الرئيسة/  مقالات وتحليلات

الاتفاق على رؤية من واقع الاخفاقات والانجازات

نشر بتاريخ: 2022-01-23 الساعة: 13:38

 

بقلم:بكر أبوبكر

في مداخلة لي في ختام مؤتمر المركز الفلسطيني للبحوث والدراسات الاستراتيجية برئاسة د. محمد المصري وحول التجربة الوطنية في ٥٦ عاما، حاولت التركيز على ٣ محاور رئيسة هي: الانجازات والاخفاقات وكيف من الممكن أن نتفق على رؤية، لاسيما وأن عنوان المؤتمر وكلمة رئيس المركز الثرية يثيران التساؤلات والتحدي ويطالبان بضرورة الاجابة.
استطاعت التجربة الوطنية الفلسطينية التي قادتها حركة التحرير الوطني الفلسطيني”فتح”، أن تحقق جملة من الانجازات سأتحدث عن ٤ فقط منها ذات مدلول وعمق جوهري.
في أولاها، أنها أبرزت الكيانية الفلسطينية والوجود الفلسطيني بعد أن كاد الرماد يتراكم فأسقطت الثورة الفلسطينية مقولة “الكبار يموتون والصغار ينسون” وبالتالي كان الأطار الجامع ممثلاً بمنظمة التحرير الفلسطينية مدخلًا لهذه الكيانية والهوية الجمعية بالاضافة لثبات الشعب الفلسطيني على أرضه وعلى روايته وتصميمه على النضال.
أما ثاني الانجازات التي نفخر بها فتمثلت باظهار الوطنية الفلسطينية التي كادت تذوب في المحيط العربي لتتمايز في سياق الانتماء الموحد وليس المنفصل عن مجمل الأمة، فأصبح للشعب الفلسطيني شخصيته المتميزة وأصبحت الوطنية منهجًا لكل الفصائل حتى تلك التي أدانت في مرحلة من تاريخها اما القطرية أو ما أسمته الاقليمية لصالح العالمية سواء تمثلت بالأممية الاشتراكية أو العروبية القومية او الاسلاموية وسقطت في قعر المستنقع الآسن مقولة “أرض بلا شعب” الصهيونية الفاسدة.
أما ثالث الانجازات، فكانت الاستقلالية الفلسطينية في الارادة والقرار والعمل بعيدا عن التمحور او التحزب العربي الذي كاد يودي بالقضية وأصحابها منذ البدايات في مهاوي الردى.
إن الاستقلالية كرست مسارًا نضاليًا فلسطينيا في إطار مركزية القضية كجاذب لكل مقومات الأمة وقلبها وليس كمنفصل عنها أي في الاطار الجامع وهو ما كان من غالب الحروب التي خاضها ياسر عرفات اين نحت بالصخر اسم فلسطين وقرار قيادتها الوطني المستقل.
أما رابعا، فلقد كان نهج “الواقعية السياسية” قد تمثل بتباشير الوعي السياسي الواقعي وفهم معادلات القوة في صراع الجذرية التي حاولت حصر الفعل في إطار أو شكل كفاحي واحد، وسارت على الدرب اي على درب “فتح”، كل الفصائل وخاصة كافة فصائل اليسار أو قوى الرفض كما تسمت إضافة الى الاخوان المسلمين “حماس” بعد الصحو من الغفلة مؤخرا وهي التي تبنت الوطنية والكيانية الجامعة والواقعية السياسية مع وثيقة الدوحة عام ٢٠١٧، ثم مع خطاب يحيى السنوار بعد هبة القدس وغزة عام ٢٠٢١م.
اما الاخفاقات فهي مما تحدث عنه “محمود العالول وأحمد مجدلاني، وناصر الدين الشاعر”، وبأشكال مختلفة، ويطيب للبعض أن يحصروا مسيرة الثورة في هذا النطاق الاخفاقي فقط! إمّا لضيق النظر أو لطغيان نظرتهم التشاؤمية أو لطغيان الأيديولوجية أو لمجرد الانكار للانجازات …. ومع ذلك يمكن ان نلخصها بأربعة صعبة.
أولا: لقد فشلت العقلية الجمعية الفلسطينية وعبر تدهور فعالية المنظمة، ثم حشرها في نطاق السلطة الفلسطينية وكأنها دائرة او وزارة تابعة فتقلصت وتضاءلت وانحرف العقل الجمعي كثيرا.
وثانيًا: يمكننا أن نقول أن فشل منطق المشاركة خاصة في ظل المناخ الاسلاموي قد أثّر كثيرا فتدرجت المواقف “خاصة الاسلاموية” من الاقصاء وطرح البديل والتعاون مع الاقليم للاحلال، وصولا للاعتراف بالعجز وضرورة المشاركة ولكن مع التمنع سواء من الطرف الرافض سابقًا او من المتموضعين في اطار المنظمة أنفسهم.
ثالثاً: نعم لقد حققت الثورة الفلسطينية قدرتها على المرونة والحرية والاستقلالية في محيط عربي زاخر بالعداءات والترابطات الامبرالية والمصلحية السلطوية ورسمت سياسة فلسطينية مستقلة لزمن طويل ،لكن سرعان ما تبدد ذلك بالنزوع بين الفكر الاقصائي الجذري الايديولوجي وتبني أو تمويل المحاور العربية والاقليمية التي طغت مصالحها على الفكر الوحدوي الجامع.
لقد نجحت المحاور الاقليمية في تفتيت شبه الاجماع او السياسة الفلسطينية الموحدة أي القواسم أو الجوامع المشتركة.
أما رابعًا: فيمكننا القول أن عديد دول الاقليم قد سقطت في مستنقع التبعية الاميركية-الاسرائيلية الطاغية، أو افترضت تبعيتها كحل لمشاكل أنظمتها، فساد الصهيوني وتجبر.
كيف من الممكن أن نتفق على رؤية قلت في المؤتمر الذي عقد في رام الله يوم الثلاثاء 11/1/2022م اننا بحاجة للتفكير المشترك في ثلاثة اتجاهات لاسيما وانني اصدرت كتيبا منذ فترة حول: “معضلة الفصائل وسقوط التنظيم”، كما اصدرت كتابًا حول “الثبات”، فرأيت بالمؤتمر أننا بحاجة أولا أن نتفق على “الفهم” وطريقة التفكير إذ يجب ان نتقارب بطريقة الشعور وليس فقط التفكير فيصبح عقل التقارب والثقة لايقبل التشكك والريبة السائدة، ما يحتاج لمساحة واسعة من اعتماد المرونة بعيدا عن المرجعيات الايديولوجية التصنيفية للغير كمعسكرات وما يعني الاتفاق على منهج تفكير مشترك ووضع الأولويات في قمة المطالب وتكريس عوامل الصمود والمقاومة والثبات الروائي والميداني.
اما ثانيا: فان ضرورة بناء الاستراتيجية “طريقة الوصول وسد الفجوات وتحقيق الهدف”، تقتضي “الفهم المشترك” وتستلزم حالة من التعاون ومساحة واسعة من التلاؤم تمكن الخصوم من ايجاد المشتركات بعيدا عن ضغط المحاور فينشأ البرنامج الوطني الشامل والموحد.
اما ثالثا: وهو مما كنت أشرت اليه في كثير من كتبي حول دور الأداة او الوعاء أو التنظيم الذي بدأ يظهر لدى مختلف الفصائل وكأنه في واد وقيادته في واد آخر! حيث تراهم باسمي الوجوه حين يلتقون كفصائل وعابسي الوجوه حين يتحدثون مع كوادرهم! فيغرسون التشكك والرفض والضغينة بدلا من تفهم الاختلافات وتقديرها وتنحيتها.
لقد تم استغلال الكتلة البشرية في الفصائل “قلب التنظيم” في مناوشات وتكتلات القادة، فكان التحشيد الكمي على حساب التنظيم الكيفي وكان التصفيق والهتاف لهذا وذاك وليس عقلية النقد والابداع والهتاف لفلسطين ،فتاهت النفوس وانقبضت الارواح وافتقدت الرؤية.

mat
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024