كيف نقرأ الرئيس أبو مازن ؟ ..بن غوريون: انسحبت وأخبرته بذلك وأنا أبكي
نشر بتاريخ: 2022-01-02 الساعة: 09:27
موفق مطر
تنفيذ الرئيس الأميركي جو بايدن وعده وتوجهه لإعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية، وتجسيد سياسته المعلنة باعتبار الاستيطان الإسرائيلي مخالفا للقانون الدولي، وأنه مع الحل على أساس دولتين، أو تتفرد منظومة الاحتلال (إسرائيل) بقرار الهجوم على إيران دون تنسيق مع الإدارة الأميركية أو علمها المسبق، ما يعني أننا سنكون أمام علامة فارقة ستحدد موقع ومكانة هذه المنظومة (إسرائيل) فإما أن تبقى (كيانا وظيفيا استعماريا على شكل دولة) لتنفيذ أجندات الإمبراطوريات ودول كبرى استعمارية فتنصاع، كما أثبتت أحداث تاريخية، أو أن (إسرائيل المُستخدم الموظف) ستتمرد، وتفاخر بإشهار عقوقها، وستتحمل النتائج – وهذا ليس مستبعدا – في ظل عدائيتها للمجتمع الدولي وتحديها للشرعية الدولية.
لم يكن للمنظمة الصهيونية قرار مستقل، هذا وحده كاف لنفي صفة الحركة عنها، فعتاة الصهيونية وأشدهم تعصبا وتطرفا كانوا وما زالوا حتى اليوم تابعين ينفذون أوامر (معلمهم الأكبر)، حتى محاولات المناورة عندهم للالتفاف على الأوامر كانت وما زالت صعبة، يعيشون فيها أياما عصيبة، ونعتقد أن تسليط الرئيس أبو مازن الضوء على بعض سطور مذكرات بن غوريون بعد احتلال جيش إسرائيل غزة في العام 1956 أثناء العدوان الثلاثي على مصر، مفيد جدا لفهم وإدراك هذه الحقيقة، فقد كتب بن غوريون: "طلب مني الرئيس الأميركي دوايت آيزنهاور الانسحاب من قطاع غزة، وفي اليوم التالي سألني إن كنا قد انسحبنا، فقلت له: لا، فقال لي: تنسحب فورا وغدا تخبرني أنك انسحبت، وفعلا انسحبت وأخبرته ذلك وأنا أبكي".
الرئيس أبو مازن في ندوته التاريخية قال: "إن عدد سكان إسرائيل حتى 15 أيارأأيار من العام 1948 – تاريخ النكبة (الحرب) لم يتجاوز الـ650 ألفا، ولم يكن باستطاعتهم حماية ما سيطروا عليه من أرض فلسطين حتى ذلك التاريخ، فاشتكى بن غوريون الأمر لقادة الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا العظمى، فنصحوه باستقدام العرب اليهود، فرفض متخوفا من ثقافتهم العربية وانعكاساتها على هوية كيانه، علاوة على نظرته الدونية للعرب اليهود والشرقيين (السفارديم) وإعلائه من شأن الأوروبيين اليهود ( الأشكناز) فاستسلم لأوامرهم، بعد ردهم: "ليس أمامك غير ذلك"!. فتم تهجيرهم وترحيلهم من دول عربية على متن طائرات أميركية، وتثبيتهم في كيبوتسات على خطوط المواجهة الحربية، ليكونوا أول موجة في محرقة المنظمة الصهيونية، محرقة حطبها العرب اليهود، والشعب العربي الفلسطيني.
حبكت المؤامرة بدقة، ووقعت النكبة واذا بالفلسطينيين الذين لجأوا إلى دول عربية لبضعة أيام على أمل العودة إلى ديارهم بعد انتهاء الحرب التي كانت مقدرة ببضعة أيام، فوجد اللاجئون الفلسطينيون مقومات اللجوء جاهزة، كالخيم والفرشات والأغطية الجديدة، فتراكمت أيام اللجوء حتى صارت عقودا سبعة وزادت عليها أربع سنوات تقريبا حتى اليوم. كان عدد اللاجئين الفلسطينيين الذين أجبروا على ترك وطنهم تحت سطوة مجازر وإرهاب صهيوني وخداع رسمي عربي لا يقل عن 950 ألفا.
ما أنشئت (إسرائيل) إلا لتحقيق أهداف استعمارية، أما اليهود على تنوع أعراقهم وأجناسهم، فاستخدموا بعد تضليلهم، وحشرهم في خيار واحد، وهو الهجرة إلى أرض وطن الشعب الفلسطيني، للاستيلاء عليها تباعا، فكانوا مجرد بيادق في ميادين الحروب، لا نبالغ إذا قلنا إن (المنظمة الصهيونية) كانت أفظع جريمة بحق أتباع اليهودية في العالم، وبحق الشعب الفلسطيني، وبحق الشعوب المؤمنة بالحرية والسلام والعدل، والسلام والاستقرار في المنطقة الحضارية جنوب وشرق المتوسط، فرؤوسها معنيون بتحقيق مصالحهم الثابتة وتنميتها وتوسيعها عبر شركاتهم العملاقة، وضمان استمرار نفوذهم في سلطات الدول الكبرى التشريعية والتنفيذية والأمنية والاقتصادية المالية تحديدا، دون النظر لمصائر ملايين من اليهود تم استقدامهم إلى فلسطين بالترهيب والترغيب، ليكونوا مجتمع (دولة الجيش الاستعماري إسرائيل).
للشعب الفلسطيني جذور تاريخية ثقافية ومساهمات حضارية إنسانية مكنته من تجسيد هوية وطنية لم تستطع الغزوات المتتابعة والمؤامرات الفظيعة إفسادها تمهيدا لاجتثاثها، وقد لا يعلم الكثير السبب، لكن الرئيس أبو مازن أفصح عنه وكان فخورا بذلك، فالقرار الفلسطيني الوطني المستقل لطالما كان سر بقاء الشعب الفلسطيني، ابتداء بما جسده الثوار الفلسطينيون، الذين أدركوا التحديات الوجودية المصيرية فقاتلوا دون إذن من أحد، مرورا بسطوع نجم الوطنية الفلسطينية في سماء الوطن العربي، وصولا إلى انتزاع القرار من المحيطين الرسمي العربي والدولي بأن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني .. وحول هذا الموضوع سنكتب في الجزء السادس تحت عنوان كيف نقرأ الرئيس أبو مازن؟.
mat