الرئيسة/  مقالات وتحليلات

"حماية المبلغين والشهود ماهية الحماية، والالتزامات المترتبة عليها، وأثر خرقها"

نشر بتاريخ: 2022-04-19 الساعة: 16:01

 

محمود الأعرج *


لم يكن مفهوم حماية المبلغين والشهود كمصطلح وليد اللحظة، بل ان موضوع حماية المبلغين والشهود نال أهمية بالغة منذ انشاء الهيئة في العام 2010.

والتي عملت جاهدة على توفير الحماية للمبلغين والشهود في قضايا الفساد، انسجاماً واحكام قانون مكافحة الفساد التي فرضت واجباً يعاقب عليه القانون في حال مخالفته، وهو العلم بوجود شبهات فساد وعدم ابلاغ الهيئة بها، او حال رفض تقديم الشهادة( )، الا ان موضوع حماية المبلغين والشهود كان يتسم بصفة التعقيد وعدم الوضوح وذلك في ظل عدم وجود نصوص قانونية تنظم عملية الحماية للمبلغين والشهود، وترك موضوع حماية المبلغين والشهود متعلق بنص عام ضمن نصوص قانون مكافحة الفساد رقم 1 لسنة 2005 وتعديلاته.

وعلى اثر ذلك ومع وجود الحاجة الملحة سعت هيئة مكافحة الفساد جاهدة في عدة محاولات الى اقتراح نظام حماية المبلغين والشهود، بما ينظم موضوع توفير الحماية لهم، ويخرجه من إطار النص العام الى نصوص خاصة، تعمل على توضيح اليات الحماية وشروطها وأسباب انقضائها الى ان تم اقرار نظام حماية المبلغين والشهود رقم 7 لسنة 2019 بتاريخ 07/10/2019، من قبل مجلس الوزراء، وتم نشره في الجريدة الرسمية( )، والذي جعل من موضوع حماية المبلغين والشهود واضح ومحدد.

شروط منح الحماية للمبلغين والشهود

لقد بين نظام حماية المبلغين والشهود رقم 7 لسنة 2019، شروط منح الحماية وذلك على النحو التالي:

أولاً: انطباق الصفة

يعتبر انطباق الصفة على طالب الحماية أحد الشروط الأساسية في منح الحماية، حيث نصت المادة الأولى في النظام على ان طالب الحماية يجب ان يكون مبلغ او شاهداً او مخبراً او خبيراً او من أقاربهم اوالأشخاص وثيقي الصلة بهم، في ملف شبهات فساد منظور امام الهيئة او أي من الجهات المختصة وان لم تنطبق هذه الصفات على طالب الحماية، فان الامر يتحول الى جهة اختصاص أخرى لا علاقة للهيئة بها.

وتجدر الإشارة إلى أن الجهات المختصة هنا تتمثل في الجهات صاحبة الصلاحية في تلقي الشكاوى والبلاغات بخصوص شبهات الفساد، مثل ديوان الرقابة المالية والإدارية، ووزارة الحكم المحلي، والنيابة العامة، والشرطة والتي بدورها تحيل الملف الى الهيئة لمتابعته والتحقق من ارتكاب شبهات الفساد.

ثانياً: وجود ضرر واقع او محتمل الوقوع

حتى يتحقق شرط منح الحماية لا بد من وجود ضرر واقع او محتمل الوقوع على المبلغ او الشاهد، وان يكون الضرر حقيقياً وذلك على إثر حضوره للهيئة، وتقديم معلومات في ملف شبهات فساد منظورَ امام الهيئة او أحد الجهات المختصة.

ثالثاً: قيام العلاقة السببية بين الضرر والحضور للهيئة

وجود العلاقة السببية بين الضرر الحقيقي والحضور للهيئة، ولولا ذلك لما تعرض لهذا الضرر او التهديد، مما يستلزم معه توفير الحماية لهذا المبلغ او الشاهد من الضرر الذي قام على خلفية حضوره وتقديم المعلومات التي بحوزته.

رابعاً: حُسن النية

يجب على طالب الحماية ان يكون حسن النية لدى طلبه الحماية من الهيئة، وان لا تكون له اهداف ومساع شخصية من التحصل على الحماية، حيث ان المشرع الفلسطيني اعتمد مبدأ حسن النية كمبدأ عام وان لا يكون الضرر الذي يتعرض له على خلفية مشاكل سابقة على حضوره للهيئة، ويرتبط حسن النية بالأخلاق التي تعد جزءاً لا یتجزأ من قواعد التشريعات وجعلت حسن النية إطارا عاما لكافة التصرفات والإجراءات القانونية.

الالتزامات التي تترتب على طالب الحماية بموجب قرار منح الحماية

بمجرد صدور قرار الحماية يترتب على المشمول بقرار منح الحماية التقيد بمجموعة من الالتزامات التي فرضها عليه القانون وعدم تجاوزها ومخالفتها وان التزام المشمول بقرار الحماية بها يؤدي الى تعزيز عملية حماية المبلغين والشهود، امام الجهات المطلوب منها الحماية حيث ان التزامه بهذه الواجبات المفروضة عليه قانوناً وعدم خرقها هو حجة في وجه الطرف الاخر ومعزز لموقف الهيئة في الدفاع عن الأشخاص ممنوحي الحماية، وتتمثل في:

1-      الالتزام بمدونة السلوك رقم 4 لسنة 2020.

يتمثل ذلك من خلال التزام الموظف بمدونة السلوك والالتزام بها، حيث إن جل ما تسعى له المدونة هو أن يأتي أداء الموظف العام في إطار منظومة من القيم والمبادئ الأخلاقية التي تحكم السلوك المهني والوظيفي لتضبط حركة وإيقاع الأداء الحكومي، وبما ينعكس إيجاباً على الفرد نفسه وعلى المجتمع.

2-      الالتزام بالتسلسل الإداري وتنفيذ ما يطلب منه وفق القانون.

يجب على الشخص الممنوح الحماية الالتزام بالتسلسل الاداري، حيث نشير هنا الى ان الموظف الحاصل على الحماية يكون تحت مراقبة إدارية كاملة ويتم انتظار مخالفة واحدة حتى يتم التذرع بها من اجل اتخاذ قرارات إدارية بحقه على أثر عدم الالتزام بما يطلب منه الا ان خلفية اتخاذ القرار غير قانونية وتتم على خلفية حضوره للهيئة ولكن الشكل الخارجي لاتخاذ القرار قانوني ويضعف من موقف الهيئة في الدفاع عن المبلغ.

3-      الالتزام بالقوانين ذات العلاقة.

يجب على الشخص ممنوح الحماية الالتزام بما ينص عليه قانون الخدمة المدنية رقم 4 لسنة 1998 وتعديلاته، والأنظمة واللوائح الصادرة عنه، وعدم مخالفته إذا كان موظف عام، حيث ان هذا القانون هو الذي ينظم شؤون الوظيفة العامة بما فيها الالتزام بواجباته الوظيفية وفق القانون، كما وينبغي على موظفي الهيئات المحلية الالتزام بنظام موظفي الهيئات المحلية رقم 1 لسنة 2009 وتعديلاته، والعاملين في الجهات الأخرى الالتزام في القوانين ذات العلاقة.

4-      الالتزام بالسرية.

تتمثل السرية في عدم الخروج على وسائل الاعلام وعدم نشر أي معلومات على مواقع التواصل الاجتماعي او أي جهة كانت، والحديث به وإفشاءه، بخصوص الملف الذي تم تقديمه للهيئة او تمت الشهادة فيه وذلك لطابع السرية الذي ينطوي على الملفات المنظورة امام الهيئة سواءً بخصوص شبهات فساد( ) او طلبات حماية( )، وان الخروج عن السرية المطلوبة يعرض الشاهد او المبلغ لاحتمالية المسائلة القانونية.

5-      الالتزام بأوقات الدوام الرسمي.

يجب على الموظف الممنوح الحماية الالتزام بأوقات الدوام الرسمي والالتزام بتقدم المغادرات والاجازات وتوثيقها حتى لا يتم اتخاذ أي قرار بحقه تصبح الهيئة غير قادرة عن منعه وذلك بسبب مخالفة الموظف للإجراءات المنصوص عليها في تقديم المغادرات والإجازات.

6-      الالتزام بالتعليمات الصادرة بموجب الحماية الممنوحة

يجب على طالب الحماية الالتزام بمضمون التعهد كون انه قد يشمل مجموعة تعليمات بحسب حالة كل طلب حيث ان كل تعهد يختلف عن الاخر بمضمون ما يجب على طالب الحماية اتباعه وذلك لتجنب وقوع أي ضرر على طالب الحماية، فعلى سبيل المثال، في مجال الحماية الشخصية، يتم توجيه تعليمات لطالب الحماية بعدم الاقتراب من مصدر الخطر، او ارتكاب افعال تؤدي الى استفزازه، وان مخالفة ذلك يعد اخلال بشروط استمرار الحماية والتعهد الموقع من قبله ويعرضه للضرر، كذلك في الحماية القانونية يمكن ان يشتمل التعهد على ضرورة التزام طالب الحماية بعد نشر أي معلومة من طرفه وان مخالفته لذلك يعرض للمساءلة القانونية، كذلك الحماية الوظيفية فقد يتضمن التعهد فيها مجموعة شروط تختلف عن الطلبات الأخرى والتي يجب عليه اتباعها.

الاخلال بقرار منح الحماية والآثار المترتبة على ذلك

الاخلال بالتعهد الموقع لا يأتي الا من قبل طالب الحماية نفسه ففي حال مخالفته لشروط الحماية الممنوحة له والتي استعرضناها سابقاً بشكل تفصيلي يعد المبلغ او الشاهد قد أخل بالتعهد الموقع من طرفه او في حال أخل في أحد الالتزامات المترتبة عليه بموجب هذا التعهد الموقع والتي استعرضناها مسبقاً وعليه فان أي مخالفة من طالب الحماية تقع في أي بند من هذه البنود يعتبر قد أخل بالتعهد الموقع من قبله.

أي ان مخالفة طالب الحماية لمدونة السلوك او قانون الخدمة المدنية لا يحول دون اتخاذ الإجراءات القانونية بحقة المترتبة على تلك المخالفة مع الإشارة الى انه لا يمكن للهيئة منع هذه الإجراءات كونها تم اتخاذها على أساس قانوني، وفي حال الخروج على الاعلام والنشر على مواقع التواصل الاجتماعي فانه لا يمكن للهيئة الدفاع عن المبلغ او الشاهد في هذه الحالة من اتخاذ الإجراءات بحقه وفق الأصول، مع الإشارة هنا الى انه من حق أي شخص ان يقيم دعوى الشتم والذم والتحقير بالرغم من ما قام بارتكابه وذلك كونه لا يجوز امتهان كرامة الانسان المكفولة في الدستور الفلسطيني.

وهنا لا يشترط ان يُحدث الاخلال بشروط الحماية ضرراً، ك الاخلال الواقع من طرف المتعهد في العقود العادية( )،حيث ان النتيجة الطبيعية حين وقوع الاخلال هي وقوع الضرر، بالإضافة إلى أن النظام لم يشترط الضرر.

الا انه في حال وقع الاخلال من قبل طالب الحماية يعد طالب الحماية قد أوقع الضرر بصرف النظر عن وقوعه فعلاً ام لا، حيث نشير هنا الا ان الضرر لن يعود الا على طالب الحماية.

وعليه ان الاثر المترتب على هذا الاخلال المرتكب من طرف طالب الحماية هو انقضاء الحماية الممنوحة من طرف الهيئة فور وقوع الاخلال وفق الأصول والقانون( ).

وعلى ضوء ذلك نوضح ان نصوص نظام حماية المبلغين والشهود رقم 7 لسنة 2019، وقانون مكافحة الفساد رقم 1 لسنة 2005 وتعديلاته، لم تشير الى توجيه أي تنبيه او انذار الى طالب الحماية حال مخالفة شروطها، بل ان الأثر المترتب على هذا الاخلال هو انقضاء الحماية وسقوطها فوراً.

---------

وحدة حماية المبلغين والشهود في هيئة مكافحة الفساد

mat
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024