الاحتلال الإسرائيلي والمخدرات
نشر بتاريخ: 2022-08-08 الساعة: 08:57
الدكتور خالد أبو ظاهر
(حول دور الاحتلال الإسرائيلي في نشر المخدرات في المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية)
ان مشكلة الاتجار والتعاطي والترويج للمخدرات بكافة أنواعها، تعتبر من أخطر المشاكل التي تواجه المجتمعات الحديثة، لما لها من ابعاد اقتصادية واجتماعية وثقافية وامنية وسياسية ودينية وصحية، وقد زادت هذه الظاهرة بشكل ملحوظ في كثير من دول العالم.
وان ظاهرة تعاطي المخدرات ازدادت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة في المجتمع الفلسطيني، من خلال ازدياد اعداد المتعاطين في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، التي أدت الى حدوث جرائم متعددة ومتنوعة، أضف الى ذلك حدوث المشاكل الاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية والنفسية للأفراد والمجتمع. على الرغم من عدم وجود احصائيات رسمية تدلل على العدد الحقيقي لمتعاطي المواد المخدرة ومدمنيها وتشير الى الوضع الحقيقي لحجم مشكلة المخدرات في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، الا انه لا يمكن الانكار بان حجم المشكلة في ازدياد مطرد وهذا ما تدلل عليه احصائيات الإدارة العامة لمكافحة المخدرات لعدد من قضايا ضبط المخدرات وعدد المتورطين فيها على مدار العشر سنوات الماضية.
أضف الى ذلك ان هذه المشكلة تعتبر مسألة امن قومي إذا ما انتشرت بين فئة الشباب الفلسطيني لأنها تمس بالعمق الاستراتيجي للشعب الفلسطيني وثباته على ارضه وسعيه الدؤوب للتحرر من الاحتلال وإقامة دولته المستقلة.
وقد تعددت الأسباب التي تدفع الشباب الفلسطيني الى التعامل بالمخدرات بشتى الاشكال، وسوف نلقي الضوء في هذه المقالة على الدور الذي يلعبه الاحتلال الإسرائيلي في نشر المخدرات في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية بشتى الوسائل والأساليب ليضعف هذا الشعب ويذله وان يظل مقهورا وفي غفلة التخدير والاوهام تاركا للاحتلال زمام الأمور وحتى يتحقق للمحتل الإسرائيلي استغلال واضعاف وتخلف واستعباد الشعب الفلسطيني.
أساليب وطرق الاحتلال في نشر المخدرات في المجتمع الفلسطيني:
1- شجع الاحتلال الإسرائيلي في الفترة ما قبل الانتفاضة الفلسطينية الأولى 1987م ، انخراط فئة الشباب من المجتمع الفلسطيني بالمجتمع الإسرائيلي بشكل كبير، حيث كان يراهن الاحتلال على عامل الزمن (الكبار يموتون والصغار ينسون) فكانت الطرق مفتوحة على مدار الساعة وليس هناك حاجة لعمل تصاريح ولم يكن جدار الفصل العنصري قد شيد في ذلك الوقت، وهذا أدى الى انحدار الشباب الفلسطيني نحو الجريمة بكافة اشكالها وخاصة جريمة المخدرات تعاطيا وترويجا وتجارة.
2- تشجيع الاحتلال الإسرائيلي لهجرة الجنسيات الإسرائيلية القادمة من دول أوروبية واسيوية وافريقية التي تحمل ثقافات غربية متعددة واختلاطها بالثقافة الفلسطينية وتأثيرها فيها مما أدى الى اختلاف واختلال المعايير الثقافية والاجتماعية في المجتمع الفلسطيني سواء في مناطق 1948م او مناطق 1967م.
3- تصنيف الاحتلال الإسرائيلي لبعض المناطق ب (C) حسب اتفاقية أوسلو، وهي تضم كافة المناطق الريفية التي تقع من الناحية الأمنية تحت سيطرته، وهذا يحول دون قيام الأجهزة الأمنية الفلسطينية بنشاطاتها في هذه المناطق، وذلك بسبب الحاجة الى التنسيق الأمني مع الاحتلال الذي غالبا ما يقابل بالرفض او التأخير، وهذا يعطي مجالا لتجار المخدرات من استخدام هذه المناطق لممارسة نشاطهم سواء بزراعة او ترويج او بيع المخدرات.
4- الاحتلال الإسرائيلي يتواجد على معظم الأراضي الفلسطينية ويسيطر عليها بشكل كامل ويتحكم بكافة مجالات الحياة فيها اقتصادية وامنية وغيرها، ويسهل عمليات الزراعة والاتجار والترويج للمخدرات بكافة اشكالها وانواعها.
5- يعمل الاحتلال الإسرائيلي على اضعاف الأجهزة الأمنية الفلسطينية وخاصة إدارة مكافحة المخدرات ويمنعها من ممارسة صلاحياتها ومهامها ويستخدم في ذلك تقدمه العلمي والتكنولوجي العسكري.
6- يعمل الاحتلال الإسرائيلي على تضييق افق الحلول السياسية وعلى سياسة فرض الامر الواقع، وهذا يدفع الشباب الى الحل الوحيد للحصول على المال فيضطر الى التوجه للعمل داخل هذا الكيان الغاصب وداخل المستوطنات وهناك يندفع الى عالم المخدرات حيث اكدت ذلك احصائيات إدارة مكافحة المخدرات ان نصف المضبوطين في جرائم المخدرات هم من فئة العمال في المستوطنات.
7- الاحتلال الإسرائيلي يسيطر على المعابر والحدود الداخلية والخارجية في الضفة الغربية وفي قطاع غزة ويتحكم بها وهذا لا يمكن الأجهزة الفلسطينية من عمليات ضبط المخدرات ومنع ايصالها الى المجتمع الفلسطينية وحمايته من هذه الافة.
8- الاحتلال الإسرائيلي يتبع سياسة غض البصر وعدم محاسبة من يتاجر بالمخدرات او يوزعها في القدس الشرقية وضواحيها وذلك بهدف تدمير المجتمع الفلسطيني المقدسي واغراقه بالمخدرات لحرف البوصلة عما يجري من تهويد للقدس والمقدسات التي فيها ولإبعاد الأنظار عن كافة الممارسات الإسرائيلية بحق المواطنين الفلسطينيين في القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة.
9- يكبح الاحتلال الإسرائيلي كافة الإجراءات والجهود الرامية الى الحد من انتشار المخدرات في الأراضي الفلسطينية من خلال حماية التجار والمروجين والسماح لهم بممارسة نشاطهم الاجرامي بالقرب من الحواجز الإسرائيلية ونقاط التفتيش ومناطق التماس وبالقرب من بعض المستوطنات.
10- يعمل الاحتلال الإسرائيلي على فتح الأسواق الفلسطينية امام حملة الهويات الإسرائيلية وقيام عدد من هؤلاء بتهريب المخدرات بكافة اشكالها الى مناطق السلطة بالتعاون مع تجار ومروجين من المجتمع الفلسطيني وبكميات كبيرة.
11- سمح الاحتلال الإسرائيلي من خلال بعض قوانينه لتعاطي بعض أنواع من المخدرات وبكميات محددة، هذا أدى الى اختلاف في النظم القانونية المتبعة في التصدي لمشكلة المخدرات بين مناطق السلطة الفلسطينية والمناطق التي تخضع للسيطرة الإسرائيلية من الناحية الأمنية.
12- الاحتلال الإسرائيلي يستعمل المخدرات لإيقاع الشباب الفلسطيني في مستنقع العمالة والجاسوسية لحسابه، والإتجار في المخدرات وإدمانها، جعل العديد من المتعاطين والتجار يقعون في فخ العمالة مع العدو، حيث يلجأ الاحتلال إلى تسهيل دخول المخدرات إليهم، وكذا تأمين ترويجها عبر شبكات تهريب تتبع لهم مباشرة، وتزج بالمدمنين وتجار المخدرات في سجونها بتهمة التعاطي والإتجار، لتساومهم بعد ذلك خلف القضبان على التخابر معها، وبالتالي يستعمل كافة الوسائل والأساليب لنشرها، من اجل اضعاف جذوة المقاومة.
13- الاحتلال يصنع تجار مخدرات يعملون على انشاء شبكة من المزارعين ومن المروجين، ما يعتبر تجارة ومصدر دخل لحكومة الاحتلال على حساب الشعب الفلسطيني، حيث يبلغ حجم سوق المخدرات في دولة الاحتلال أكثر من ستة مليارات دولار سنويًا تشمل أكثر من مائة طن من الماريغوانا وثلاثة أطنان من الكوكايين وحوالي أربعة أطنان من الهيروين. ويتم بيع كميات كبيرة من هذه المخدرات إلى الفلسطينيين.
14- يعمل الاحتلال الإسرائيلي على انتشار المخدرات الكيميائية، بفضل القوانين الإسرائيلية الواهية، حيث باتت دولة الاحتلال رائدة في صناعة وتوزيع ما يعرف بالمخدرات الخفيفة، وعلى رأسها المخدرات الكيميائية، التي يطلق عليها أحياناً «المخدرات القانونية» ، ويعرف هذا النوع من المخدرات أيضا باسم "مخدرات الأكشاك" وتشمل أنواعًا عديدة مثل هايدور، مسطولون، أكسجين، مسترجاي، سبايسي وغيرها. وهي أنواع غير ثابتة وتتطور باستمرار عبر التحايل على جداول الأدوية المخدرة من خلال تطويرها بشكل مستمر عبر خلطها مع بعض النباتات.
15- يمنع الاحتلال الإسرائيلي في القدس الشرقية من افتتاح مراكز لتأهيل وعلاج المدمنين، وتمنعهم من الحصول على تراخيص لإنشاء مثل هذه المراكز.
16- جنود الاحتلال الاسرائيلي يتاجرون بالمخدرات لكسب المال، واهم ضحاياهم الشباب الفلسطيني، كما حدث في الخليل حيث قام جنود الاحتلال الإسرائيلي ببيع المخدرات لبعض الشباب الفلسطينيين.
17- يعامل القانون الإسرائيلي المدمنين معاملة المرضى وذوي الإعاقات، حيث تقوم مؤسسة التأمين بصرف بدل خاص لهم يصل إلى ألفي شيقل (حوالي 500 دولار) للأعزب وضعف هذا المبلغ للمتزوج، ويزيد البدل مع زيادة عدد الأبناء. إلا أن دولة الاحتلال لا تقوم بتطبيق هذا القانون على العرب في أراضيها إلا إذا ثبت تعاطيهم للهروين لمدة طويلة متواصلة، مقارنة بتطبيقه على الحشيش والكحوليات بين اليهود، وهو ما يزيد من حوافز الانغماس في المخدرات. كما تقوم دولة الاحتلال أيضًا بتطبيق قوانين حماية الطفل على أولياء أمور القصر المدمنين، فتقوم بمعاقبتهم بدفع غرامات كبيرة وربما السجن أحيانًا لمدة قد تصل إلى عشر سنوات إذا قاموا بضرب أبنائهم المدمنين.
18- يسعى الاحتلال الإسرائيلي على تشجيع ظاهرة التسرب من المدارس ويتستر على ذلك في مدارس القدس الشرقية، لخلق جيل عاطل عن العمل وجاهل بالعلم والأخلاق والدين، مما يمهد لإيجاد بيئة خصبة لنشر المخدرات.
19- يحكم الاحتلال الإسرائيلي على الفلسطينيين المدانين بقضايا تجارة المخدرات، بأحكام خفيفة بمقابل احكام عالية على مثلاهم الذين يعملون في داخل المجتمع الإسرائيلي.
20 - لا يسمح الاحتلال الإسرائيلي لمنظمات المجتمع المدنية في القدس الشرقية ان يكون لها مواقف واضحة تعيق سياسات الاحتلال واستراتيجيته في مجال مكافحة المخدرات وان نجاح عمل منظمات المجتمع المدني التوعوي متوسط أو أقل بقليل، نتيجة لسياسات الاحتلال، وأن أي منظمة يشعر الاحتلال أنها تعمل ضد سياسته يتم اعتقال أفرادها وتعطيل أعمالها وملاحقتها.
21- يعمل الاحتلال الإسرائيلي على التعاون مع المستوطنين في مستوطنات الضفة الغربية لترويج المخدرات في المناطق الفلسطينية، من خلال استغلالهم الدخول لبعض مدن الضفة بهدف التبضع وخاصة في المدن الواقعة على الطرق الالتفافية مثل حزما وعناتا والعيزرية ويقومون بإدخال المخدرات معهم ونشرها.
وفي الخلاصة نقول ان الاحتلال الإسرائيلي يعمد إلى استخدام كافة الأساليب المتاحة التي من شأنها تدمير وتفتيت المجتمع الفلسطيني ومن بين هذه الأساليب إغراق الشارع الفلسطيني بالمخدرات بأشكالها وأنواعها المتعددة، من خلال ترحيل داء المخدرات إلى مناطق الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة ، ويعمل على تسهيل ترويجها والاتجار بها، واستنباتها، وزراعتها، وتصنيعها، بهدف إسقاط وتدمير عنصر الشباب، وجره إلى عالم الجريمة بكافة أشكالها؛ وبالتالي سهولة السيطرة على المجتمع الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال، هذا بالإضافة تحقيق المكاسب المالية الطائلة التي يجنيها من هذا الباب، فدولة الاحتلال تعدُّ من أكثر الدول المنتجة للمخدرات إقليميًا.
ورغم الصعوبات التي تواجه الأجهزة الأمنية الفلسطينية في السيطرة الكاملة على هذه الظاهرة، إلا أنهم لم يألوا جهدًا في ملاحقة من يعبثون بأمن الوطن ويتسببون في نشر هذه الآفة ، بحيث يواصلون الليل بالنهار من أجل إلقاء القبض على المطلوبين والمتورطين فيها، سواء ترويج وتجارة أو زراعة أو تصنيعًا أو تعاطيًا، من خلال نصب الكمائن أو المراقبة الدائمة والحثيثة للمناطق التي يتم الشك فيها، ومن خلال التعاون مع المواطنين ومؤسسات المجتمع المدني، ويلاحظ ذلك من خلال الكم الهائل من أعداد مشاتل ومستنبتات زراعة المخدرات التي تم ضبطها في مختلف المحافظات الفلسطينية، التي احتوت على عشرات الآلاف من الأشتال المخدرة، وخاصة من مادة الحشيش والقنب الهندي المهجن، والماريجوانا، بالإضافة إلى أعداد من المصانع والمختبرات المنتجة والمصنعة لها.
وسلاحنا الوحيد هو أن نحصن الفرد، لكي لا يضعف أمام مغريات استخدام المخدرات وهذا يأتي أولاً من خلال تكاتف الجهود ، الاسرية في المنزل، والتربوية في المدارس والجامعات، والتوجيه السليم من المجتمع ومؤسساته العامة والخاصة، وثانياً رفع مستوى الانتماء الوطني من خلال أنشطة مؤسسات الدولة المدنية والأمنية وثالثا التوعية من مخاطر المخدرات من خلال دور العبادة والنوادي الرياضية والصيفية، وكذلك عبر وسائل الاعلام.
ويجب ان ترتقي مكافحة الشعب الفلسطيني للمخدرات الى مستوى مقاومة الاحتلال، وعليه فإن الجهود والطاقات الرسمية والخاصة يجب ان تنصب حول الربط بين انتشار تعاطي المخدرات بين الفلسطينيين واستمرار بقاء الاحتلال.
وكذلك إعادة النظر في بعض الاتفاقيات مع الاحتلال الإسرائيلي التي تعتبر مجحفة بحق الشعب الفلسطيني.
mat