الرئيسة/  مقالات وتحليلات

"ماضي جنوب أفريقيا وحاضر فلسطين.. ظلم العنصرية

نشر بتاريخ: 2022-09-08 الساعة: 12:57

 

باسم برهوم


 قبل أيام قرأت تقريرا إعلاميا، ترسله سفيرة فلسطين في جنوب أفريقيا حنان جرار للصحفيين عن موقف جنوب أفريقيا من القضية الفلسطينية، ولفت نظري مدى عمق معرفة المسؤولين الجنوب أفريقيين بجوهر القضية الفلسطينية، وأدركت أن وفاء جنوب أفريقيا لفلسطين وموقفها الذي لا يمكن أن يساوم أو يلين نابع أساسا من هذه المعرفة بطبيعة القضية الفلسطينية، ومن تجربة الماضي ليس البعيد التي تشبه الحاضر الفلسطيني المستمر منذ أكثر من مئة عام مع العنصرية والاضطهاد. وليس هذا وحسب بل إن هناك تاريخا نضاليا مشتركا وتعاونا طويلا بين حزب المؤتمر الجنوب أفريقي وبين منظمة التحرير الفلسطينية.

والأكيد أن نيلسون مانديلا كان أحد أهم رموز الثورة العالمية ضد العنصرية والظلم والاضطهاد، لكن رمزيته هذه كانت مفهومة أكثر لدى الفلسطينيين؛ لأن التجربة المرة متشابهة إلى حد بعيد. ويذكر الشعب الفلسطيني المقولة الشهيرة لمانديلا "إن حريتنا منقوصة ما لم يتحرر الفلسطينيون"، كما يذكر موقفه من القائد التاريخي للشعب الفلسطيني ياسر عرفات، وفي المقدمه التي كتبها لكتاب "متى لم يكن عرفات هنا"، للمؤلفة نانسي دوبرو، قال مانديلا: كنت أتابع من غياهب سجني نشاطات الرئيس ياسر عرفات، وكم أثار اهتمامي مثابرته وثباته، لقد آمن به شعبه وسار معه خطوة بخطوة، في السراء كما في الضراء، فهو الذي وضع المسألة الفلسطينية على جدول الأعمال الدولي، ونقلها من قضية لاجئين إلى قضية أمة بكل ما في الكلمة من معنى". وخلص مانديلا إلى القول، إن عرفات سيبقى إلى الأبد رمزا للبطولة بالنسبة إلى كل الشعوب التي تناضل من أجل الحرية والعدالة.

وعندما قرر مانديلا زيارة قطاع غزة عام 1999 دعما وتضاما، استقبله الشعب الفلسطيني بحميمية خاصة وكأنه أحد أبطالهم الملحميين. كل هذا التاريخ المشترك توارثه الشعبان الفلسطيني والجنوب أفريقي حتى بعد رحيل عرفات ومنديلا، ولا يزال الفلسطينيون يتوافدون بحماس على التمثال الضخم لأحد ملهميهم نيلسون مانديلا، الموجود في إحدى ساحات مدينة رام الله ويلتقطون معه صور السلفي.

في التقرير الإعلامي المشار إليه، قرأت ما قالته وزيرة الخارجية في جنوب أفريقيا السيدة ناليدي باندور ردا على وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن، وهو دليل على أن الدبلوماسية الجنوب إفريقية تسير على الدرب نفسه الذي خطاه مانديلا وعرفات معا ، وللتوضيح أسرد ما قاله بلينكن في المؤتمر الصحفي المشترك، وكيف ردت عليه باندور، قال وزير الخارجية "إذا سمح لروسيا أن تستأسد على أوكرانيا وتغزو وتستولي على أراضيها دون اعتراض، فإننا بذلك سنسمح للاستئساد ليسود في كل مكان". وردت وزيرة الخارجية الجنوب أفريقية عليه بالقول "لا أحد في جنوب أفريقيا مع الحرب في أوكرانيا، ولكن على ما يبدو أن قواعد القانون الدولي لا تطبق بالتساوي، يجب أن نهتم بما يحصل للشعب الفلسطيني تماما كما نهتم بالشعب الأوكراني، الشعب الفلسطيني يستحق أرضه وحريته تماما كما يستحق الشعب الأوكراني". وكانت الوزيرة باندور قد دعت في وقت سابق إلى الاعتراف بإسرائيل كنظام فصل عنصري وإلى تشكيل لجنة أممية لمتابعة ذلك.

هذا الموقف للوزيرة باندور، يؤكد أن موقف جنوب أفريقيا من القضية الفلسطينية، هو موقف مبدئي راسخ نابع من تاريخ نضالي طويل ضد العنصرية. والشعب الفلسطيني وهو يقدر ويثمن موقف وزيرة الخارجية، فإنه يدرك أنه ليس مجرد موقف شخصي عابر، إنه موقف الشعب الجنوب أفريقي والطبقة السياسية هناك، إنه موقف يرضعه مواطنو جنوب أفريقيا من أمهاتهم، تلك الأمهات اللواتي دفعن أثمانا كبيرة من الفقدان والحسرة جراء السياسة العنصرية لنظام بريتوريا العنصري.

كان لدى منظمة التحرير الفلسطينية وحتى اليوم مع الدولة الفلسطينية، أساس ثابت وراسخ هو الوقوف إلى جانب الشعوب الأفريقية، التي لا تقل معاناتها من الاستعمار عن معاناة الشعب الفلسطيني. كما لا يغيب عن بال الفلسطينيين المعاناة العنصرية التاريخية طويلة الأمد لشعوب أفريقيا بسبب لون بشرتهم، وكانت منظمة التحرير تضع قضية جنوب أفريقيا في كل المحافل الدولية جنبا إلى جنب مع القضية الفلسطينية لما فيهما من شبه ومعاناة.

وهناك دور قد لا يعلمه الكثيرون منا لجنوب أفريقيا ومساعيها الحثيثة لإنهاء الانقسام الفلسطيني، وهو الدور الذي كرسته مقولة مانديلا "إن حرية الجنوب أفريقيين ستبقى ناقصة من دون حرية فلسطين". وهناك مساحة واسعة في الدبلوماسية الخارجية لدولة جنوب أفريقيا لفض النزاعات وتخفيف التوتر على الساحة العالمية، فمن اكتوى بنار العنصرية يدرك أهمية أن تعيش الإنسانية بسلام وعلى قدم المساوة.

ولا يساورني شك أن علاقات الشعبين الفلسطيني والجنوب أفريقي ستبقى علاقات صداقة متينة حتى بعد أن ينفض الشعب الفلسطيني عنه العنصرية الصهيونية والاحتلال، فكلا الشعبين له مذاق مختلف للحرية، مذاق نابع من معاناة  طويلة.

mat
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024