تيفاع الإسرائيلية تقتل الأميركيين
نشر بتاريخ: 2022-08-04 الساعة: 13:26
عمر حلمي الغول
لا أضيف للقارئ جديدا، او هكذا يفترض عندما أؤكد، ان المنظومة الرأسمالية بكل مركباتها السياسية والامنية والقانونية والطبية والاجتماعية تقوم على استغلال ونهب الاغنياء لقوة عمل الفقراء والمسحوقين وسكان مدن الصفيح والمهمشين، وحتى البرجوازية الصغيرة والمتوسطة، فضلا عن الصراع بين اقطاب رأس المال الصناعي والمال المالي على النطاقين القومي والعالمي. ولا تتوانى أنظمتها السياسية عن ارتكاب ابشع الجرائم ضد أبناء جلدتها والشعوب الأخرى مقابل تأمين الربح بمعايير تطور البرجوازية بدءا من المنافسة الحرة في مرحلة المانيفاكتورة وصولا لمرحلة الربح الاحتكاري مع صعودها للمرحلة الامبريالية والنيو ليبرالية.
وتزداد شراسة ووحشية الشركات الام والبنات كلما احتدمت المنافسة مع الشركات الأخرى في الميادين المختلفة. وتتضاعف تلك الجرائم اللا إنسانية في الدول المأجورة والعميلة عموما، ودولة إسرائيل الاستعمارية خصوصا. هذه الدولة التي قامت على قواعد النهب والنفي والاغتصاب والمجازر الوحشية والعنصرية والتطهير العرقي ضد أبناء الشعب العربي الفلسطيني وشعوب الامة العربية عموما تنفيذا أولا لمهمتها الوظيفية الاستعمالية؛ وثانيا لخلق ركائز وجودها، وتبرير بقائها على ارض فلسطين التاريخية.
ولم تتوقف جرائم إسرائيل المارقة والخارجة على القانون عند حدود قتل ومطاردة ونفي الشعب الفلسطيني، ومصادرة ارضه وحقوقه السياسية والقانونية والحضارية التراثية وهويته الثقافية الوطنية والقومية، وانما تقوم شركاتها الرأسمالية الاحتكارية بقتل أبناء الدول التي اقامتها، وأمنت لها كل مقومات البقاء والتطور السياسي والدبلوماسي والعسكري والاقتصادي المالي، ومن النماذج الدالة والموثقة على ذلك ما ارتكبته "شركة الادوية الإسرائيلية "تيفاع" من جرائم قتل طالت نصف مليون أميركي خلال العقدين الأخيرين، نتاج زيادة الإدمان على الافيون والمواد المخدرة في أوساط الاميركيين الناجمة عن ادويتها، وفق ما ذكرت هيئة البث الرسمية الإسرائيلية "كان" في يوم الأربعاء الموافق 27 تموز/ يوليو الماضي.
وفي اعقاب رفع الاف الدعاوى على شركة الادوية الإسرائيلية تم التوصل لاتفاق تدفع بموجبه 4,25 مليار دولار أميركي كتعويض للمنكوبين من جرائمها. ليس هذا فحسب، بل انها تورطت في جريمة أخرى وفق وزارة القضاء الأميركية، التي اتهمت شركات الادوية بالتواطؤ مع الشركات المنافسة لرفع أسعار الادوية المكافئة، واتهمت "تيفاع" بتنسيق الأسعار على مدار السنوات الماضية من 2013 حتى افتضاح الجريمة. وتؤكد الوزارة الأميركية ان المرضى الاميركيين دفعوا مبالغ إضافية عن الأسعار الحقيقية تصل الى 350 مليون دولار.
وفي نطاق المساومة بين الشركة والقضاء الأميركي وافقت إدارة شركة "تيفاع" على التعويض مقابل عدم ادانتها بارتكاب اية مخالفات. لكن القضاء الأميركي رفض المساومة وطالب بمحاكمة الشركة الإسرائيلية.
غير ان الشركات الخمس المتورطة في قضية تنسيق رفع الأسعار وافقت على تسوية المخالفات خارج أبواب المحكمة. وعلى سبيل المثال لا الحصر وافقت شركة "ساندوز"، وهي شركة تابعة لشركة "نوفارتس" السويسرية على دفع غرامة 195 مليون دولار، والشركة الأميركية التابعة لشركة الادوية الإسرائيلية "تارو" وافقت على دفع 205 ملايين دولار..الخ.
واثر تداعيات فضيحة "تيفاع" فقد انخفضت أسهمها في تل ابيب يوم الاحد الموافق 24 تموز/ يوليو الماضي، وبعد حصول المنافسين الأسبوع الماضي على الموافقة من جهات الاختصاص الأميركية والأوروبية لتسويق منتجات ارخص لدواء "كوباكسون" الرائد للتصلب المتعدد، وهو ما لم تكن تتوقعه الشركة المتورطة بالجريمة "تيفاع".
وهذه الفضيحة الجريمة غيض من فيض الجرائم التي ترتكب من قبل بعض شركات الادوية، التي من المفترض ان تكون الاحرص على حياة المرضى أينما كانوا. لكن الوقائع والمعطيات تكشف عن الوجه البشع واللا انساني لكل الشركات الاحتكارية وفي مقدمتها شركات الادوية، التي لا يهمها سوى الربح الاحتكاري، والتلاعب بالأسعار تنفيذا لمآرب أصحاب رأس المال الصناعي إن كان دوائيا او غير ذلك.
وعليه فإسرائيل الدولة الاستعمارية منتجة النكبات والمصائب، والقائمة على الاساطير والخزعبلات والجريمة المنظمة وإنتاج الإرهاب باشكال ووسائل متعددة، لا تتوانى عن قتل الأوروبيين والأميركيين وغيرهم من الشعوب، وليس الشعب العربي الفلسطيني فقط. الامر الذي يتطلب من كل القوى والاقطاب والدول وقف جرائم هذه الدولة، وعزلها كدولة منبوذة ومارقة، ودولة فصل عنصري إرهابية، والزامها بدفع استحقاق السلام الممكن والمقبول، وتعويض الشعب الفلسطيني عن كل الجرائم والمجازر التي ارتكبتها بحقه تاريخيا وراهنا.
mat