الرئيسة/  مقالات وتحليلات

سبت النور في القدس... قبلة المسيحيين في العالم أجمع

نشر بتاريخ: 2022-04-25 الساعة: 13:38

 

بقلم الأب إبراهيم فلتس الفرنسيسكاني

 

حشود البشر الزاحفة والمجتمعة حول القبر المقدس، حاملة الشموع بانتظار ان تشتعل بوهج النار المقدسة المنبثقة من القبر الفارغ، منهم من يهتف، ومنهم من يتجول بنظره، ومنهم من يغلق عينيه مصليا متضرعا. حشود بالآلاف تحضر، وخلفها حشود بالملايين في الداخل وحول العالم تشاهد وتنتظر وتصلي وتتضرع الى الله. إنه الحدث السنوي البهيج الذي دأبت على متابعته منذ نلت حظوة تعلم اللاهوت في القدس في العام ١٩٨٩ ومن ثمّ الالتحاق بخدمة حراسة الأرض المقدسة في القدس وسائر الأرض المقدسة، منذ ذلك الحين وأنا أتابع سنوياً الاحتفال البهيج بالنور المقدّس في كنيسة القيامة في القدس.
عشرات الآلاف من المؤمنين المقدسيين، ومسيحيين من مختلف أقطار المعمورة، كانوا يتوافدون سنوياً إلى كنيسة القيامة للاحتفال برتبة فيض النور من القبر الفارغ دون حواجز أو أية عوائق، ولم نسمع يوماً عن حادثة أو إصابات. حج داخلي وخارجي متمثل بحشود المقدسيين والحجاج الأجانب المجتمعين بحرية في كنيسة القيامة وساحاتها الخارجية وسطح كنيسة القيامة وغيرها من الأسطح المجاورة، لمتابعة الحدث الأكثر أهمية في الطقوس الليتورجية والاحتفالات المسيحية.

فيض النور في كنيسة القيامة هو حدث عالمي يتابعه المسيحيون من مختلف الكنائس، لا في ربوع فلسطين وحسب، بل وفي مختلف البلدان، حيث تستعد الطائرات لتحمل النور المنبثق من القبر الفارغ، قبر الخلاص، إلى مختلف الكنائس في العالم لتبدأ مساء ذلك اليوم احتفالاتها بذكرى قيامة يسوع من الموت، تماما كما تفعل سائر مدن وبلدات وقرى فلسطين التي تستقبل النور المقدس من القبر الفارغ باحتفالات مهيبة وعروض للكشافة، لتطلق بدورها احتفالات ذكرى قيامة الرب في مختلف الكنائس.

ولكن... لماذا اختلفت الأمور هذا العام؟ ما الذي يحدث في القدس اليوم؟ ولماذا هذا العدد الضخم من الحواجز العسكرية وزيادة تدخل عناصر الشرطة في أحداث وفعاليات هذا اليوم المقدس؟ ولماذا تقييد حرية العبادة ومنع المصلّين من الوصول إلى كنيسة القيامة؟

إنّ إعلان السلطات الإسرائيلية السماح لألف مسيحي فقط بالدخول إلى الكنيسة، لهو سابقة خطيرة ومرفوضة تماما. ولقد أصاب غبطة البطريرك ثيوفيلوس الثالث، بطريرك القدس للروم الأرثوذكس، بالاعتراض على هذا القرار. كذلك أيضا التوجه الى المحكمة التي اوصت بدخول ٤٠٠٠ مسيحي هو أيضاً قرار مرفوض جملة وتفصيلا.
إن أي محاولة للتدخل وتحديد أعداد المشاركين في الصلوات والطقوس في كنيسة القيامة، مرفوض رفضا تاما قطعيا وباتا من قبل الكنائس الثلاث المسؤولة عنها. يجب علينا كمسيحيين، أبناء القيامة والقدس، أن نرفض أي إجراء يحدّ من حرية الحركة والدخول إلى أماكننا المقدسة، بما في ذلك مسألة توزيع الأساور للمسموح دخولهم. نحن نطالب بحقنا في حرية العبادة والدخول إلى أماكننا المقدسة وكنائسنا دون أي تدخل من أي نوع كان، ولجميع من يرغب في الدخول.

فلننظر الى الأمور بواقعية تحليلية، مع تأكيد الرفض القاطع لمبدأ التدخل وتقييد حركة الوصول الى الأماكن الدينية بشكل عام: كيف يمكن أن نكتفي بأربعة آلاف أو عشرة آلاف مصلٍّ؟ لقد حصل حوالي ألفي مصري قبطي علي تأشيرة دخول للحج إلى القدس. وعندما نسأل أي حاج قبطي أو أي حاج مسيحي أجنبي، ما هو برنامجك وماذا ستفعل في القدس، جميعهم بدون استثناء سيجيبون: زيارة كنيسة القيامة والاحتفال برتبة فيض النور. فإذا كان عدد الحجاج المصريين ٢٠٠٠، وعدد المسيحيين المحليين بالآلاف، بالإضافة الى المسيحيين الأرثوذكس من اليونان ودول أوروبا الشرقية، فبأي منطق يتم تحديد عدد الدخول بألف أو أربعة آلاف؟هذا منافٍ تماماً لحرية العبادة بشكل عام، ومنافٍ للمنطق بشكل خاص.

لا يمكن ولا يجب السكوت أمام تدخل الشرطة الإسرائيلية المتزايد باحتفالات سبت النور المقدس، ومضايقة المسيحيين المحليين، والرهبان والكهنة، والحجاج الأجانب دون مراعاة لكرامة الإنسان وحقّه الطبيعي بممارسة طقوسه وصلواته دون عائق أو حاجز.لا يمكن السكوت على الاعتداء بالضرب على الحجاج وعلى المسيحيين المقدسيين وعلى الإكليروس، ونعتبر تلك التصرفات مؤشرا خطيرا ينذر بالسوء، فهي تصرفات تتجاوز فكرة تنفيذ الأوامر -المرفوضة أصلا من طرفنا. نرفض رفضا قاطعا فكرة التمييز بين الحجاج الأجانب والمواطنين المقدسيين خصوصا والفلسطينيين عموما، أصحاب المكان الأصليين، حماة القيامة وابناؤها، الذين حملوا ويحملون القدس بما، وبمن فيها، في وجدانهم وفي قلوبهم. القدس والقيامة، حيث اكتمل وتم مخطط الفداء والخلاص لجميع البشر، فمن هنا انطلق العهد الجديد للعالم.

لهذا فإننا نعلن وبأعلى الصوت، استنكارنا الشديد لاستمرار هذه الممارسات المجحفة بحق المسيحيين المشاركين في شعائرهم وطقوسهم المقدّسة في أقدس الأماكن المسيحية على وجه المعمورة، وهي كنيسة القيامة. إننا ندعو الدول التي أرسلت طائرات خاصة خلال جائحة كورونا لتنقل النور المقدّس إلى كنائس بلدانها تضامنا مع القدس في الجائحة، أن تلتفت اليوم إلى القدس ومعاناة أهلها من مسيحيين ومسلمين، فاليوم كان سبت النور، وقبله كانت الجمعة الثالثة من رمضان، والاعتداءات الصارخة على أماكنهم المقدّسة تستفحل بدون حسيب ولا رقيب. كما وندعو الدول الصديقة والحكومات إلى اتّخاذ كافة الإجراءات للضغط من أجل إنهاء هذه المعاناة مرّة واحدة وإلى الأبد.

mat
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024