كيف تصرفت حماس خلال مسيرة الأعلام الإسرائيلية؟
نشر بتاريخ: 2022-06-02 الساعة: 14:02
باسم برهوم
كي لا يفهمني القارئ على عكس ما أريد، فلم أكن من دعاة أن تبادر حماس إلى إطلاق صواريخ خلال أزمة مسيرة الأعلام في القدس المحتلة هذا العام، لأنني أعلم مدى الدمار والخسائر التي قد تلحق بالشعب الفلسطيني في قطاع غزة، من دون أن يتحقق أي إنجاز وطني، ولكن ما أريد تناوله هو مراوغات حماس وألاعيبها ومحاولتها الإيحاء بأنها هي التي تخوض المعركة وهي في الواقع لم تقم بفعل أي شيء..أي شيء سوى إصدار البيانات الإعلامية وبث فيديوهات عسكرية قديمة، بهدف التغطية لأنها بالفعل لم تقم بأي فعل حتى في الجهد الشعبي في القدس. ولكن سؤال يحيرني لماذا هي بادرت إلى ذلك العام الماضي ولم تبادر هذا العام مع أن الصلف الإسرائيلي والتحدي كان أقوى بكثير؟ ما الذي يحرك حماس وما الذي لا يحركها؟ هل بالفعل يحركها ما هو وطني فلسطيني أو أن تحركاتها مرتبطة بأهداف أخرى؟
قبل الإجابة لا بد من الإشارة إلى أن إسرائيل لا يهمها تضخيم حماس لنفسها ولا لبطولاتها، بل هي تساعدها في ذلك، فالمهم والاستراتيجي بالنسبة لإسرائيل هو أن يستمر الانقسام وتقطيع أوصال جغرافيا الدولة الفلسطينية وأن يتعمق هذا الانقسام، وتكون هي من يتحكم في إيقاع المساومات. كلتاهما إسرائيل وحماس تتماهيان في هذه اللعبة، فأصحاب القرار في تل أبيب بحاجة إلى فزّاعة للداخل الإسرائيلي وللعالم، وهم كحماس بحاجة كل ثلاث إلى أربع سنوات إلى اشتباك، كلتاهما تجني الفوائد التي تريدها، ولكن لماذا لم تبادر حماس إلى الاشتباك هذا العام؟
لنبدأ من الراعي الأكبر للألعاب كلها واشنطن، فهي لا تريد أي اشتباك، أو أي ما يعكر تركيزها على الأزمة الأوكرانية، وصراعها مع الصين، بالإضافة إلى رغبتها بإطالة عمر حكومة بينيت وبالتالي أن تبرز هذه الحكومة بأنها تستطيع عمل ما لا يعمله غيرها من الحكومات سواء ما يتعلق بالقدس أو ما يتعلق بالبطش بالفلسطينيين. ومن ثم الرعاة الأقل شأننا، فإيران هي الأخرى ليست في وارد الذهاب لأي تحرك يزعج أميركا ما دام هناك أمل بتوقيع الاتفاق النووي والبدء برفع الحصار الاقتصادي عنها. أما ممولو حماس بالمال فهم أيضا راضون من انضباط حماس الصارم فكما هي حماس مقاول عندهم فهم بدورهم مقاولون لدى واشنطن، فما دام المعلم الأكبر يريد هدوءا وضبطا للنفس فالجميع ينضبط.
أما جماعة الإخوان المسلمين، والتي حماس فرعها في فلسطين، فهي معنية بتقديم نفسها إلى إدارة بايدن كجهة يعتمد عليها، باعتبارها من يمسك بخيوط اللعبة التي تقوم بها حماس. بالإضافة إلى ذلك فإن لدى الإخوان ما يكفيهم من مشاكل داخلية وفي المنطقة، فهم في حالة تقهقر، لكنهم لا يزالون مهمين لواشنطن في ليبيا وسورية واليمن وفي فلسطين حيث يقودون انشقاقا داخل أكثر القضايا أهمية في الشرق الأوسط ألا وهي القضية الفلسطينية، والأهم أنهم جنوا من المال ما يكفي بعد معركة "سيف القدس".
بالنسبة لإدارة بايدن هي معنية ألا يعود نتنياهو لسدة الحكم في إسرائيل، وخاصة قبل الانتخابات النصفية للكونغرس الأميركي في تشرين الثاني/ نوفمبر القادم. ومن أجل ذلك تريد أن يصب إيقاع الجميع السياسي لمصلحة هذا الهدف التكتيكي. كما لا بد أن نتذكر أن جماعة الإخوان، ممثلين بالحركة الإسلامية الجنوبية بزعامة منصور عباس هم جزء أساسي من ائتلاف حكومة بينيت والمهم بقاؤه لاستمرارها، فأي اشتباك مع قطاع غزة سيكون محرجا جدا لمنصور عباس ومن الصعب عليه الاستمرار في الائتلاف، وحماس تعي جيدا هذه المعادلة المطلوب الحفاظ عليها من واشنطن.
من دون شك ستحصل حماس على مكاسب غير معلنة من الإدارة الأميركية، جزء منها زيادة حصتها المالية التي تمر عبر إسرائيل. بالإضافة إلى تعزيز حكمها في قطاع غزة واستمراره.
الجميع كانوا متأكدين من أن حماس لن تبادر للاشتباك، أولهم واشنطن عبر وكلائها الإقليميين، الضامنين لحسن سير سلوك حماس، وحكومة بينيت التي نظمت وهي مطمئنة تماما أكبر مسيرة أعلام في تاريخها بمشاركة سبعين ألف يهودي متطرف. أما بالنسبة للشعب الفلسطيني الذي كان ينتظر أي عمل، فكانت حصته ألاعيب حماس الدعائية، قنابل حماس الدخانية أو الصوتية التي أعمت عيوننا وأصمت آذاننا. للولايات المتحدة وإسرائيل تقدم حماس كل الضمانات والتطمينات وللشعب الفلسطيني قنابل دخانية...هكذا تصرفت حماس خلال أزمة مسيرة الأعلام الإسرائيلية.