مستعمرات إسرائيلية جديدة بمباركة أمريكية
نشر بتاريخ: 2022-05-12 الساعة: 10:19بقلم:المحامي إبراهيم شعبان
في خبر مضحكٍ مبكٍ ومحزن، قبلت الولايات المتحدة الأمريكية عرضا إسرائيليا بإنقاص عدد الوحدات السكنية المنوي بنائها في المستعمرات الإسرائيلية في الضفة الغربية الفلسطينية المحتلة من ستة آلاف ونيف وحدة لأربعة آلاف وحدة سكنية فقط، في مقابل زيارة مخطط لها من الرئيس الأمريكي بايدن للمنطقة. يا سبحان الله، وكأن العدوان وجريمة الحرب المتمثلة بالمستعمرات الإسرائيلية سلعة في سوق النخاسة يمكن المساومة عليها والجدال بشأنها، وجعلها شرعية وقانونية إذا ما تم إنقاص عددها، حرصا وتذرعا بوجود حكومة يمينية متطرفة آيلة للسقوط أو زيادة في الفتات الأمريكي المالي كدعم للسلطة الفلسطينية أو مدعاة أن الفلسطينيين أطفال مراهقون. أي منطق هذا بل اية سوقية انحدرت إليها السياسة الأمريكية الخارجية حينما يتصل ذلك بالمستعمرات الإسرائيلية، متناسية مبادىء وقواعد تصفق لها وتزعم تطبيقها في النزاع الروسي الأوكراني.
منطق أمريكي براغماتي وجد من يصفق له ويهلل له من المتأمركين ، وكأن الأمريكيين المناصرين لأوكرانيا والأوكرانيين يقومون بخطوة صغيرة ملتبسة تجاه المنطقة بشقيها الفلسطيني والإسرائيلي منعا لازدواجية المعايير. لذا تم نشر الإشاعات عن زيارة محتملة لبايدن لشرقي القدس بدون أمن إسرائيلي أو زيارة لأحد المستشفيات العربية الفلسطينية في شرقي القدس كوسيلة ترضية صغيرة للفلسطينيين ليلوكوها ويفلسفوها وينعموا بها ويباركوا الزيارة . وكأن بايدن وفى بوعده الإنتخابي بعد عام ونصف في الرئاسة، بفتح القنصلية الأمريكية الواقعة في غربي القدس وتحديدا في منطقة مأمن الله وليس في شارع نابلس في القدس العربية أو سعى على الأقل لفتح جمعية الدراسات العربية الثقافية ومكتبتها المغلقتين لمدة عقدين ونيف أو أي موقع فلسطيني مثل الغرفة التجارية أو نادي الأسير أو مراكز الأبحاث. ناهيك أنه لم يحرك ساكنا تجاه قرار دونالد ترامب سابقه بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والإعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل ولا حى توضيح لهذه الخطوة غير الشرعية وغير القانونية وكأنها قدر محتوم رغم خرقها للقانون الدولي.
للأسف نسيت وزارة الخارجية الأمريكية والبيت الأبيض قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 181 لعام 1947 الخاص بتقسيم فلسطين وتدويل القدس والذي ايدته بقوة. ونسيت أو تناست قرار مجلس الأمن رقم 252 لعام 1968 الذي لم تعارضه الولايات المتحدة بل امتنعت عن التصويت عليه والقاضي بإبطال جميع الإجراءات الإسرائيلية الإدارية والتشريعية والعملية شرقي القدس التي قامت بها السلطة المحتلة الإسرائيلية.وكذلك قرارمجلس الأمن رقم 267 لعام 1969 الذي اتخذ بإجماع أعضائه الخمسة عشر بما فيهم الولايات المتحدة الأمريكية والقاضي بتأييد القرار رقم 252. وأخيرا وليس آخرا قرار مجلس الأمن رقم 2334 الصادر عام 2016 الذي رأى في المستعمرات الإسرائيلية في القدس الشرقية المحتلة أو الضفة الغربية المحتلة انتهاكا خطيرا للقانون الدولي ودعا إلى وقف الفوري، وهو قرار صدر أيام وجود بايدن في السلطة التنفيذية الأمريكية كنائب للرئيس أوباما. وتجاهلت الإدارة الأمريكية المحكمة الجنائية الدولية وتحقيقاتها بشأن الجرائم الإسرائيلية المرتكبة في الأراضي الفلسطينية المحتلة وتثاقلها بينما تحث المدعي العام كريم خان على فتح تحقيق في الجرائم الروسية المزعومة على الأراضي الأوكرانية. وكيف تدعو الإدارة الأمريكية إلى حل يقوم على أساس الدولتين، وفي الوقت ذاته تغض الطرف عن المستعمرات الإسرائيلية التي تقضم الأرض الفلسطينية وتشكل جريمة حرب؟! كيف يستقيم هذا الأمر من الجانب الأمريكي مع حول عدد الوحدات السكنية في المستعمرات الإسرائيلية، أو ليس هذ جدلا بيزنطيا عقيما؟!
هذه السياسة الأمريكية البراغماتية المستندة إلى الفلسفة البراغماتية والتي تقوم على إدارة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وليس على حله، هي سياسة معروفة وقديمة عمرها سبعون عاما ونيف ولن تتغير رغم تضحيات الشعب الفلسطيني . وزيارة بايدن سبقتها زيارات أمريكية على جميع المستويات كثيرة خلال العقود السبعة السابقة، لم تنتج سوى دعما وقوة للعدوان الإسرائيلي على حقوق الشعب الفلسطيني الأزلية والثابتة المقررة بموجب قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة وبخاصة حقه في تقرير المصير. ونحن لا نتوقع من رئيس ضعيف مثل بايدن أن يقوم بخطوات جوهرية ثورية.
رب من يقول أن هذه وجهة نظر سوداوية لرجل أمريكا الأول الذي يحاول أن يقدم حلا عادلا للقضية الفلسطينية من خلال زيارته للأراضي المقدسة. وحتى نثبت أن وجهة نظرنا تفاؤلية وليست سوداوية، وحتى لا نتهم بأن المؤمن لا يلدغ من جحر واحد مرتين، ولما كنا قد لدغنا من الجحر الأمريكي عشرات المرات، إلا أننا نقترح اقتراحات محددة على الإدارة الأمريكية للتدليل على حسن نواياها تجاه الفلسطينيين تحت الإحتلال الإسرائيلي وأنها تتعامل بجدية ورصانة مع القضية.
رغم أهمية قضايا فلسطينية كثيرة كالأسرى والبلدية وهدم المنازل والتنظيم ورخص البناء وتطبيق قانون الطوارىء ولم الشمل للأمريكيين وتسجيل أطفالهم وسحب هوياتهم ومراكز الأبحاث وحيويتها، إلا أننا نقترح موضوعين محقين بعيدين عن السياسة، ولكنهما اختبار حقيقي للنوايا الأمريكية التي تتشدق بحقوق الإنسان والحريات على اختلاف أنواعها، لنرى مدى صدق النوايا الأمريكية لحل القضايا العالقة وأنها لا تتحدث في مواضيع إنشائية ليس إلا أو شعارات أو أدبيات وصف حكي كما يقال.
الموضوع الأول يتعلق بالمسجد الأقصى المبارك، ومنع قوات الأمن الإسرائيلية على اختلاف مسمياتها من الدخول لساحات المسجد الأقصى المبارك ولوواينه ومصاطبه ولقبة الصخرة المشرفة ولكل ال 144 دونما مهما حصل من أحداث، وترك الأمور لحراس دائرة الأوقاف الإسلامية يتولون شئونه وأشجانه، فقد ثبت بالفعل أن وجود أجهزة الأمن الإسرائيلية هي السبب الرئيس لانتفاء الأمن في هذا المكان المقدس. يحدونا الأمل في هذا الطلب أنه يتفق مع الوضع القائم ( الستاتوس كو ) الذي يجب مراعاته دون مناقشة موضوع السيادة كما فعلت اتفاقيات جنيف لعام 1949، وأنه يطبق في مؤسسات أخرى تحترم نفسها كالجامعات.
الموضوع الثاني يتعلق بجمعية الدراسات العربية والتي هي جمعية علمية ثقافية مسجلة في القدس منذ الثمانينيات، ومكتبتها القيمة المغلقة منذ أكثر من عقدين من الزمان، بل رفضت السلطات الإسرائيلية المحتلة فتحها مؤقتا لترميمها وتهويتها وتنظيفها جراء إغلاقها سنينا طويلة تحت ذرائع وحجج مزعومة. فجمعية الدراسات العربية ليست بيت الشرق والعكس غير صحيح البتة لكنه حكم القراقوش.
يبدو أن الإدارة الأمريكية تراهن على بساطة العقلية الفلسطينية أو بالأحرى طيبتها، وقدرتها على النسيان، والضعف العام، ومساحيق التجميل الأمريكية. هذا الأمر غير صحيح البتة، وهذا الوهن إلى زوال. صحيح أن الروح تواقة والجسد ضعيف، ونحن بحاجة إلى وحدة فلسطينية شاملة، ولكننا هنا في القدس شعب حي بكل فئاته أثبت وحدة فعلية، وتضامنا إجتماعيا، لم تدركه قوى كثيرة ولم تفلّه قوات أمن كبيرة، وما زال يقاوم، وكما يقال الديون المعجلة تطيل عمر الصداقة فليسدد الأمريكيون بعضا من ديننا!!!