الرئيسة/  مقالات وتحليلات

جامعة للفقراء الأغنياء

نشر بتاريخ: 2022-02-21 الساعة: 14:01

 

 موفق مطر


فقراء ماديا (ماليا) لكنهم أغنياء بالأفكار والقدرة على الإبداع والتميز، فقراء لا يملكون مقابل الدراسة الجامعية في تخصص ما، لكنهم يملكون ضمانة النجاح بامتياز، لا طاقة لهم على تحمل الأقساط الجامعية وتلبية متطلباتها الباهظة، لكنهم لم يكفوا يوما عن الاجتهاد والحفر في الصخر من أجل اكتساب لقمة عيش طاهرة، أكثرهم يفضل الصمت، لا يناشد، فهو مؤمن أن خلاصه من دائرة الفقر التي لم يخترها سيكون بيديه أولا، وأن مهمة المجتمع والحاكم تسهيل كسر طوق الفقر عنه وعن عائلته، فهذا الإنسان ابن الإنسان الفائض بالعزة والكرامة يأبى ارتداء ثوب المسكين المحتاج رغم علمه أنه قد يفي بالغرض. 

لا يحتاج الفقير (للكوبونات) صناديق الرز والعدس والزيت والمعكرونة وغيرها، بقدر حاجته إلى غذاء العقل، العلم والمعرفة، ولا يحتاج  لكتل من لحم الضأن أو العجل الأحمر نعزي بها أنفسنا في المناسبات والأعياد، وإنما لتكافل اجتماعي شعبي ورسمي ووعي عالي المستوى لحاجاته الأساسية كإنسان، (فلفة الفلافل) عند هذا الفقير يتناولها بعد محاضرة في مدرج محاضرات في الجامعة ألذ وأطيب بمليون مرة مما يعتقده أصحاب الملاحم الخطابية المنبرية، وأصحاب الملاحم السياسية والثقافية التقليدية، وكذلك الذين يغرقون مواقع التواصل الاجتماعي بدماء ذبائحهم، ويذلون أمهات وأطفالا أو عجائز بصور فوتوغرافية وكأن الله غافل عما يعملون!. 

نعم، بإمكاننا إنشاء جامعة للفقراء، ولا نقصد المبنى وإنما المعنى المبني على احترام حق هذا الإنسان الفقير بالتعلم العالي (الجامعة) والارتقاء، فليس الفقر قدر الذين يولدون فقراء، ولا غاية الفقراء المال على حساب نعمة الذكاء في تغيير واقع الحال، ليس في بيته ومحيطه وحسب، بل في عموم المجتمع والبلد. 

 تستطيع الحكومة وضع الأسس المتينة لهذه الجامعة، ويرفع الأغنياء الميسورون وأصحاب رؤوس الأموال والشركات ركائزها المادية، أما الأساتذة والمتخصصون فيرفعون ركائزها بانسجام مع مبدأ التطوع والالتزام بقيم التكافل والإيمان ببناء إنسان ومجتمع سليم ومسالم نساعد فيه  كل فرد على نيل  حقوقه، مساعدة واجبة، ليست صدقة ولا هي عطف وإنما عمل نبيل صالح  يعم خيره على الجميع. 

ماذا لو بدأنا بألف طالب تختارهم لجنة مؤتمنة تمثل القطاعات المساهمة وتضم باحثين اجتماعيين  ومتخصصين في تحديد التوجهات العلمية والإبداعية لدى الطالب الناشئ فعلا في بيئة عائلة كريمة فقيرة  متعففة، وتفرز اللجنة أصحاب المواهب العلمية والقدرات المتميزة وتوجههم نحو دراسة التخصص المناسب لإظهار قدراتهم وتجسيد ذكائهم وفق منهج علمي نظري وعملي ومتطلبات تحقيق الهدف. فنحن ما دمنا لا نستطيع تقديم التعليم مجانا في الجامعات فعلى الأقل نوفره للفقراء فعلا، الأغنياء بقدراتهم على التميز والإبداع  بالفعل. 

تحتاج الفكرة إلى من يتبناها ويؤسس لها على أنها عمل وطني وليست عملا خيريا، فلكل منهما مفاهيمه وأساليبه وأدواته النبيلة على حد سواء، فنحن بحاجة إلى تعزيز المجتمع بكفاءات علمية ومعرفية ومهنية  وثقافية كامنة لدى هؤلاء الطلبة الفقراء الأغنياء ..والأهم أننا نعزز السلم الأهلي عبر تحسين نظرة الشرائح الاجتماعية الإيجابية، ودمج الجميع في عملية بناء نحتاجها بالفعل لمقاومة التهديد الوجودي العنصري الصهيوني الاحتلالي الإسرائيلي الهادف إلى تحويلنا إلى أياد عاملة فقط في مزارعه ومصانعه ومنشآته.   

mat
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024