رسالة الى الأحزاب والقوى العربية
نشر بتاريخ: 2022-02-03 الساعة: 11:58
موفق مطر
هل أفسد ما يسمى "الربيع العربي" جل رؤوس الأحزاب السياسية والدينية الفلسطينية العربية وقياداتها الوسطى والدنيا، أم تراها الفوضى الخلاقة الأميركية قد فعلت فعلها وأتت بالنتائج المطلوبة، وأهمها: زحزحة بعض الأحزاب العربية الى الهوامش بعيدا عن مراكز القضايا الداخلية الوطنية والقومية وحتى الانسانية، وتحويلها من احزاب مناضلة متلاحمة مع جماهيرها الى احزاب متكسبة، أو متزاحمة على الدروب المؤدية الى سدة السلطات التنفيذية والتشريعية في البلاد حتى لو كان الثمن اطاحة آمال الجماهير وإسقاط مبدأ تنظيم الجماهير وتنمية وعيها السياسي والثقافي والاجتماعي، وإشراكها في صياغة القرارات المصيرية والسيادية؟؟
نعتقد أن المتغيرات الجذرية التي احدثتها الفوضى الخلاقة الأميركية بواسطة قوى ما يسمى "الربيع العربي" وتمكين الاخوان المسلمين من الحكم لمدة عشر سنوات كانت كافيه لإحباط الجماهير بعد تجارب مريرة مع الاحزاب الوطنية والقومية والشمولية توجت بالتجربة الأشد قساوة والأكثر خسارة مع مستخدمي الدين (احزاب الاسلام السياسي) ما منح القوى الاستعمارية الكبرى، ووكيلها في المنطقة (منظومة الاحتلال والاستيطان العنصري اسرائيل) فرصة التوغل بيسر وسهولة الى اعماق مرتكزات ومصالح الشارع العربي، حتى أن الصورة تبدو لنا في خضم هذا الواقع المأساوي أن قادة تلك الأحزاب وامناءها العامين ومكاتبها السياسية، ولجانها المركزية، حتى كوادرها ونشطاءها راقدون، غافلون، عيونهم مفتوحة، يسمعون، وينطقون لكنهم لا يقوون على الحركة، فقلت بركة معظمهم، وانقطعت انفاس اكثرهم، لا يقدرون على تفجير فقاعة صابون، مقارنة مع قدراتهم على تفجير اسفلت الشوارع تحت اقدام جماهيرهم، وصرخاتها وهتافاتها الغاضبة، عند التعبير عن مواقف بخصوص قضية وطنية او قومية مركزية!
علينا ألا ننكر أن ما فعله الاخوان المسلمون فرع فلسطين المسمى حماس منذ انقلابهم المسلح على منظمة التحرير الفلسطينية والمشروع الوطني، والسلطة الوطنية، والقانون الأساسي الفلسطيني، ودأبهم على سياسة انفصال منذ العام 2007، كان له دور كبير في فقدان حرارة الشارع العربي المساند للحق الفلسطيني، ودفع كثير من الأحزاب الى منطقة ضبابية كثيفة انعدمت فيها الرؤية بعيدة المدى، ما جعلها عاجزة عن تحديد مواقفها، لكن هذا الواقع الذي هو نتاج مؤامرة اقليمية دولية واسرائيلية على فلسطين والشعب الفلسطيني وحقه التاريخي والطبيعي الثابت ليس مبررا لتراخي الأحزاب العربية، بما فيها قوى وأحزاب وجماعات وفصائل فلسطينية، لم تعد مواقفها وخطاباتها مقنعة للجماهير الفلسطينية والعربية، وعلاوة على ذلك، نراها تمعن في ابراز سلبية مطلقة، عبر التنصل من المسؤولية التاريخية، في لحظات مصيرية تتطلب قرارا من نفس المستوى، نابعا من رؤية مشتركة صائبة، قائمة على ارادة وطنية، مرفوقا بخطة استراتيجية يعمل الجميع لتطبيقها لتحقيق مصالح الشعب العليا.
ورغم كل هذا المناخ السلبي الطارئ إلا أن حركة التحرر الوطنية الفلسطينية لم تفقد الثقة بعمق فلسطين الاستراتيجي، ولم تفكر بالتراجع، وإنما بالتقدم نحو الجماهير العربية وأحزابها، فهذه الأحزاب رغم كل ما أصابها فإن لفلسطين وحركة تحررها الوطنية كلمة السر في توحيد مواقفها ورؤاها، ونعتقد أن تشكيل دائرة احزاب عربية وطنية وقومية يسارية وقوى مستقلة متينة متماسكة غير قابلة للاختراق مركزها فلسطين، سيبقى في مقدمة جدول أعمالنا، فمسؤوليتنا التي ادركناها قبل وبعد انطلاقة الثورة الفلسطينية قبل 57 عاما تحتم علينا اقتحام الشارع العربي وقواه الحية، فالمشروع الصهيوني ما زال خطرا يهدد مستقبل الشعوب والدول العربية دون استثناء، ومن هذا المنظور نرى رسالة عضو اللجنة المركزية لحركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" عباس زكي مفوض العلاقات العربية الى الأحزاب والقوى العربية لاستثمار قرار منظمة العفو الدولية بإدانة منظومة الاحتلال العنصري اسرائيل وتسميتها كدولة عنصرية تتصرف فوق القانون.
فالأحزاب العربية مدعوة اليوم كما طلب زكي في رسالته للضغط على حكوماتها لحيازتها مستندا دوليا يدعم توجهاتها لمقاطعة (اسرائيل العنصرية).. وتشكيل طوق قانوني يحاصر مسؤولي هذه المنظومة، ويساهم بإحضارهم الى المحاكم الدولية المختصة باعتبارهم مسؤولين عن جرائم دولة عنصرية، ويهددون الامن والسلام العالمي أينما كانوا أو حلوا.
سيدرك قادة الأحزاب العربية عاجلا أم آجلا أن وكيل القوى الاستعمارية في المنطقة (اسرائيل) ستعبث بمقدرات بلادهم وتسيطر عليها دون احتلال مباشر كما فعلت في فلسطين عبر اتفاقيات الأمن والسلاح وما يسمى الخبرات العسكرية والاقتصاد، وعليهم أن يعلموا أن فلسطين ما زالت جبهة صامدة كابحة لتمدد المشروع الصهيوني، وأن اختراق عمقنا الاستراتيجي العربي يعني انعدام قدرة الأحزاب على تقرير مصير ومستقبل شعوب الوطن العربي، ما يعني الخضوع، وهذا مالا نتمناه لشقيق وأخ عربي، لأننا لا نعترف به في قاموسنا الانساني.
mat