارس 1938، ولأسباب كثيرة تقدم الجيش الألماني في أوروبا وحقق انتصارات سريعة ومتتالية ومن هذه الأسباب تعاطي الجنود لعقاقير مخدرة جديدة مثل البريفنتين وهي مادة مستوحاة من منشطات “البنزدرين” الأمريكية لتزيد من قدرة الجنود، استخدمت وأعطت الجيش الألماني هذه القوة والقدرة، ومن خلال الوثائق التي تم الكشف عنها لاحقا يمكننا أن نرى أن الزعيم النازي أدولف هتلر هو من أمر بتطوير هذه العقاقير المخدرة من كوكايين وميثامفيتامين وغيرها بهدف تنشيط الجندي الألماني وجعله خارقا ليحارب أطول فترة ممكنة.
ويؤكد أوهلر استنادا إلى دراسته للأرشيف أن تعاطي المخدرات في ألمانيا النازية بدأ بين الجنود والطيارين، الذي احتلوا بسرعة بولندا عام 1939، حيث كان العاملون في مجال الطب يعطونهم المنشطات وأقراص الهلوسة لمنعهم من الشعور بالنعاس وتوسيع حدود عدوانيتهم.
وكان كبار أطباء الجيش يؤيدون تناول هذا المنشط، حيث كتب أحدهم: إنه "مناسب جدا لتنشيط الجنود المرهقين، ويزيل الخمول والتعب، ويسهل تنفيذ أصعب المهمات".
وقد استخدم البريفنتين بكثرة عند غزو بلجيكا وفرنسا في شهر أيار عام 1940، حتى أن الرايخ الثالث أصدر أمرا يقضي بتناول كل جندي قبل المعركة قرصا منه في النهار وقرصين قبل النوم، حينها يمكنه عدم النوم خلال 24 ساعة أو أكثر، حتى يكون لديه جنود خارقون اي جيش لا يتعب ولا ينام ليكون الجندي الاسطورة.
ويؤكد الكاتب الألماني نورمان أوهلر في كتابه الجديد الذي قدمه مؤخرا أن الرايخ الثالث كان غارقا في المخدرات والمنشطات وتحت تأثير المخدرات حارب وخسر الحرب العالمية الثانية.
الجيش الاوكراني:
حسب تصريحات وزارة الدفاع الروسية وشهادات أسرى أوكران ذكروا أن الجيش الأوكراني يستخدم ويصنع عقاقير مخدرة، مثل عقار التيوفيدرين والذي استخدمه الجنود قبل القتال مباشرة
وقال الجندي إن الجيش الأوكراني قد زودهم بتلك العقاقير الخاصة التي تجرعوها قبل المعركة، ما جعلهم يفقدون الخوف، وخفض من عتبة الألم لديهم، وأصبحوا، يهاجمون الدبابات والمدرعات بشكل جنوني بدون سلاح سوى البندقية.
وعثرت قوات جمهورية لوغانسك الشعبية في الخنادق التي تركها الجنود الأوكرانيون في مدينة روبيجني، وقبلها عثر بالقرب من مدنية ماريوبول على معامل ومختبرات لتصنيع مخدرات قتالية تابعة لكتيبة آزوف، إضافة إلى التقارير التي تحدثت عن استخدام الرئيس الأوكراني وقادته للكوكايين.
ونقلت وسائل إعلام روسية مؤخرا الأنباء عن العثور على المخدرات القتالية مثل مخدر باس وهو مخدر قتالي يستخدمونه (الجيش الأوكراني) ويحتوي على مؤثرات عقلية ومادة تفرز الكثير من الأدرينالين في الدم، حيث ينسى الشخص ما هو الألم والتعب.
الجيش الروسي:
في الوقت نفسه ظهرت تقارير تشير بقوة إلى أن هناك أدلة واضحة على استخدام الروس ذات العقاقير القتالية في الحرب على أوكرانيا، ويؤكد ذلك الفظائع التي ارتكبها الروس في المدن الأوكرانية مثل ماريوبول وبوتشا، بوروديانكا، هوستوميل، والتي تشمل عمليات الإعدام الجماعي للأشخاص، عمليات الاختطاف، التعذيب، اغتصاب البالغين والأطفال.
أطباء أوكرانيون وعالميون أكدوا في تقارير أن سلوك الشخص خلال الحرب يتغير بسبب التوتر العاطفي والجسدي، ومع ذلك، فإن جرائم الحرب التي حدثت في أوكرانيا تشير إلى أن القسوة كانت مفرطة وغير مبررة من قبل الجنود الروس علاوة على ذلك، يعتقد الخبراء أن هذا ليس بسبب تجربة الحرب فقط، بل إنه نتاج مواد مخدرة.
ان مسألة استخدام المخدرات في الوحدات العسكرية في روسيا، تناولتها وسائل الإعلام الدولية أول مرة في 2014 ولقد حددوا العديد من الطرق اللوجستية التي تم تزويد الجيش الروسي بها، كانت هناك أيضا تقارير عن استخدام الروس للعقاقير المخدرة أثناء إجراء مهمات عسكرية في ليبيا وسوريا ومالي ودول أخرى.
الجيش الإسرائيلي:
تتبع إسرائيل سياسة جديدة تسمح بتعاطي بعض أنواع المخدرات من قبل جنود الجيش الإسرائيلي، وتشير الاحصائيات ان 54% من الجنود الإسرائيليين تعاطوا القنب الهندي خلال العام الماضي، تحت إطار القانون العسكري الذي يتيح للجنود تدخين الحشيش خلال الخدمة في الجيش.
ولا يسمح القانون للجنود بتعاطي المخدرات بشكل مباشر، لكنه يتغاضى في كثير من الحالات عن أولئك الذين يثبت أنهم تعاطوا المخدرات خلال خدمتهم العسكرية، ويسمح الجيش -وفق القانون- بتعاطي المخدرات “الخفيفة” بدون إدانة، إضافة إلى عدم تجريم الجنود الذين يدخنون القنب المخدر حتى 5 مرات خارج القواعد العسكرية، مع الاكتفاء بالتأديب، بعد أن يعترفوا بذلك.
صحفي اسرائيلي أعد تقرير قال إن الجنود الإسرائيليين لديهم اسبابهم وتبريراتهم لتعاطي المخدرات حيث يشعرون بأنهم يفعلون أشياء خاطئة تجاه الفلسطينيين، أي مهاجمة البيوت، وبث الرعب في نفوس الأطفال، وقتل المحاصرين في غزة، بما فيهم الرعاة والصيادين.
ويضيف التقرير إن الشيء الذي يدفع الجنود إلى فعل ذلك هو التناقض بين ما يقدم للجنود على أنهم حماة سلام، وبين حقيقة الأمر، وهي أن الجيش مؤسسة عسكرية هدفها قمع الفلسطينيين بكل الطرق الممكنة، وضمان سلامة المشروع الاستيطاني.
وتقول إحدى المجندات، ان إسرائيل الدولة الوحيدة في العالم التي تفرض على الإناث الخدمة العسكرية، وإنها تعاني من مشاكل نفسية بسبب التجنيد، وإن الشيء الوحيد الذي يساعدها في تجاوز ذلك هو الحشيش.
لكن هناك من يرى أن السبب الحقيقي وراء السماح للجنود باستخدام المخدرات من قبل الجيش الإسرائيلي وتحت إطار القانون العسكري هو من اجل زيادة العدوانية، إذ يرتبط تعاطي المخدرات بزيادة العدوانية لدى المتعاطي، ما يعني أن الجيش يتعمد السماح للجنود باستخدام المخدرات من أجل زيادة العدائية والتنكيل والتعذيب تجاه الفلسطينيين.
كما شاهدنا من خلال المعطيات السابقة في تاريخ الحروب المعاصرة ان استخدام المخدرات القتالية لم يقتصر على جيش دون الاخر وان استخدام المواد المخدرة لم يكن الفيصل في المعارك، ولا كان سببا مباشرا للنصر ، بل على العكس ان استخدام الجنود لهذه المواد يدفعهم لتجاوز كل القوانين والقواعد المتبعة في الحرب ويسبب ارتكابهم مزيدا من العنف ومن التصرفات اللاإنسانية مثل عمليات الإعدام الجماعي والاغتصاب والتعذيب والاختطاف وغيرها من السلوكيات اللاأخلاقية ، وبالتالي يجب علينا أن نكافح لنحافظ على إنسانيتنا حتى في أقسى الحروب وأكثر المعارك وحشية، وان الدين والقوانين والأخلاق، هي الرابط الذي يحافظ على بقائنا داخل حدود الإنسانية، في أكثر اللحظات التي يسيطر علينا فيها الانفعال والدوافع المتوحشة، وان هذه العناصر هي التي تحد من رغبات القتل والسحق والإزالة من الوجود، التي تكمن داخل البشر ضد أبناء جنسهم، وهي النواة المشكلة للقوانين الناظمة، لذا فيجب وقف تعاطي الجيوش للمخدرات القتالية ويجب الالتزام بقوانين الحرب، التي ولدت من رحم حاجة الإنسان لحماية نفسه من الفظائع التي يرتكبها أبناء جنسه.