انتخابات نوفمبر لن تخرج إسرائيل من عنق الزجاجة
نشر بتاريخ: 2022-08-29 الساعة: 11:01
باسم برهوم
بعد شهرين تقريبا من الآن، في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر، سيتوجه الإسرائيليون الى الانتخابات، وهي الخامسة خلال أربع سنوات، والسؤال المهم إذا ما كان الاسرائيليون سيتوجهون بأعداد كبيرة أم انهم قد سئموا هذه العملية التي فشلت في إحداث أي تغيير ملموس في حياتهم أو في رسم ملامح مستقبل واضح لهم؟ قد يكون لتلاشي ما كان يطلق عليه يسار، قد جعل من العملية الديمقراطية مسألة مملة، فالمجتمع الاسرائيلي أصبح وبنسبة قد تزيد عن 80% مجتمعا يميني التوجه أو يمينيا متطرفا، فالفارق بين إسرائيلي وآخر هو بدرجة يمينية الشخص، التي تترواح بين يمين الوسط، الذي احتل مساحة اليمين التقليدي في الخارطة السياسية الإسرائيلية التي كانت سائدة في القرن العشرين، واليمني المتطرف والأكثر تطرفا وفاشية.
باستثناء حزب الليكود، فإن معظم الأحزاب الكبيرة، وخاصة اليسارية منها، قد تلاشت أو تكاد، حزب "مابام" الذي كان عند تأسيس الدولة وحتى منتصف الستينيات الحزب الثاني حجما بالبلاد، تراجع تدريجيا الى ان تلاشى. حزب "ماباي" الذي أصبح اسمه لاحقا حزب العمل، وكان حكم إسرائيل منذ تأسيسها وحتى عام 1977، وتناوب بعد ذلك على الحكم مع الليكود حتى عام 2001، تحول إلى حزب صغير لا يمثل أكثر من 5% من الرأي العالم الاسرائيلي.
خلال العقود الأربعة الأخيرة كانت تظهر أحزاب في وسط الخارطة السياسية، سرعان ما كانت تتلاشى، ومثال على ذلك، الحركة الديمقراطية للتغير بزعامة يغال يادين، وحزب "شينوي" الذي أسسته مجموعة من أكاديمي الجامعات في إسرائيل في منتصف السبعينيات، وهو حزب من وسط اليسار اندمج في مرحلة ما مع حزب ميرتس اليساري ثم انفصل عنه، وتزعمه في التسعينيات طوني لابيد، وهو والد رئيس الحكومة الحالي يائير لابيد، وهذا الأخير شكل حزب يش عتيد "هناك مستقبل" وهو استمرار لظاهرة أحزاب الوسط. جاءت هذه الظاهرة نتيجة ملل الجمهور الإسرائيلي من الأحزاب الكبيرة التقليدية، إلا ان هذه الأحزاب "الفقاعية" سرعان ما خيبت أمل هذا الجمهور، وغالبا ما تلاشت واختفت سريعا من الحياة السياسية الإسرائيلية.
واليوم ومع تلاشي اليسار تبدو هناك فرصة أكبر لحزب "يش عتيد" للاستمرار، خصوصا بعد ان نحا حزب "أزرق- أبيض" الذي يتزعمه وزير الحرب بني غانتس خطوة اخرى نحو اليمين بعد ان شكل ائتلافا مع المنشق عن الليكود غدعون ساعر زعيم حزب "أمل جديد"، وبعد انضمام رئيس الأركان السابق غادي ازنكوت للائتلاف، وكليهما -ساعر وازنكوت- يرفضان حل الدولتين.
وبخصوص رؤية غانتس نفسه، الذي يتموضع في خندق وسط اليمين، فإنه لا يرى ولا يريد أن يرى أي تسوية حقيقية مع الفلسطينيين، وأن أقصى ما يقدمه هو تحسين الحياة اليومية من خلال تقديم "سلسلة من التسهيلات".
وفيما يتعلق بحزب الليكود، فإن هذا الحزب من المرجح أن ينقسم على نفسه بمجرد خروج نتنياهو من الحياة السياسية، ومن المتوقع ان ينفلش الليكود إلى ثلاثة أحزاب جديدة، حزب في أقصى اليمين ويضم المستوطنين والصهيونية الدينية، وحزب يميني متطرف لكنه علماني، أما الحزب الثالث فقد يضم جزءا من الليكود مع حزب ساعر وحزب "أزرق- أبيض" وشخصيات سياسية من اليمين التقليدي.
وما قد يستنتج من كل ما ذكر، أن إسرائيل تمر في نفق سياسي مظلم، والدليل ان الانتخابات القادمة في الأول من تشرين الثاتي/ نوفمبر، هي الخامسة في اربع سنوات، وانه ليس من المتوقع ان ينجم عنها نتائج حاسمة، مما يعني ان إسرائيل لن يستقر الحكم فيها ولن تغادر دوامة الانتخابات على المدى القريب، وستبقى في حالة عدم استقرار سياسي، وهو ما قد يدخل الجمهور في حالة من الملل، وغياب الثقة بالأحزاب الموجودة.
مأزق إسرائيل سيستمر وسيتعمق، فعندما يصبح المحتمع كله او غالبيته من لون سياسي واحد، مجتمعا يمينيا، فإن منطق الاختيار الديمقراطي لن تعود له اي قيمة او فاعلية. ولعل غياب او تغيب اي رؤية إسرائيلية لتسوية حقيقية مع الشعب الفلسطيني، واستمرار الاحتلال، هو جذر المأزق، فكلما تهربت إسرائيل من سؤال التسوية كلما تعمقت أزمتها، وتصبح العملية الديمقراطية بلا أي مضمون ولا معنى لها.
فالسؤال الذي يجب ان يطرحه كل إسرائيلي على نفسه: هل سأصوت للماضي، للكراهية والحقد، لمنطق الحروب والعدوان والعنف، أم أصوت للمستقبل للأمل والسلام والاستقرار؟ ثم هل لدى هذه الأحزاب خطة حقيقية لجعل الإنسان اليهودي في إسرائيل ينعم بالأمن عبر خطة شجاعة تنهي الاحتلال، خطة تنهي استغلال هذا الإنسان الذي يتم عبر تعبئته بالكراهية والحقد، ويعيش في دائرة نكران الآخر؟
mat