من خلف القضبان.. قراءة في رواية "شوق مزمن" لأنور الخطيب
نشر بتاريخ: 2022-07-31 الساعة: 12:30
بقلم الأسير: هيثم جابر
ليس أنور الخطيب وحده من يأبى الشفاء من شوقه، وعشقه المزمن لفلسطين يكن منسوب الشوق والعشق يختلف من عاشق لآخر ومن متمرد إلى ثائر، ومن روائي إلى شاعر.. منسوب العشق وادرينالين الكرامة ومتلازمة الشوق في دماء وجسد الأعمال الأدبية للشاعر والروائي أنور الخطيب مرتفعة جدا، إلى الحد الذي يمكن أن يصاب بسكته أدبية تودي به إلى أحد السجون القريبة من أماكن سكناه او حادث قضاء وقدر يرسله في جملة المرسلين إلى الله بالجملة أو حتى فردا كغيره من الأدباء، أصحاب المواقف والكلمات الصادقة وما ذكرى ناجي العلي وغسان كنفاني عنا ببعيدة.
أنتج الأديب الفلسطيني أنور الخطيب أكثر من ثلاث عشرة رواية وأكثر من أربعة دواوين شعرية وخمس مجموعات قصصية.
أنور الخطيب الذي عاش مرارة اللجوء والحرمان والتهجير والتنقل من مخيم إلى آخر، من مجزرة إلى مقبرة، من مأساة إلى مأساة أكبر، أثر ذلك كله على مجمل إنتاجه الأدبي سواء كان في الرواية أو الشعر، وكان للمخيم حضور واسع في جل أعماله الأدبية خاصة رواية "شوق مزمن".
نرى الأعمال الأدبية الشعرية منها أو الروائية بمثابة قطع فنية فلسطينية تصور الواقع الفلسطيني المرير، وحياة الضنك واللجوء و"التعتير" الذي عاشها الفلسطيني سواء في صراعه مع المحتل أو أدواته في الشتات من أبناء جلدتنا.
لهذا جاءت شخصية صلاح المحورية في رواية "شوق مزمن" متمردة مثل الطفولة المشاكسة في أزقة المخيم، ربما هي انعكاس لشخصية الكاتب أنور الخطيب، يرى نفسه أو يكتب نفسه في شخصية صلاح، الذي لم يكن يقبل الواقع المرير الذي يعيشه سواء كان طفلا أو كهلا، حرض الأموات قبل الأحياء في دلالات رمزية سيميائية رائعة سقطت على الواقع الحالي الذي يعيشه الفلسطيني خاصة وأمتنا عامة.
رواية "شوق مزمن" قطعة فنية بكل ما تعني الكلمة من معنى مليئة بالدلالات الرمزية والاسقاطات الحقيقية على الواقع العربي الفلسطيني، هي قطعة شعرية رغم نثريتها لجزالة اللغة الشعرية التي تسيطر على طول المساحة السردية.
معظم الأعمال الروائية التي كتبها شعراء كانت اللغة الشعرية تطفو وتسيطر على سردية النص وفي هذه الحالة لشوق أنور الخطيب المزمن أيضا.
اعتقد أن لغة الأديب الشعرية ساهمت في تحفيز العقل على الاستدلال والارتقاء بالقارئ إلى لغة قوية تنقله من صورة إلى أخرى، وترسخ الرسالة التي أراد الكاتب إيصالها للقارئ.
جاءت شخصية صلاح لترمز إلى الفلسطيني المتمرد الذي لم يرض بالواقع والسكون إليه، بل ثار عليه، وراح يحرض الأموات في دلالة رمزية سيميائية إلى الواقع الذي يعيشه الفلسطيني في مخيمات اللجوء وكافة أماكن تواجده حيث ارتكبت بحقه أكبر جرائم القرن الماضي من طرده من أرضه وتهجيره عن وطنه وإحلال جماعات استعمارية جاءت من كل قطر وأرض لتسرق أحلامه وأرضه وحضارته.
هذا النص الآتي يوضح الرسالة المتمردة التي أراد إيصالها أنور الخطيب للقارئ العربي عامة والفلسطيني خاصة، ولك أن تتصور شخصية الكاتب الثائرة التي لن ترضي البعض ولن يكون مرضيا عنها أغلب الظن.
"أنور الخطيب" سكن المخيم والعكس صحيح أيضا فكان هاجس اللجوء يسيطر على مجمل انتاجه ويسكنه حتى النخاع، رغم سفره وتنقله بين الدول والمخيمات كذلك...
"استيقظ السكان على مندوبي ومراسلي وسائل الإعلام، احتشدوا، أمام الحاجز الأول للمخيم وخلفهم آلاف الناس يرغبون بالدخول للمخيم لرؤية المعجزة، ويراقبون اللاجئين وهم يبنون وطنا من الوهم في الهواء" "نص من الرواية".
لا أعتقد أنه يوجد أديب وكاتب فلسطيني لا تسكنه المأساة الكبرى التي ألمت بشعبه، ولن تجد من استبرأ من داء الشوق الذي اسمه فلسطيني، فقد استبرأت منه فلسطين وخرج من دائرة العشق والشوق، وغادر بمحض إرادته فلسطين إلى الأبد.
بقي أن أشير أن للمرأة حضورا واضحا وقويا في جميع كتابات أنور الخطيب لا تقل حضورا وأهمية عن الوطن، وربما كانت الوطن بأسره بالنسبة للكاتب والأديب أنور الخطيب، كما هي للعديد من الكتاب، أيضا هنا تحضر الدلالة الرمزية على أن الوطن والمرأة وجهان لعشق واحد.
المرأة في رواية شوق مزمن تبدو جميلة ومشرقة كما هو وجه الوطن.
رواية شوق مزمن قطعة أدبية فنية، احدى روائع الأديب الفلسطيني أنور الخطيب وكل فصل من فصولها، يحتاج إلى بحث كامل، لا إلى مقالة أدبية أو قراءة متواضعة تنشر هنا أو هناك.