الرئيسة/  مقالات وتحليلات

الشتاء ما زال طويلا لكن الربيع الحقيقي قادم لا محالة

نشر بتاريخ: 2022-01-06 الساعة: 12:21

 

 

يحيى رباح


لا أستطيع أن أجزم متى بالضبط بدأ تاريخ القضية الفلسطينية؟ هل هو عند انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897 في مدينة بازل بسويسرا على يد الصهيوني الأول هرتسل، المؤتمر الذي لقي ترحيبا كبيرا من دول أوروبا التي كانت توشك أن تسمى القارة العجوز؟ أم مع صدور وعد بلفور في الثاني من نوفمبر عام 1917؟ أم مع صدور قرار التقسيم رقم 181، في عام 1947، الذي أعطى لليهود في فلسطين وعددهم أقل من 3% نسبة ستة وخمسين بالمئة من مساحة فلسطين؟ أم وقوع النكبة الفلسطينية في 15 مايو عام 1948؟

في كل تلك المحطات الخطيرة تأكد لنا أننا أمة عربية كانت تكافح للخلاص من الاستعمار القديم، وقد تأكد لنا بنوع من الوعي الوجودي أننا أمة مستهدفة بضربة قاتلة في القلب، وأن معركتنا الوجودية ليست معقدة وليست عصية على الفهم كما زعم الزاعمون.

بل نحن أمة بالفعل نتعرض بالتتابع لفصول من الإلغاء، وإن أعراسنا التي نقيمها بين وقت وآخر ليست سوى ربيع خصب زائف، وليس من صنعنا بل استعراضات مخادعة يقوم بها أعداؤنا، وإن بعضنا العربي ما زال بعيدا عن صلب الإيمان يخدع نفسه بمصطلحات السيادة الوهمية. وإن نكبة فلسطين يمكن تحميلها للشعب الفلسطيني وحده، وإن الفواجع التي حصلت في فلسطين عام 1948، وعام 1956، وعام 1967، وليست فواجع عادية، ولا تخص الفلسطينيين وحدهم إنما تخصهم جميعا من الشرق العربي كله وحتى الغرب العربي كله، وإن كل الألعاب التي انخرطنا فيها مثل التيار الإسلامي، والألعاب الطائفية، وألعاب السيادة التي نتبادلها بتضخيم شديد، والتيارات الوطنية الأكثر صراعا لم تكن سوى مسرحيات هزلية أو تراجيدية صممها منذ البداية العدو الرئيسي الذي ظهر جليا في حروب تحرير القدس من قبضة الحكم الأجنبي، وإن المؤرخ العربي لم يتردد لحظة واحدة من تسمية تلك الحروب بالصليبية بل سماها حروب الفرنجة، الأجانب المعتدين، الذين ليسوا أصحاب هذه الأرض، وإن أول انبثاق يسمي الأشياء بمسمياتها الحقيقية كان هو انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة، التي قالت بوضوح إن الخرافة الصهيونية أو الإسرائيلية أو المسيحانية اليهودية قد نجحت في دق الأسافين، وإنها تكاد تصبح هي الحليف وليس العدو، وإن كل العازفين على هذه الأوتار أطلقوا على أنفسهم أسماء جميلة باسم الربيع العربي، وإن تلك الأسماء جميعها ما هي إلا أسماء مزورة، وإن وضع إسرائيل في دور المنقذ من التهديدات الأخرى ليس سوى انسياق في طريق الإفلاس، وإننا يجب أن نحافظ على فلسطين جرحا نازفا وموجعا، وحقا حاسما، ومعركة لا بد أن تخاض، فالحياة لا توهب إلا لمن يستحق.

إسرائيل القائمة حاليا وسط جدل جديد حول خلفيات التطبيع، إسرائيل تقوم على ممارسات العصابة التي تفضح ادعاءات الدولة ومن أقاموا هذه الدولة، ويقوم المستوطنون فيها بالتعالي على القانون الدولي الذي سمح بوجودهم كدولة، وكل معركة يخوضها الفلسطينيون ولو بقليل من الدعم العربي يهتك أستار هذه الدولة العصابة، وبعد أكثر من ثلاثة وسبعين عاما على قيام إسرائيل الدولة العصابة يثبت بالدليل القاطع، أنه شيء يمر بقرار إسرائيل والدول التي تواطأت على إقامتها، فالفلسطينيون رغم كل الظروف الصعبة لهم كلمة فاصلة يقولونها في نهاية المطاف، وكلمة الشعب الفلسطيني هي في النهاية من تقرر شكل الصورة النهائية.

وعاشت فلسطين.

mat
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024