شباب المخيمات.. سيف الاحتلال ومكابدة الواقع المعيشي
نشر بتاريخ: 2022-02-18 الساعة: 00:08
الكاتب: زينب حمارشة
يعد عنصر الشباب في المجتمعات عنصرًا ثمينًا فهو يشكل القوة والحيوية وأداة التقدم في عجلة التطور السريع الذي يحصل في العالم والمجتمعات، كما أنهم يشكلون المخزون الاستراتيجي القادر على مواجهة كافة التحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والمستقبلية الحاضرة.
في المجتمع الفلسطيني يبلغ عدد الشباب ما يقارب 1.6 % مليون شاب وشابة، يشكلون أكثر من خُمس المجتمع، أي ما نسبتهُ 22 % في قطاع غزة، و21.8 % في الضفة الغربية.
في الضفة الغربية تحديدًا يبلغ عدد اللاجئين في المخيمات الموزعين على تسعة عشر مخيمًا في مختلف محافظات الوطن حوالي المئة ألف لاجئ بحسب إحصائية جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني، غالبيتهم من الشباب وهم جزء لا يتجزأ من التعداد السكاني للمجتمع الفلسطيني، وجزء لا ينفصل عن كينونتهِ وتركيبتهِ الديموغرافية.
بشكل عام يعاني الشباب الفلسطيني من مشاكل متعددة تحول في كثير من الأحيان دون استغلال طاقتهم بالشكل الذي يثري المجتمع ويضيف إليه مزيدًا من الإبداعات، الأمر الذي يستدعي حالة واسعة من القلق إزاء مستقبلهم على مستوى وجودهم الحياتي الشخصي وكذلك علي مجتمعاتهم التي يفترض أن تؤسس بطريقة مهنية لأن يقود هذا الجيل الشاب المجتمع مستقبلًا، فمثلًا على المستوى التعليمي بلغت نسبة الشباب الذين حصلوا على شهادات جامعية 13 % ولكن في حقيقة الأمر يواجه الشباب مشكلة حقيقية في سوق العمل فقد بلغت نسبة البطالة بين صفوف الشباب من حملة شهادة الدبلوم المتوسط فأعلى حوالي 54 % بحسب جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني، وهذا يعني أن نسبة كبيرة من الشبان ستبدأ بطرق أبواب الهجرة بالتالي سيبدأ المجتمع بخسارة كفاءاتهُ وموارده البشرية التي تُعتبر الأساس في عملية تحقيق النمو الاقتصادي، وبحسب منظمة العمل فإن بطالة الشباب تعني فقدان فرصة الحصول على حقوق أفضل وفق ظروف عمل جيدة ما يعني أن هناك خسارة علي مستوى البعد الاجتماعي الشبابي وقد يندفع الكثير منهم لارتكاب الجرائم كرد فعل نفسي على الظروف المادية الصعبة التي يعاني منها الكثير من الشبان.
الشاب الفلسطيني في المخيمات جزء لا يتجزأ من منظومة الوضع الفلسطيني العام، فثمة الكثير من الإشكاليات التي تتقاطع مع غيرهم من الشباب في عموم الضفة الغربية، حيث نسبة البطالة والفقر عالية وظروف المعيشة الصعبة التي نشأوا عليها منذ نعومة أظفارهم لا بد وأن تكون لها تأثير نفسي بالغ الأثر، والمتمثلة في مناطق السكن وظروف المعيشة الصعبة، الاكتظاظ السكاني وقلة توفر الخدمات وقلة توفر المراكز التي تُعنى بالعناية بالمراهقين والأطفال، أضف إلي ذلك جرائم الاحتلال الإسرائيلي والاقتحامات والمواجهات التي لا بد وأنها تؤثر بطريقة أو بأخرى على الشباب من حيث عدم شعورهم بالاستقرار والأمان في داخل أسوار بيوتهم شأنهم شأن كل الفلسطينيين في الضفة الغربية، من ناحية أخرى هناك غياب للأمن الشخصي في المخيمات حيث يتم التعاطي مع العنف كأمر طبيعي في أزقتها وهو ما من شأنهِ أن يخلق أجيالًا عنيفة بامتياز، فبحسب الدراسات هناك 54% من اللاجئين عانوا من التعنيف في مرحلة من مراحل حياتهم.
في حقيقة الأمر، تفتقر المخيمات في الضفة الغربية إلي مراكز تأهيلية تربوية للعمل علي مساعدة الشباب على صقل شخصياتهم وإعادة بلورتها بطريقة إيجابية لمساعدتهم في تخطي عقبات الواقع التي يواجهونها في مختلف مراحل حياتهم، فغالبية الشباب والمراهقين يعملون في المستوطنات وتحت السن القانونية في الكثير من الأماكن لمساعدة أسرهم على حساب تطوير وصقل شخصياتهم بما يتلاءم مع حاجاتهم النفسية والمستقبلية، بالتالي طالما هناك مشاكل اقتصادية في داخل أزقة المخيم سيبقى الهدف الأول للأسر وللشباب هو توفير قوت يومهم وسد حاجتهم المادية ولو كان ذلك على حساب تعليمهم وعلي حساب صقل شخصياتهم بما يتلاءم مع متطلبات المراحل القادمة في حياتهم.
في حين أن الكثير من الخريجين والمتعلمين وحملة الشهادات والدبلوم من شباب المخيمات يعانون كذلك من البطالة وقلة فرص العمل، الأمر الذي يستدعي لجوئهم للعمل في المستوطنات غير القانونية أو اللجوء للعمل في ورشات البناء غير القانونية والتي تفتقر إلى أدنى مقومات ظروف العمل الصحية والسليمة ولكن ما يجبرهم على ذلك هي الظروف الاقتصادية وقلة فرص العمل وشح الموارد في المخيمات ما يجعلهم يلجؤون لأية فرص تتاح لمساعدة أنفسهم ومساعدة عائلاتهم.
في احدى الدراسات التي أعدها الباحث محمد الطيطي، عضو مجلس إدارة مركز شباب مخيم الفوار، يقول إن
من شباب المخيمات يعانون من مشاكل حقيقية في إيجاد فرص عمل بالتالي لا يراكمون خبرة عملية72%
وأن معظم الذين يشغلون وظائف يعلمون لدى القطاع الخاص بينما نسبة أقل تعمل في القطاع العام، وعليه وبحسب الكثير من الدراسات الميدانية في المخيمات، فإن الوضع الاقتصادي هو أكثر ما يشغل بال الفئة الشابة التي تجد صعوبة في تأمين العمل وتأمين حياة كريمة تضمن لهم مستقبل جيد فعبارة "ما فيش فلوس" تتصدر ألسنة الشبان في المخيمات، وهذه التحديات الاقتصادية ترتبط طرديًا مع التحديات الاجتماعية التي تواجه الشباب والتي تتلخص سريعًا باتساع دائرة الفقر وارتفاع تكاليف الزواج والتعصب والعنف في المخيمات الفلسطينية والتمييز على أساس الخلفية السياسية وغيرها.
إن بوادر الحل للتخفيف من عبء هذه المشاكل الاقتصادية والتي يتبعها إشكاليات نفسية واجتماعية والتي تصل في كثير من الأحيان لخسارة طاقات الشباب تبدأ من تظافر الجهد الحكومي ومؤسسات القطاع العام، فمثلًا يتمثل دور السلطة والحكومة في وضع سياسات فاعلة وطنية وبرامج واضحة لمعالجة بطالة الشباب بما يخلق لهم فرص عمل وتشغيل وتدريب وتأهيل للعمل الريادي، ومن الضروري جدًا أن يتم الاهتمام بتنمية الإبداعات لأصحاب المشروعات الصغيرة وتهيئة وتشجيع الشباب عليها ضمن الاستراتيجيات الواضحة للبدء بمشاريعهم الصغيرة ومساعدتهم على ذلك أيضًا من خلال تبني سياسيات مالية إيجابية تشمل إعفاءات ضريبية وإنشاء صناديق داعمة لريادة الشباب، أما فيما يتعلق بدور القطاع الخاص الذي يعد جزءً هامًا في المجتمع الفلسطيني فتقع على الحكومة مسؤولية إشراكهِ في برامج تدريب وتعليم للخريجين بحيث يكونوا قادرين علي تشغيل أنفسهم بما يتلاءم مع احتياجات السوق.
إن حل المشكلة الاقتصادية التي يعاني منها الشباب في المخيمات الفلسطينية هي أولى الخطوات لتوجيههم لحياة أكثر إيجابية وأكثر منطقية، وهي دافع حقيقي لتطوير أنفسهم ومجتمعاتهم بعيدًا عن ساحة الجريمة وساحة اللاقانون التي تغرق بها المخيمات، حيث أثبتت الدراسات أن العنف والقتل واللجوء للمخدرات وغيرها من التصرفات غير القانونية تأتي من الفراغ واليأس والإحباط والفقر والذي يقود الشباب للجوء إلى شتى الوسائل لإثبات أنفسهم وأحيانًا لمساعدة عوائلهم في تأمين أبسط احتياجات حياتهم.
عمليًا، يمتلك الشباب القدرة على صنع السياسات ومواجهة التحديات ولكنهم بحاجة إلى تظافر الجهود من حولهم مثل المؤسسات الوطنية والمؤسسات التي تُعني بالشباب من أجل الاهتمام بهم والعمل على تحسين أوضاعهم الاقتصادية وتشجيعهم على المشاركة في الشؤون السياسية والاقتصادية في أماكن صنع القرار، بالتالي يتوجب على كافة مؤسسات المجتمع الحكومية والخاصة والأهلية الاستثمار بهم ذكورًا وإناثًا من أجل إحداث تنمية حقيقية ومستدامة.
.
mat