اغتيال الوطن والقرار المستقل بسموم "الديمقراطية المزيفة"!
نشر بتاريخ: 2022-07-31 الساعة: 12:50
موفق مطر
بعد أحداث انقلاب جماعة الإخوان المسلمين فرع فلسطين المسمى (حماس) عام 2007 على المشروع الوطني الفلسطيني، وباكورة النظام السياسي الفلسطيني الديمقراطي، يمكننا القول إن منظومة الدول الاستعمارية، والدول الإقليمية المتنافسة معها تاريخيا على النفوذ والسيطرة على أقطار الوطن العربي، قد نجحت فعلا في استخدام (ديمقراطية) من نوع خاص، صمم بعناية للتصدير إلى شعوب ودول عربية، بعد اطمئنان المصدرين إلى سواد المفاهيم السطحية للديمقراطية لدى نسبة عالية من الجماهير التي ما إن أتيحت لها الفرصة، حتى أدخلتها رؤوس الأحزاب في أنفاق ومتاهات، ومشاكل اقتصادية وصراعات اجتماعية ومذهبية تكاد إذا استمرت على هذا الحال ألا تبقي ركيزة ثقافية واحدة قائمة، كانت شاهدا على ثقافة الشعب الواحدة أو ما يسمى في اللغة السياسية وحدة الشعب.
منذ عام 2007 كرت سبحة (الفوضى الخلاقة) الأميركية تحت مسمى (الربيع العربي) وانفرط عقدها لتصل بلادا عربية مقصودة دون غيرها، لتطبيق النموذج الخاص، ليس المصنع سلفا وحسب ، بل المحمول في شرائح ذاكرة بأدمغة رؤوس أحزاب، تمت تهيئة كل الظروف وتذليل العقبات أمامها للوصول إلى سدة الحكم بسرعة، بعد الاستيلاء على الإرادة الشعبية الحقيقية وحرف الأهداف الوطنية، لتصب في خانة رؤوس الأحزاب المنظمة والمدربة جيدا، على انتهاز الفرصة، لسحق ما تبقى من الفكرة الوطنية عبر صناديق الانتخابات، بعد محاولات سحقها بجنازير دبابات الغزاة الذين حضروا مباشرة من وراء المحيط، أو عبر الدعم والتغطية المباشرة من الوكيل الاستعماري في المنطقة العربية المسمى (إسرائيل) كما حدث في حالتنا الفلسطينية، أو بواسطة ميليشيات مسلحة مزودة بكل أسباب القوة المسلحة، استطاعت فعلا إرعاب الأغلبية الشعبية الوطنية بسطوتها وإرهابها الممنهج، حتى باتت الصورة على النحو التالي أحزاب وجماعات وتنظيمات مسلحة بمرجعية سميت دينية أو مذهبية والدين منها والمذاهب براء، مقابل (الدولة) التي باتت كمجسم يتم تحريكه بخيوط متعددة متشابكة المصالح، أو بمجموعة من أجهزة التحكم عن بعد، سببت لها الشلل، أو على الأقل أضعفت قدراتها إلى حد العجز، فحولت الفكرة الوطنية إلى العناية المركزة في حالة موت سريري، فيما وقع (الوطن) كالفريسة تنهشه أنياب رؤساء الأحزاب، الذين عملوا على إزالة دمه المهدور بمعجون مبيض منحوه اسم (الديمقراطية) .. وفعلا استطاعوا زلزلة الأسس التي يقوم عليها الوطن، لأنهم مع أركان وطن ووطنية حقيقية لا تقوم لهم قائمة ولا يمكنهم تحصيل الغنائم ، فعملوا على تجزئة الشعب الواحد، وبث النعرات الجهوية والفئوية والطائفية والقبلية وحدث هذا عندنا في فلسطين، وكل هذا إضافة إلى العرقية في بلدان عربية! ثم أضعفوا سيادة الشعب أي (الدولة) واستعانوا بالقوى الخارجية مباشرة وهذا ما شهدناه في دول عربية، أو بدول إقليمية أوصلت لهم الدعم المالي بالحقائب عبر الوكيل الاستعماري (إسرائيل) تحت غطاء ضجيج إعلامي وخطابي ضده، وتركيز شديد على مصطلح (العدو) في خطاباتهم المنبرية، العدو هو نفسه الذي ثبت للقاصي والداني أنه صاحب المصلحة الأولى والأخيرة في منع الشعب الفلسطيني من تمديد سيادته على أرضه، بالتوازي مع نشر وباء انفصام الشخصية الوطنية، تمهيدا للانفصال الجغرافي والسياسي، أما أرض الوطن التاريخية، فقد تم التلاعب بتاريخها، وحاضرها، ومستقبلها ورسمت خرائط وهمية منحت مصطلحات مثل "القطاع المحرر" أو "الأرض المحررة"، لكن الحقيقة الثابتة أن أرض الوطن كلها محتلة، ومثل هذا الحال نراه في أقطار عربية ما زالت تشهد صراعات دموية وفوضوية نتيجة الحملات الحديثة للدول الاستعمارية على الوطنية والقرار الوطني المستقل في فلسطين وفي دول عربية، تحت يافطة "الديمقراطية " – المزيفة طبعا – فالطامعون في بلادنا وثرواتنا وبتحويلنا إلى مجرد طاقة لخدمة مصالحهم، يدركون جيدا معنى استقلالية القرار الوطني في فلسطين وفي أي قطر عربي، باعتباره بداية الطريق نحو ديمقراطية وطنية حقيقية غير مزيفة ولا مستوردة ولا محمولة على دبابة غزاة، فالديمقراطية الحقيقية رغم كونها منهجا متقدما للحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وغيرها، يجب أن تبقى تحت تاج السيادة الوطنية واستقلالية القرار ومبدأ السلطة للشعب.
mat