الرئيسة/  مقالات وتحليلات

نيابة عصرية وقضاء عادل لمجتمع آمن

نشر بتاريخ: 2022-06-23 الساعة: 17:29

 

عبير البرغوثي


قبل أيام، أسدل الستار على فعاليات المؤتمر الدوري للنيابة العامة في فلسطين بنسخته العاشرة، خطوة عاشرة تمضي بها سفينة العدالة النيابية نحو المزيد والمزيد من التطوير المنتظم لمكونات منظومة العدل  من إصلاح وحوكمة للبنية الداخلية مرورًا بالشراكات الفاعلة والتكامل بين باقي مكونات المنظومة على مستوى المؤسسات والبنية المدنية للمجتمع الفلسطيني، مؤتمر لا يمكن أن يقال عنه إلا أنه خطوة بعشر خطوات نحو الأمام، فصلاح وقوة وعدالة النيابة العامة شرط أساسي لبناء مجتمع تتوطد ثقته كأفراد ومؤسسات في مؤسسة نيابية عصرية تحتكم للمهنية والقانونية كمنهج عمل، وتتحلى بالإرادة والفعل الجاد لممارسة اختصاصاتها ومسؤولياتها ومهامها التي كفلها لها القانون، نسخة جديدة من العمل نحو إعادة بناء جسور الثقة والتكامل لتحقيق الحلم الفلسطيني وحماية مسيرة البناء، وإحقاق الحقوق بحزم وصرامة وإنصاف دون تمييز.
على امتداد ايام المؤتمر ومن خلال عدد من الجلسات ضمن محاور المؤتمر، وما صاحبها من نقاشات مسؤولة وحريصة وعالية الاهتمام من كافة المشاركين، اتضحت معالم الطريق بعد أن رسّخ المؤتمر مكانته في دائرة الحدث القانوني والنيابي في فلسطين، فلم يعد مجرد لقاء لتداول الأفكار العامة، بل تحول لمرحلة جديدة تضع الأولوية في التنفيذ على حساب التوصيات النظرية، مرحلة جديدة تضع التكامل والتعاون والمسؤولية المشتركة لكافة الشركاء لتحويل التوصيات لبرامج عمل، مرحلة من تنظيم الأدوار وتحريك عجلة التناغم بين الشركاء ليتصدى كل عضو بما يناط به من مهام تقتضيها متطلبات الترجمة الحقيقية للتوصيات ومخرجات المؤتمر لبرنامج عمل وطني غايته الأولى والاستراتيجية بناء منظومة نيابية متكاملة وعصرية تنهل من دروس الماضي وتدير الحاضر بكل شفافية ومهنية ونزاهة وتستشرف المستقبل لضمان أوسع ائتلاف تقتضيه التطورات المتسارعة وتحتاجه أيضًا المصلحة العامة لمجتمع فلسطيني تواق لبناء دولة يحكمها القانون وتسودها العدالة وتحرسها مؤسسات غايتها الحكم الرشيد.
لقد شكلت المداولات والتوصيات التي أبرزها المؤتمر العاشر أولويات على مختلف الصعد، لتحسين البنية الإدارية وبناء القدرات والخبرات باعتبارها البنية التحتية اللازمة لنيابة عصرية تضاهي ما وصلت إليه الدول المتقدمة وأبرزته التجارب الناجحة في هذا المجال، ودون هذا التطوير البنّاء لمنظومتنا ستتسع الفجوة بين النظرية والتطبيق، وتتسع معها فجوة الثقة بين المؤسسة والجمهور، وهو ما حرص المؤتمر على إبرازه كمهمة عمل عاجلة، لأن الإصلاح والتطوير والتحسين الداخلي تشكل مقدمة مهمة للتصدي لكافة القضايا التي تطرق باب النيابة العامة من كافة المجالات، وتحديث المنظومة وتسليحها بكافة أدوات التصدي للقضايا التي يواجهها مجتمعنا سواء في مجال محاربة العنف والتمييز والتهميش المستند للنوع الاجتماعي، والاعتداء أو الاستخفاف بقضايا المال العام والحقوق العامة، وطول فترات التقاضي وغيرها من المؤشرات على صعوبة الظروف التي تحيط بالعمل النيابي في الحالة الفلسطينية، كل ذلك يمثل ضرورة ملحة لبناء الجيل الجديد من منظومة العمل النيابي، وهو البوابة لتعزيز وتوسيع الوعي والثقافة المجتمعية والمؤسسية لدور النيابة في حياة المجتمع، وهي العلامة الفارقة على طريق بناء جسور الثقة بين المؤسسة ومكونات المجتمع الفلسطيني.

المؤتمر بمخرجاته خطوة مهمة ستفتح الطريق لمستقبل أفضل ونسعى أن يكون دائمًا كونه ركيزة الثقة التي يتطلع لها الافراد والمؤسسات، فهي ليست مجرد مكاتب وقضايا للبحث والفصل الشكلي بين متخاصمين، بل النسيج الذي يشكل المجتمع وهذا جوهر الأمن والسلم المجتمعيين، والغاية أن تكون النيابة العامة مقصد المتخاصمين، وحكمها أساس العدل بين الحقوق دونما تمييز في كل الظروف، وأي خلل في ذلك سيكون له تداعيات وانعكاسات على الكل الفلسطيني، فنحن جميعًا في أمس الحاجة لتعاون وثيق، وتكامل يفضي لتكامل المسؤوليات، وحوكمة تؤدي لإرساء القانون وسلطة القانون دون تأجيل أو مماطلة، منظومة تقود للبناء على الحقائق، ونجاعة في تطبيق القانون بسيف حازم للوقت والإجراءات، لأن التجربة علمتنا بأنه كلما امتد عمر التقاضي والتأجيل فتحت الأبواب على مصراعيها لتهديد مكانة القانون، وهناك يستمر انتهاك حقوق الضعيف وتذهب العدالة أدراج الرياح، قد لا يكون هذا هو المؤتمر الأخير، لكنه المؤتمر الذي سنتذكره جميعًا لأنه بوابة لمستقبل نيابي جديد، وهذا ما تستحقه فلسطين.

mat
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024