حنا عيسى قائد ثوري اكاديمي استثنائي
نشر بتاريخ: 2022-07-28 الساعة: 13:26
بقلم: عباس زكي - عضو اللجنة المركزية لحركة فتح
أشعر بعجز الكلمات والمفردات لأتحدث باسم اللجنة المركزية لحركة فتح ومجلسيها الثوري والاستشاري عن أخ عزيز وحبيب ورفيق درب ونائب لي في مفوضية العلاقات العربية والصين الشعبية... في الذكرى السنوية الاولى لرحيله المغفور له الدكتور حنا عيسى عضو المجلس الثوري القائد والكاتب وخبير القانون الدولي ... فقد عرفته عن قرب بدماثة الخلق والنزاهة والطهر ونقاء السريرة والوجدان النظيف.. فبمجرد ذكراه العطرة نقف جميعا أمام قائد استثنائي ثوري وأكاديمي وكاتب وباحث في السياسة والقانون الدولي ممشوق القامة يبحث عن حياة كريمة لشعبه لا يمكن تحقيقها إلا بالاستعداد الدائم لتقديم كل ما امتلك من طاقة وجهد للمساهمة في رفع القيمة الفكرية والثقافية لمن حوله لتقريب المسافات ورصّ الصفوف لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي وزواله عن وطننا فلسطين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس التي عشقها بكنائسها ومساجدها وتراثها العربي والإسلامي الأصيل.. كيف لا وهو الذي ترأس الهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات سنين طويلة، هكذا كان حنا عيسى مثالا للضمير الوطني الحر والذي شكل نموذجا راقيا للتآخي الإسلامي المسيحي في فلسطين ... وكان مؤمنا بقانون سنّه ياسر عرفات قانون المحبة والتسامح، وأن المقاومة بكل أشكالها هي اقصر الطرق لتحرير فلسطين.. وعلى الرغم من إيمانه بأن الطريق إلى القدس بالغة التعقيد والصعوبة ومليئة بالألغام والأشواك، إلا أنه كان يؤمن أن لا بديل عن بذل كل التضحيات لتجسيد حلمه وحلم شعبه وحلم كل الأوفياء والأحرار في هذه الأمة لتحرير فلسطين وزوال الاحتلال عنها لما تمثله القدس من مكانة روحية للمسلمين والمسيحيين في جميع أنحاء العالم، فهي مسرى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وقيامة السيد المسيح عليه السلام مهد الديانات ومهبط الرسالات السماوية ... وبوابة الأرض إلى السماء لذلك فهي تحتاج لكل جهد وطني وعربي وإسلامي وحر في العالم للوصول إلى تحقيق العدالة الربانية والقانونية فيها...
كان الراحل الحبيب دكتور حنا عيسى أحد الكبار الذين امتلكوا الفكر والثقافة الوطنية المحصنة بالثورة الفلسطينية ورائدتها حركة فتح بالإضافة إلى تحسسه وشعوره العميق بمأساة ومعاناة شعبه الفلسطيني المظلوم.. فامتلك بذلك قدرات فكرية وتعبوية استثنائية تمكن بها من التأثير على كل من عرفه واقترب منه وبخاصة حضوره المميز في المؤتمرات العربية والدولية والتي حمل خلالها قضيته الفلسطينية والقدس في عمق أعماق قلبه، فكان دبلوماسيا رفيع المستوى ومُحاوراً وجريئا وشجاعا في طرح أفكاره... لذلك كان يؤمن بأن من يحكم القدس يحكم العالم بأسره.... وبهذا الفهم صاغ فكره الاجتماعي والوطني وعمق وعيه السياسي وتعززت الجوانب المرتبطة بسلوكه الشخصي الذي كان فيه فيضا من الإنسانية والمحبة لمن حوله وملازما لي في الكثير من المناسبات الوطنية والاجتماعية، ورافقني في بعض الزيارات للدول العربية، فوجدت فيه الإنسان الحكيم الجاد والحيوي والجدير في تحمل المسؤولية الوطنية والحركية..والراقي المحب للعمل والمتفاني من أجل قضيته ووطنه وشعبه حاضر البديهة ... وكأنه معجم في اللغة والمعرفة تماماً كأخوته الشهيد خضر وعايد كنموذج أرقى في الانتماء للوطن ...
وبرحيل الحبيب دكتور حنا عيسى ذو النظرة الثاقبة وصاحب الأفق السياسي الذي يقرأ المستقبل بشفافية الأكاديمي والباحث في القانون والسياسة الدولية تكون حركة فتح قد خسرت مناضلا وفارسا ومفكرا وقائدا وطنيا جمع بين النضال السياسي والقانوني وتحمل مسؤولياته بكل صدق وأمانة حتى أخر لحظات حياته.... حظي باحترام كبير بين زملائه أعضاء المجلس الثوري واللجنة المركزية للحركة ... فكان ثابتا على مبادئ الحركة ومدافعا عنها مُسلحاً بتضحيات وإرث نضالي كبير من آلاف الشهداء والجرحى والأسرى بفعل السياسة الدامية النابعة من فوهات البنادق وقوات العاصفة إيذاناً بالثورة المعاصرة التي كان لفتح شرف السبق على الآخرين، ما أحوجنا إليك أيها الحبيب في هذه الأوقات الخطيرة التي تعصف بالقضية الفلسطينية...فكثيرون يرحلون وكأنهم نسيا منسيا... أما القادة الكبار الذين ضحوا بحياتهم وزهرة شبابهم ونذروا أنفسهم من أجل وطنهم سيبقون خالدين في الذاكرة والوجدان ...
رحم الله القائد دكتور حنا عيسى واسكنه فسيح جنانه مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا... وعهدا علينا أن نظل أوفياء لك ولشهدائنا وجرحانا وأسرانا.. مخلصين لشعبنا ومبادئنا التي ناضلت من أجلها.. وأن نعمل من اجل حركتنا الرائدة لتزداد قوة وصلابة وشموخا وعنفوانا حتى تحقيق أهدافنا في التحرر والاستقلال الوطني وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس ....
ومن بطن حواء الى بطن الثرى
يمشي ابن آدم ساعة الميلاد