فلسطين الوطن والوقف التاريخي والطبيعي للشعب الفلسطيني
نشر بتاريخ: 2022-04-25 الساعة: 14:04
موفق مطر
نفهم ونتفهم امتلاك مؤسسات ذات صبغة دينية خاصة أو حكومية لعقارات وأراض تسمى حسب النظم والقوانين (الوقف) وذلك للحفاظ على الرموز الدينية المقدسة، وغيرها المرتبطة بمناسك المؤمنين، ولتنمية موارد المؤسسات بما يعود بالفائدة على المجتمع وتحديدا الفقراء ماديا واقتصاديا وعلميا وثقافيا، والمساهمة في تنمية مستدامة في بلاد المؤسسات الدينية، وهذا عمل نبيل ما دام يحقق أهدافا انسانية واضحة لا خلاف بين عاقلين عليها، أما قول مستخدمي دين الاسلام لتحقيق سلطان مادي دنيوي، ووضع اليد على السلطة السياسية واستملاكها وتوريثها (لجماعتهم) بأن أرض فلسطين الجغرافية، الوطن التاريخي والطبيعي للشعب الفلسطيني منذ فجر التاريخ هي (وقف إسلامي) فهذا ضرب من الدجل والتضليل المقصود لا يصب إلا في مصلحة المنظومة الصهيونية التي أنكرت وجود الشعب الفلسطيني على أرض وطنه فلسطين، واستخدمت (التعاليم اليهودية) لترويج أكبر كذبة في تاريخ البشرية بأن فلسطين هي أرض اليهود الموعودة، حيث جسدتها اليوم بما يسمى (قانون القومية) الصادر عن الكنيست، وبإصرار المنظومة على أن نعترف نحن أصحاب الأرض الأصليين بان اسرائيل المنشأة على أرض فلسطين التاريخية "دولة يهودية"، كما يعتبر تزويرا وتحريفا لمعنى (الوقف الاسلامي) الحقيقي، القصد منه اختلاق الارهاصات والمبررات لمساعي (الجماعات الاسلاموية) في التمكن من التحكم بمصير الشعب الفلسطيني حاضرا ومستقبلا.
ما سمعناه وما شاهدناه في الأيام الأخيرة من أقوال ومواقف وروايات مزيفة في سياق مقولة: "فلسطين أرض وقف اسلامي" من بعض رؤوس هذه الجماعات بثت على شاشات فضائيات أنشئت خصيصا لمنع حركة التحرر الوطنية الفلسطينية من تحقيق أهدافها بتجسيد المشروع الوطني، وتوفير خدمة دعائية مجانية عميقة التأثير لمنظومة الاحتلال الاستيطانية العنصرية، حتى دارت جهارا في فلك المنظومة الصهيونية العالمية والناطقة بالضاد أيضا، فهؤلاء يدخلون بيوت الناس البسطاء ويضللونهم بأقوال ومظاهر ومصطلحات تبدو دينية، لكنها في الحقيقة كارثة حقيقية على ثقافة وعقيدة الانسان الفلسطيني والعربي الروحية والوطنية والقومية.
إن ايماننا بتعاقب الحضارات على ارض فلسطين، وبالحقائق التاريخية القائمة على أرض وطننا فلسطين، وفخرنا أن بلادنا كانت وما زالت ملتقى المؤمنين من العالم لما زخرت به من مقدسات لأتباع العقائد السماوية، يدفعنا أكثر لتأكيد مبادئ حركة التحرر الوطنية الفلسطينية، وجوهرها أن انتزاع الحق الفلسطيني من براثن منظومة الصهيونية الاستعمارية العنصرية واجب على كل المؤمنين في العالم، لأننا ندرك قيمة أرض وطننا فلسطين عموما والقدس خصوصا التي قدر لها أن تكون المقدسات فيها ككنيسة المهد والقيامة والحرم الابراهيمي والمسجد الأقصى جزءا لا يتجزأ من عقيدة المؤمنين المسيحيين والمسلمين، وكذلك جبل جرزيم في نابلس عند السامريين.
فرق شاسع يصل الى حد النقيض بين القول إن فلسطين ارض مقدسة، وبين القول إنها وقف اسلامي، فالقول بأنها (وقف اسلامي) سيفسر- شئنا أم أبينا- عن أنها ملك لدول المسلمين في العالم، وليست ملكا للشعب الفلسطيني، وأكثر من ذلك سيكون هذا القول حجة في افواه الصهاينة المستوطنين المحتلين العنصريين، عندما سيقولون يوما: مادامت دول اسلامية كثيرة الكبرى منها والصغرى على حد سواء، ومنها دولة كانت امبراطورية ومركز الخلافة تعترف بإسرائيل، ولدينا علاقات على مستوى سياسي وأمني واقتصادي عال ووثيق مع معظم الدول الاسلامية، فهذا يعني بالنتيجة أن لا حق لكم يا شعب فلسطين في القول إن فلسطين أرض وطنكم التاريخي، فهذه الدول اعترفت بحقنا في امتلاك ما نشاء منها، وأكثر من ذلك فقد دفعنا لحكامها أثمان هذه الأرض! وليس عليكم إلا الهجرة الى أراضي الدول الاسلامية الواسعة، وسيستغل الصهاينة دعاية الجماعات والتنظيمات والفصائل الاسلاموية حول الوطن وحدوده الجغرافية، ورفضهم مبدأ الانتماء الوطني ورمزية علم الوطن، ومساعيهم لتفكيك مقومات الشخصية والهوية الوطنية الفلسطينية، ليثبتوا ويؤكدوا للعالم روايتهم المتخيلة، بأن السكان غير اليهود الموجودين على أرض فلسطين، قد جاءوا من بلاد اسلامية بعيدة وما عليهم إلا العودة اليها، وترك أرض الميعاد (اسرائيل) لليهود!
ليس بريئا ولا مصادفة بروز هذه الأقوال بقوة على نطاق واسع مع تصاعد وتيرة تطرف وإرهاب منظومة الاحتلال، ومحاولاتها تهويد فلسطين أرضا ومقدسات، والذهاب لأبعد من ذلك حتى الوصول الى تهويد الرواية الفلسطينية، وإطلاق العنان وفسح المجالات لجماعات إسلاموية لتحقيق هذا الهدف، فلنفكر جيدا بكل كلمة ينطقها هؤلاء قبل أخذها كمسلمات، ونقدر تساوقها اللحظي مع رواية الغزاة.
mat