الرئيسة/  مقالات وتحليلات

صلاح خلف ( ابو اياد ) الفدائي الفيلسوف

نشر بتاريخ: 2022-09-01 الساعة: 14:52

موفق مطر  


يصح وصف المناضل الوطني صلاح مصباح خلف ( أبو اياد ) ، كأحد اهرامات الوطنية الفلسطينية ، حيث وجهه الأول نقاء الانتماء والانتصار لفلسطين الوطن ، وفي الوجه الثاني عظيم العطاء والتضحية ، وفي الوجه الثالث استقلالية القرار الوطني الفلسطيني ، والتبعية الموؤدة باعتبارها خيانة وكفراً بإرادة الشعب ، وفي الوجه الرابع والأخير سياسة منهجها الفكر ثوري ، المنبثق من عقيدة الوحدة الوطنية ، أما قاعدة هذا الهرم الفلسطيني الخالد ، فهي الفلسفة الانسانية للثورة ، العاكسة لإرث الشعب الفلسطيني الحضاري ، والمبادىء والقيم الأخلاقية الضابطة والناظمة لسلوك المناضل . 
لم يكن الفتى الفلسطيني اليافاوي صلاح مصباح خلف  الذي تدرب على نموذج بندقية نحتت من الخشب في صفوف (النجادة ) ليقبل جرائم وإرهاب التنظيمات والجماعات الصهيونية المسلحة المتمتعة آنذاك بحماية قوات الاحتلال البريطاني ، التي اعتقلته عام 1945 وهو في سن الثانية عشر بسبب نشاطه ، ولم يكن ليقبل ويسلم بواقع البندقية الخشب بسبب مؤامرة منع الحقيقي عن الثوار الفلسطينيين ، فكان واحدا من المناضلين الفدائيين الذين  أسسوا نواة حركة التحرر الوطنية الفلسطينية المعاصرة ، وأطلقوا الثورة الفلسطينية ببنادق حقيقية ، لم تضل بوصلتها يوما ، ولم تنحرف فوهاتها عن وجهتها الثابتة ، فالفيلسوف - كما وصفه الصحفي الفرنسي اريك لورو -  لا يرى تناقضا قد يتقدم على التناقض الرئيسي مع المشروع الاستعماري ( منظومة الاحتلال الصهيوني الاستعماري العنصري المسماة اسرائيل ) . 
يشهد قادة ومناضلو حركة التحرر الوطنية الفلسطينية لصلاح خلف ( ابو اياد ) بشجاعته ، ونظره الثاقب ، ورؤيته السياسية بعيدة المدى ، وإقدامه على طرح أفكار خلاقة لم يكن سهلا على قائد في حركة التحرر الفلسطينية طرحها ، ومنها على سبيل المثال فكرة قيام دولة فلسطينية ديمقراطية ، ضامنة للمساواة والعدالة بين مواطنيها المسلمون والمسيحيون واليهود بالحقوق والواجبات كافة ، ويشهد الجميع بقدرته على صياغة فلسفة الوحدة الوطنية الفلسطينية والبرهنة على سلامتها وصواب توجهاته بالتطبيق العملي ، وبمهارته في اعادة توجيه دفة سفينة المشروع الوطني ، وهيئات منظمة التحرير الفلسطينية إثر رياح سياسية عاصفة مدمرة متتابعة ، وتدخلاته ومداخلاته السريعة والمنطقية والموضوعية المانعة لتوسع  الشروخ والتصدعات الناتجة عن تدخلات اقليمية ودولية في شؤون الشعب الفلسطيني ، وتصديه مع قادة حركة فتح التاريخيين وقادة الفصائل الوطنية  لمشاريع دول كبرى ، وأخرى إقليمية هدفت لمصادرة القراره الوطني المستقل للشعب الفلسطيني ، وتوظيف العمل الكفاحي الفلسطيني في صراعات اقليمية ودولية ، لا علاقة لها بالحق الفلسطيني أبدا .. فأبو اياد هو القائل :" لا صوت إلا الصوت الفلسطيني المستقل الذي ينادي بوحدة منظمة التحرير وشرعيتها " لإدراكه أن القرار الفلسطيني المستقل العاكس لوجود الشعب العربي الفلسطيني وحقه في الحرية والتحرر هو النقيض الرئيس لمشروع المنظومة الصهيونية الاستعمارية العنصرية . 
لم تزل خصائص وسمات القائد أبو إياد معيارا للمناضل القائد بعد واحد وثلاثين عاما على استشهاده ، يتوارثها  شباب فلسطين من الجنسين ، حتى وإن قيل أن كثيرا من الأمور قد تغيرت ، وتتطلب معاييرا جديدة ، لكن أليس الحفاظ على اللهجة اليافاوية تكريسا للأصالة الوطنية وحسن الانتماء ، فابو اياد عاش ثلاثة ارباع عمره بعد النكبة خارج مسقط رأسه (يافا ) وهل يمكن استثناء الولاء للوطن ، والوفاء للأخوة في الفكرة ودرب الكفاح ، والانضباط والالتزام كمعايير ، فأبو اياد  رفض اغراءات كثيرة للانقلاب على قائده ابو عمار - رغم الاختلافات في وجهات النظر – ليس هذا وحسب بل كان يطلع أبو عمار على تفاصيل رغبات المتآمرين على الثورة والشعب الفلسطيني ...فأبو اياد – رحمه الله – المتعلم المثقف ، الاستاذ ، والدارس لعلم النفس ، هو نفسه الفدائي المقاتل في معركة الكرامة ، والمناضل المؤسس للثورة الفلسطينية المعاصرة ، تمتع بالحنكة ، والرؤية الشاملة ، والبعيدة المدى ، والتحليل الصحيح للواقع ، والتقديرات الصائبة المتوقعة ، واستخلاص العبر ، والمنهج العلمي لاستكشاف الأجواء ، والحنكة ، والمرونة ، وحسن الاصغاء ، وطرح الموقف بقوة وبلاغة وشجاعة وصلابة وثقة ، جعلت منه محاورا  مقنعا ، وتاج كل هذه الصفات انسانيته التي لمسناه منه في اطار العمل الوطني التنظيمي ، وعاش تفاصيلها مناضلون عملوا معه في جهاز ( الرصد الثوري ) . 
وبقي ان نعلم أن فلسطين في فكر ابو اياد  الثوري هي الحق التاريخي والطبيعي ، والزمن بماضيه وحاضره ومستقبله . وان الايمان بالوطنية الفلسطينية والقرار الفلسطيني المستقل كان يتطلب شجاعة الفدائي وايمان الفيلسوف بفكرته وثقته بحتمية انتصارها ، وان تزاوج  الفكرة الوطنية مع العقيدة الانسانية ، في عقل وقلب المناضل القائد سيمنحنا شجرة خالدة ، طيبة جذورها ، تشع بفروعها وزهورها على الأرض حبا وعشقا للوطن ، وتنزل من السماء آيات الحرية ، مكتوبة بأبجدية الحب العذري الخالد للوطن.

mat
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024