الرئيسة/  مقالات وتحليلات

الأخطاء تفضح جرائمهم

نشر بتاريخ: 2022-01-11 الساعة: 18:58

 بقلم عمر حلمي الغول

ما زال كم هائل من وثائق جرائم الحرب الإسرائيلية يقبع في صناديق سوداء مغلقة، وداخل سراديب تحت الأرض خوفا من وصول ضوء الشمس لها. وتواصل القيادات السياسية في الحكومات المتعاقبة والمؤسسات الأمنية المعنية بملف الوثائق تجديد قراراتها المتعلقة بحجبها عن النور، وعدم السماح بالاقتراب منها، أو لمسها، وتتكتم عليها خشية الكشف عن المزيد من المجازر والجرائم الوحشية للعصابات الصهيونية الإرهابية (الهاغاناة، إيتسل، ليحي، هاشومير، البالماخ، الإرغون وشتيرن، غيرها) التي شكلت العمود الفقري لجيش الموت والجريمة المنظمة الإسرائيلي بعد قيام دولة المشروع الصهيوني على أنقاض نكبة الشعب الفلسطيني في العام 1948، وهي وقياداتها المتعاقبة من شكل النظرية الأمنية الإسرائيلية، المرتكزة على ثلاثة عناصر أساسية الأول مواصلة وتعميق نهج الإرهاب المنظم ضد الفلسطينيين بكافة الوسائل المتاحة؛ الثاني إدامة الحروب والاجتياحات وعمليات القتل المعلنة بذرائع وبدونها؛ الثالث نهب واستعمار الأراضي الجديدة، وإقامة المستعمرات في مختلف المناطق، وأضافوا لها عنصرا جديدا بعد إقرار "قانون القومية الأساس" في تموز/ يوليو 2018، الذي شرع وقونن بقصر حق تقرير المصير لليهود الصهاينة فقط على أرض فلسطين التاريخية، وذلك لتحقيق الهدف الرئيس المتمثل بتوسيع عمليات التطهير العرقي لأبناء الشعب الفلسطيني المتجذرين في أرض فلسطين داخل الـ48 وفي الأراضي المحتلة عام 1967 لتقليص وجودهم للحد الأقصى، ولإضفاء الطابع اليهودي الصهيوني على الأرض الفلسطينية، وفرض روايتهم الكاذبة والمزورة. بيد أن عمليات التكتم، والإخفاء والتستر على وثائق الجرائم لا تنجح دائما، فأحيانا يرتكب جهاز الرقابة الأمنية أخطاء دون قصد، ما يسمح لبعض الوثائق برؤية النور لتميط اللثام عن جوانب جديدة من العقلية الفاشية المتجردة من كل ملمح إنساني مهما كان متواضعا، والحاملة في دواخلها عقد وحقد وكراهية الحقب التاريخية كلها لتنفث سمومها على الشعب الفلسطيني، الذي لم يبادل أولئك الصهاينة قبل اكتشاف أمر مشروعهم الاستعماري إلا التعامل الإيجابي، والحرص على التعاون والعيش المشترك. ومع ذلك بادلوهم بالجريمة والإرهاب المنظم واغتصاب النساء، وبقر بطون الحوامل، والطرد والتهجير والحرب وحملات القتل المتواصلة... إلخ من السلسلة الطويلة من الجرائم الوحشية حتى الآن، التي ما زالت تلقي بحمم شرورها على الشعب الفلسطيني، الذي يعيش نكباته المستمرة دون توقف. ومن الوثائق التي كشفت مؤخرا نتاج خطأ تقني فضح بعض المستور عن ديفيد بن غوريون، رئيس الوزراء الأول واهارون تسيزلينغ، وزير الزراعة، اللذين أباحا ودعما محو القرى الفلسطينية وطرد سكانها، والاعتداء على النساء الفلسطينيات في الرملة وغيرها. وفق ما تضمنته وثيقة جديدة عن اجتماع الحكومة الإسرائيلية المؤقتة في آب/ أغسطس 1948 حسب مقال لـ "عوفر اديرت" نشر في صحيفة "هآرتس"، وأعيد نشره في 6 يناير الحالي (2022) في "موقع عرب 48". وخصص ذلك الاجتماع لبحث جرائم الحرب، التي ارتكبتها العصابات الصهيونية وجيش الموت الإسرائيلي ضد أبناء الشعب الفلسطيني. وسمح بنشره بعد طمس وتسويد تلك المقاطع المتعلقة بـ "بن غوريون" و"تسيزلينغ" عقب توجهات معهد "عكافوت"، الذي يعنى بتوثيق الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ويكافح لنشر مواد أرشيفية تاريخية ذات أهمية بحثية وجماهيرية محظور نشرها.وكان جهاز الرقابة الإسرائيلية حاول إخفاءه، لكن محاولته باءت بالفشل. قيمة وأهمية كشف المستور من وثائق ومواقف القيادات الصهيونية المتعاقبة في قيادة الدولة الإسرائيلية المارقة والخارجة على القانون، أولا أنها تعمق الوعي لدى المتلقي في كيفية تعامل تلك القيادات مع جرائم الحرب، وإرهاب عصاباتها وجيشها الوليد؛ ثانيا تكشف بشكل قاطع لا لبس فيه، أو غموض عن دور تلك القيادات في تعميم ونشر منطق المجزرة والمذبحة وإرهاب الدولة المنظم في أوساط المؤسسة الأمنية بكل مكوناتها وأدواتها، لا سيما وأنها ذراعها الضاربة لتنفيذ المشروع الاستعماري؛ ثالثا أماطت تلك الوثيقة مجددا عن وجه تلك القيادات الفاشية، وعرت الدولة الإسرائيلية تماما، وأكدت أنها دولة لا تربطها صلة بالديمقراطية، التي يروجها الغرب الرأسمالي عنها، والتي تتقمصها دولة الإرهاب المنظم نفسها؛ رابعا تعزز وتعمق الرواية الفلسطينية العربية، وتؤكد على الحقوق التاريخية والسياسية والقانونية للشعب الفلسطيني في أرض وطنه الأم؛ خامسا تساهم مباشرة في اكتساب قوى أممية جديدة داعمة للحق الفلسطيني، ومؤيدة لكفاح الشعب التحرري لنيل حقوقه وفق قرارات الشرعية الدولية؛ سادسا تؤكد على أن الشعب الفلسطيني وقيادته الوطنية، هم رواد السلام الحقيقيون، والعكس صحيح بالنسبة لإسرائيل وقياداتها العنصرية والاستعمارية، التي لا تقبل القسمة على السلام. [email protected]

m.a
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024