الرئيسة/  مقالات وتحليلات

لماذا منظمة التحرير الفلسطينية؟

نشر بتاريخ: 2022-05-11 الساعة: 17:45


عبد الغني سلامة

منظمة التحرير الفلسطينية ليست فصيلاً ولا حزباً، ولا هي مجرد يافطة، ولا هي الوجه الآخر لحركة "فتح"، وهي ليست عنواناً للنظام السياسي القائم الآن، والمرتبط بأذهان العامة بالفساد والتنسيق الأمني.
هي الكيان السياسي للشعب الفلسطيني، والممثل الشرعي والوحيد له، والمتحدثة باسمه، هي الوطن المعنوي لكل الفلسطينيين، في الوطن والمنافي، وهي التجسيد الحي للوطنية الفلسطينية.. وهي الإنجاز الأهم والأبرز للشعب الفلسطيني في تاريخ الصراع العربي الصهيوني.. وهذه ليست مجرد شعارات، ولا ادعاءات.. تلك حقائق موضوعية، وقبل ذلك هي ضرورة وطنية.
وحاجة الشعب الفلسطيني لمنظمة التحرير ليست من باب الترف الفكري، ولا تأتي في سياق المناكفات الحزبية؛ بل لأنها تعبّر عن الكيانية السياسية للفلسطينيين، وتمثيلهم في المحافل الدولية، ولأنها تجسّد الهوية الوطنية الجامعة.  
ومسألة إبراز وتجسيد الهوية الوطنية والكيانية السياسية للفلسطينيين مسألة في غاية الأهمية، لأنها تمثل النقيض المركزي للكيان الإسرائيلي، ولمواجهة المشروع الصهيوني الذي جاء ليمحق ويزيل ويغيّب الشعب الفلسطيني عن الوجود، وينفيه من التاريخ، ويخرجه من الجغرافيا، ويقصيه من عالم السياسة.. وتلك أهم ضرورات نجاح هذا المشروع الإمبريالي، ودون تحقيقها بالكامل سيظل هذا الكيان في حالة حرب دائمة، وغير مستقر، ويتعرض لتهديد وجودي.. ببساطة، لأن التناقض الفلسطيني الإسرائيلي تناقض مركزي/ وجودي/ صفري لا يحل ولا ينتهي إلا إذا حقق أحد طرفي الصراع نصره الكاسح والنهائي.. وطالما الشعب موجود بهويته السياسية يظل الصراع قائماً ومحتدماً.
وغياب منظمة التحرير يعني غياب الشخصية الوطنية والكيانية السياسية للشعب الفلسطيني.. وبالتالي تتفتت هويته الجامعة، فتفقد القضية الفلسطينية بُعدها السياسي، وتصبح مجرد قضية لاجئين. وقضايا اللاجئين تحل بالمخيمات والمؤن وتقديم الإغاثة الإنسانية..
وتغييب منظمة التحرير سيؤدي إلى تحويل الصراع من كونه سياسياً وطنياً إلى مجرد مطالبات إنسانية لإحراز ظروف معيشية أفضل.. والحل في مثل هذه الحالة يسمى السلام الاقتصادي.
وتغييب منظمة التحرير يعني تقويض الصفة السياسية للشعب الفلسطيني، فيصبح الفلسطينيون من الناحية القانونية والواقعية مجرد سكان وأقليات تعيش ضمن دولة مستقلة ذات سيادة ومعترف بها عالمياً (إسرائيل)، والسقف الأعلى لنضال "السكان" مطالباتهم بتوفير الخدمات البلدية.. أما الفلسطينيون في الشتات فسيكونون مجرد لاجئين وجاليات معزولة تعيش في الدول التي لجؤوا إليها.. وتصبح أهدافهم شخصية لحياة أفضل، أو مجرد أصوات تنادي بوطن مفقود، وحلم طوباوي بالعودة.. وبالتالي يتغير شكل الصراع، ويفقد الفلسطينيون الحق بتقرير المصير، والحق بدولة مستقلة، والحق بالاستقلال، والحرية، والتخلص من الاحتلال، والحق بالعودة.. لأن هذه الحقوق حقوقٌ سياسية لا تُعطى إلا لشعب (له كيان سياسي وتمثيل شرعي معترف به)، ولا تعطى لسكان ولاجئين.
وبغياب منظمة التحرير وتفتيت الهوية الوطنية الفلسطينية يتحول الفلسطينيون إلى عشائر وقبائل، منتهى طموحها، وغايتها الأسمى والأهم: تحجيب النساء، ومحاربة اتفاقية سيداو، والمشاركة في الجاهات والعطوات.
تفتيت الهوية الوطنية يعني دخول الفلسطينيين في صراعات داخلية، وقبلية، ومناطقية، ستؤدي إلى حرب أهلية (ونحن لسنا استثناء عن بقية الشعوب) وهذا السيناريو مدرج في أروقة الإدارة المدنية، وهو من ضمن الخطط الكثيرة والمعدة بعناية، والتي تنتظر اللحظة المناسبة، والتي ستنتهي بإقامة إمارة مستقلة في كل محافظة.. وما سيناريو الانقسام وانفصال قطاع غزة إلا مقدمة لما هو أعظم.. وهو مثال واضح للعيان ولا يحتاج فلسفة.
إنهاء منظمة التحرير، أو حل السلطة (التجسيد الواقعي للمنظمة) يعني عدم وجود ممثل للشعب الفلسطيني، وهذه الفرصة التاريخية التي تريدها إسرائيل لتحقيق الحل الأمثل من وجهة نظرها، وهو ملء الضفة الغربية بالمستوطنات وضمها، وتهويد القدس، ومصادرة الأراضي، وتهجير الفلسطينيين قسرياً وطوعياً، وحصر من تبقى منهم في كانتونات معزولة، وإنهاء الصراع من خلال اتفاق سياسي إقليمي برعاية دولية (وأميركية)، وبمشاركة دول المنطقة، دون منح الفلسطينيين أي حقوق سياسية.
وأكبر واهم ومخادع لنفسه من يظن أن حل السلطة، أو تغييب منظمة التحرير، يعني إطلاق يد الشعب لتصعيد المقاومة، تلك مجرد أمنيات ساذجة.. لأن المقاومة دون مشروع سياسي، ودون تمثيل شرعي وقيادة وطنية معترف بها عالمياً، تعني إعطاء الفرصة لإسرائيل لسحق (السكان المشاغبين) وارتكاب المجازر، وإيجاد الظروف الملائمة لتنفيذ مخططات الترانسفير.. وبالمناسبة، حرب أوكرانيا توفر ظروفاً ملائمة لترانسفير جماعي، وما تحتاجه إسرائيل فقط إشعال حرب، مع إيران مثلاً.
الكفاح المسلح بصيغته التقليدية لم يعد ممكناً.. وتلك بديهية لا ينكرها إلا المغامرون والهواة.. المقاومة الشعبية، والنضال السياسي والدبلوماسي والقانوني والإعلامي هي البديل، لكنها لا يمكن أن تتحقق في حال تفتيت الهوية الوطنية، ودون مشروع وطني جامع ومتفق عليه.. لأن الغياب السياسي وغياب التمثيل الشرعي يعنيان توفر الظروف للفوضى الأمنية، واحتدام الصراعات الداخلية.
 

mat
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024