أهمية حوارات الجزائر
نشر بتاريخ: 2022-01-17 الساعة: 12:59
عمر حلمي الغول
مؤكد أن لكل شعب ودولة عربية مكانة وأهمية لدى أبناء الشعب الفلسطيني، ولا يميز الفلسطيني بين شعب وآخر، وإن وجد تمييز فإنه يعود لسياسات الحكومات والأنظمة تجاه القضية الفلسطينية، مع أن الناظم الأساس لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية رفض التدخل في الشؤون الداخلية العربية، وحتى في غالب الأحيان اللجوء لسياسة الصمت وعدم الرد أو الإساءة تجاه بعض الممارسات الرسمية المعلنة أو غير المعلنة السلبية والمسيئة للقضية الوطنية، ليس خوفا، ولا ممالأة، ولا غضا للنظر عن أية اخطار تهدد المصالح والحقوق الوطنية، وإنما شكل من أشكال تدوير الزوايا، وإدارة لعبة فن السياسة، وحماية لمصالح أبناء الشعب الفلسطيني، وحرص على علاقات الأخوة العميقة مع الشعوب العربية.
مع ذلك كان، وما زال للجزائر الشقيق شعبا وحكومة خاصية في وجدان الشعب الفلسطيني، لها علاقة بتناغم الثورتين الجزائرية والفلسطينية، وتكافل وتضامن الشعبين في المحن والتحديات، التي عاشتها الثورة الجزائرية، وأذكر على سبيل المثال لا الحصر في نهاية خمسينيات ومطلع ستينيات القرن الماضي، ورغم أن الشعب الفلسطيني بمعظمه كان يعاني من ويلات النكبة في العام 1948، والعيش في مخيمات اللجوء، غير أنه عندما طلب منه تقديم المساعدة والتبرعات للشعب الشقيق في الجزائر الأبية، لم يدخر رجل أو امرأة أو طفل فلسطيني جهدا من أجل تقديم ما يستطيع دعما لشعب المليون ونصف المليون شهيد، ولهذا لم تتردد قيادة الثورة الجزائرية بعد الاستقلال عام 1962 عن الوفاء لثورة الشعب الفلسطيني، وكانت من أوائل الحواضن لقيادات الثورة الفلسطينية المعاصرة.
وتواصل هذا الود والتكامل والتناغم القيادي الرسمي والشعبي إلى يوم الدنيا هذا، وسيبقى إلى أبد العمر؛ لأن القيادة والشعب الجزائري لم يتورطوا يوما في طعن القيادة والثورة الفلسطينية في الظهر، ولعل مقولة الرئيس الراحل هواري بومدين ما زالت حاضرة في وعي ووجدان أطفال وشيوخ ورجالات ونساء فلسطين "نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة".
هذه الجزائر البطلة وقفت في مختلف محطات الكفاح الوطني التحرري مع فلسطين، واحتضنت العديد من دورات المجالس الوطنية، وكانت الراعية للعديد من جولات المصالحات الفلسطينية الفلسطينية، ولم تنحَز يوما لفريق ضد الآخر، بل كانت الحاملة للهم الوطني والقومي بروح المسؤولية العالية.
وفي هذه الأيام، وتنفيذا للمبادرة التي طرحها الرئيس عبد المجيد تبون، أثناء زيارة الرئيس محمود عباس للجزائر مطلع كانون الأول/ديسمبر الماضي، بادرت الجزائر لدعوة ممثلي ستة فصائل فلسطينية للحوار الثنائي، وهي حركة فتح، وحركة حماس والجبهة الشعبية، والجبهة الديمقراطية، وحركة الجهاد الإسلامي، والجبهة الشعبية/ القيادة العامة، والتي بدأت جولات الحوار مع ممثلي حركة فتح منذ أمس الأول برئاسة الأخ عزام الأحمد، وستليها لقاءات أخرى مع ممثلي الفصائل المذكورة لبلورة وجهة نظر تعكس المشترك بين الفصائل كافة. وتعمق تجارب المصالحة السابقة.
مع أن أي متابع للمسألة الفلسطينية، وقضية الانقلاب والانقسام يعتقد جازما، أن ملف المصالحة، واستعادة الوحدة الوطنية نظريا استهلك، ولم يعد هناك جديد يمكن أن يضاف للاتفاقات السابقة منذ عام 2009 وصولا لاتفاق أكتوبر 2017، وإعلانات الدوحة والشاطئ، وحوارات صنعاء زمن الرئيس الراحل علي عبد الله صالح. ورغم أن قيادة الجزائر الشقيق لم تطرح نفسها بديلا عن الشقيقة مصر المحروسة، ولكنها هدفت من مبادرتها إلى تحريك المياه الراكدة، ومحاولة استثمار مكانتها المعنوية في أوساط الفلسطينيين للتأثير الإيجابي في دفع عربة المصالحة للأمام، وإحداث اختراق ما في جدار الاستعصاء الناجم عن سياسات حركة حماس.
مع ذلك أعتقد أن القيادة الجزائرية طالما شرعت في تنفيذ مبادرتها الفعلية، كان يجدر بها أن تدعو الفصائل الفلسطينية الممثلة في منظمة التحرير الفلسطينية كافة، بالإضافة لحركتي حماس والجهاد لتتمكن من القيام بدورها الإيجابي المطلوب. لا سيما وأن تلك الفصائل كانت وما زالت موجودة ومساهمة رئيسية في الحوارات المختلفة. مع ذلك ما زال من المبكر الحكم على مآلات مبادرة الجزائر الشقيقة، التي أرجو لها أن توفق في إحداث نقلة نوعية في المصالحة الوطنية، لأنها مصلحة وطنية أولى، وأحد أهم مرتكزات مواجهة التحديات الصهيو-أميركية، وحماية مصالح وثوابت الشعب الفلسطيني.
وأيا كانت النتائج من التحرك الجزائري في الملف الفلسطيني الداخلي، فإن مجرد المبادرة التي طرحها الرئيس تبون، والبدء بتنفيذها، إنما يعكس روح الجدية والمسؤولية الأخوية للقيادة الجزائرية الشجاعة. وفي ذات الوقت، يتطلب الأمر من ممثلي الفصائل المشاركة في الحوار الارتقاء إلى مستوى المسؤولية العالية للمساهمة في إنجاح المقاصد الجزائرية الإيجابية. لا سيما وأنه لا يوجد لأي فريق فلسطيني حساسية من دور وحيادية الجزائر الشقيقة.
mat