"قد تكون متاحة اليوم فقط"
نشر بتاريخ: 2022-09-08 الساعة: 13:18
موفق مطر
"إن حل الدولتين وهم" هذا قول صريح لا يقبل الشك لرئيس حكومة منظومة الاحتلال الإسرائيلي يئير لابيد باح به بعد تصريح للرئيس الأميركي جو بايدن في مؤتمر صحفي ببيت لحم أثناء زيارته لفلسطين المحتلة حيث قال: "خيار حل الدولتين هدف بعيد جدا الآن" رغم تأكيده في نفس المكان والزمان عندما قال :"أنا من الداعمين الأوائل لحل الدولتين، والتزامي به لم يتغير، دولتان على حدود عام 1967، مع تبادل للأراضي متفق عليه من أجل تحقيق الأمن والازدهار للجميع". لكن رئيس الشعب الفلسطيني وقائد حركة تحرره الوطنية محمود عباس أبو مازن قد قال مؤكدا مع التشديد :"إن فرصة حل الدولتين، قد تكون متاحة اليوم فقط ولا ندري ما الذي سيحصل في المستقبل".
نستعيد للذاكرة هذه المواقف في ظل حركة دبلوماسية سياسية فلسطينية لتأمين أصوات كافية في مجلس الأمن الدولي (9 أصوات) بدون فيتو لإنجاح طلب دولة فلسطين للانتقال من عضو مراقب في الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى دولة كاملة العضوية في الدورة الحالية والمتزامنة مع اقتراب نهاية مدة العام التي حددها الرئيس أبو مازن لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية عموما ومجلس الأمن تحديدا المتعلقة بالحق الفلسطيني (القضية الفلسطينية) وحل الدولتين والاتفاقات الموقعة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي وبرعاية أميركية وأوروبية ودول عظمى أعضاء دائمين في مجلس الأمن.
سيكون لصالح الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة لو أدرك رؤوس منظومة الاحتلال والاستيطان العنصري في إسرائيل معنى عبارة "اليوم فقط" وسيكون مفيدا للإدارة الأميركية الحالية معرفة الوقت الزمني لمعنى "اليوم فقط" الذي أسمعه الرئيس أبو مازن للرئيس بايدن في مقر الرئاسة الفلسطينية في مدينة المهد بيت لحم (فاليوم فقط) هو النهاية المؤكدة لحوالي ربع قرن من الفرص الممنوحة للإدارات الأميركية المتتابعة ولمنظومة الاحتلال (إسرائيل) اعتبارا وبالدرجة الأولى والأخيرة لمصالح الشعب الفلسطيني ولإقناع العالم ليس بتوجهاتنا السياسية نحو السلام العادل القائم على تلبية الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وحسب بل للبرهنة على قناعة الشعب الفلسطيني بهذا السبيل وتحرير الحق الفلسطيني (القضية الفلسطينية) من قاعات القمار السياسي ونزع ورقته من أيدي أعضائها الدوليين والإقليميين.
اليوم نرى دولا عظمى في الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن ودولا كبرى في أوروبا تعترف (بدولة إسرائيل الناقصة) ومعنى الناقصة هنا أنها بلا دستور ولا حدود معرفة والأهم أنها لم تنفذ شروط قبولها عضوا في الأمم المتحدة حتى الآن حسب القرار رقم 273 (د- 3) بتاريخ 11 أيار سنة 1949 وأهم الشروط : تطبيق تعهدها والتزامها بتنفيذ القرار 181 لسنة 1947 وهو (قرار تقسيم فلسطين إلى دولتين) دولة فلسطينية عربية وأخرى يهودية وإبقاء القدس تحت إشراف دولي والقرار رقم 194 الصادر بتاريخ 11/12/1948الخاص بحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم وبيوتهم التي هجروا منها إثر حرب أيار من ذات السنة (النكبة) وضمان نيلهم تعويضات عما لحق بهم من خسائر.
لم يوجه لابيد (صاروخ الوهم) نحونا لأننا لم ننتظر من منظومة الاحتلال إرجاع حقوقنا طواعية وإنما صاغرة فوجهة صاروخ الوهم في الحقيقة هي صدر الشرعية الدولية ودماغ القانون الدولي والقيم الأخلاقية الضامنة لتطبيق المواثيق والاتفاقيات والعهود فلابيد المتغطرس قالها للعالم بصراحة بالمعنى وليس نصا : لقد منحناكم وهماً منذ سنة 1949 بيد وزير خارجية إسرائيل حينها (أبا إيبان) وربما لا يحتاج هذا العالم إلى تذكير جديد بأن هذه (الإسرائيل الناقصة) رفضت تنفيذ أكثر من 700 قرار للجمعية العامة ومجلس الأمن رغم أن تعهدها بالتقيد بأحكام القانون الدولي والانصياع لقرارات الأمم المتحدة كان شرطا أساسيا لقبول عضويتها في الأمم المتحدة التي نصت بعضها على قبولها شروط العضوية بأن تكون دولة محبة للسلام أما اليوم فإن شهادة منظمة العفو الدولية التابعة للأمم المتحدة التي اعتبرت إسرائيل دولة فصل عنصري وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة التي تعتبر إسرائيل الدولة القائمة بالاحتلال علاوة على جريمة الاستيطان وهي جريمة حرب حسب القانون الدولي فإن إسرائيل موجودة عضوا في الأمم المتحدة بحكم بلطجية الدول الاستعمارية التي أنشأتها والولايات المتحدة الأميركية التي ضغطت بكل قواها في سنة 1949 على مجلس الأمن والأمم المتحدة لقبول عضويتها رغم نقضها لتعهداتها.
لم يعد أمام دولة واحدة في العالم والتزاماتها وشروط عضويتها ومخالفاتها للقانون الدولي.
اليوم وبعد إثبات فلسطين لجدارتها في الوفاء بتعهداتها مع المجتمع الدولي والتزامها بقرارات الشرعية الدولية وبعد أكثر من خمسة وعشرين عاما مضينا خلالها على درب السلام ثقافة وسياسة وفعلا وعملا وما زلنا فيه ولم ولن نغادره فإن دول العالم وتحديدا الكبرى المالكة لحق الفيتو في مجلس الأمن لم يعد لديها مبرر للتمسك بوهم منظومة الاحتلال والاستيطان والعنصرية ورفض قبول الحق الفلسطيني الطبيعي فهذه الدول هي صاحبة القرارات 181 و194 و242 و2334 و19/67 ولا بد لها اليوم من تقديم البرهان على أن الحرية والحقوق والمساواة العدالة التي تسوقها وتبرر على أساسها تدخلاتها في دول كثيرة ليست وهما وأنها ليست دولا هلامية كما إسرائيل الناقصة لأنها إذا لم تطبق قرارات الشرعية الدولية وقراراتها ومنها الاعتراف بدولة فلسطينية حسب قرار التقسيم سنة 1947 أو على الأقل حسب القرار 19/67 لسنة 2012 حيث قبلت فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية كدولة عضو مراقب فإن كتاب التاريخ سيسجلون الوهم الأعظم الذي وزعه النظام العالمي منذ تأسيس الجمعية العامة وكان ضحيته الشعب الفلسطيني الذي لا توجهه إلا حقيقة مادية واحدة هي أنه صاحب الحق التاريخي والطبيعي لأرض وطنه فلسطين وأن حريته وتحرره حتمية تاريخية لإيمانه أن أرض السلام تحتاج لمن يحمي السلام على رباها بالفعل وليس لمن يحيا بوهم السيطرة على الآخر بالقوة.
mat