الهدف 12 للتنمية المستدامة: أنماط الانتاج والاستهلاك
نشر بتاريخ: 2021-12-20 الساعة: 12:39
بقلم:نهى نعيم الطوباسي*
يقول الكاتب المصري محمد عفيفي: إذا مات رجل من شدة الجوع فهذا لا يرجع إلى شيء، سوى أن رجلاً آخر قد مات في اللحظة نفسها من فرط الشبع، وفي السياق نفسه نشر موقع الأمم المتحدة حقيقة هدر 1.3 مليار طن من الغذاء كل عام، بينما يعاني 2 مليار شخص من الجوع أو من سوء التغذية”. وهذا يدل على أن هناك تفاوتا حقيقيا في أنماط الإنتاج والاستهلاك في العالم بين البشر، ويعبر عن صور القهر الاجتماعي والاقتصادي بين الشعوب.
وقد يكون ذلك سببا رئيسيا لارتفاع مستويات العنف داخل المجتمعات، ووفقا لدراسات الصراع وحل الصراع، فإن الحرمان من الاحتياجات الأساسية يؤدي إلى تطور العنف والصراعات بين فئات المجتمع. وعدم إشباع الحاجات هو سبب الانحراف في سلوك الإنسان، والتنافس على تلبية الاحتياجات عامل أساسي لنشوء العنف وعدم التسامح بين المجموعات والأفراد.
عند الوقوف على الهدف الثاني عشر من أهداف التنمية المستدامة ” ضمان وجود أنماط استهلاك وإنتاج مستدامة”، وربطه بالسياق الفلسطيني، فإن أول ما يخطر في البال هو ضعف قدرات القطاعات الإنتاجية الفلسطينية كالزراعة والصناعة والسياحة والإنشاءات والتجارة، وأثر ذلك على تدني مستوى الدخل والمستوى المعيشي للفرد، ووجود فجوة هائلة بأنماط الإنتاج والاستهلاك بين المواطن الفلسطيني والفرد الإسرائيلي. فاستدامة الإنتاج مرتبطة ببيئة مُحفزّة سياسيا واقتصاديا، والسيادة الكاملة على الأرض ومقومات الإنتاج، والاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية. فالاحتلال الإسرائيلي يسيطر على أكثر من 85% من أرض فلسطين، ويحرم الفلسطينيين من التصرف بمواردهم الطبيعية، والاستكشاف والتنقيب في الجغرافيا الغنية بالموارد، كما أن مصادرة الأراضي الزراعية، وبناء جدار الفصل العنصري، قلصت المساحات المتاحة للإنتاج الزراعي والحيواني، وبالتالي أدى تقليص الانتاج الزراعي إلى سوء أنماط الاستهلاك للأراضي، فيما أدى قطع أشجار الغابات وتدميرها لبناء المستوطنات إلى غياب المساحات الزراعية والتدهور البيئي، والإخلال بالتنوع الحيوي في الطبيعة والانتاج الزراعي والحيواني ونقص المواد الخام. وغير ذلك من المعيقات الإسرائيلية على إنشاء المصانع وتشغيلها وعلى الاستيراد والتصدير، وارتفاع تكاليف النقل والإنتاج إلى التركيز على التجارة الداخلية والتجارة مع اسرائيل، وازدياد البطالة في السوق الفلسطيني، والاعتماد على أسواق العمل الإسرائيلية. وإغراق الأسواق الفلسطينية بالبضائع المستوردة الأجنبية والإسرائيلية، على حساب المنتج الفلسطيني، وتذبذب الأسعار وارتفاعها واختلافها بين المناطق. وهكذا فإن الاحتلال وانتهاكاته، وتكرار الأزمات الناجمة عن احتجاز أموال المقاصة، ثم جائحة كورونا والقيود على الصناعة والزراعة والسياحة، كلها من أسباب تراجع الناتج المحلي، وانخفاض نصيب الفرد منه وبالتالي تراجع الاستهلاك.
وحين نتساءل عن كيفية تحقيق الهدف الثاني عشر من الأهداف التي حددتها الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، مع وجود الاحتلال وتداعياته، نلمس تأثيرات الاحتلال وقيوده المكبّلة على كل جوانب عمليات الانتاج والاستهلاك. على سبيل المثال، إحدى غايات الهدف الثاني عشر هي “الحد بدرجة كبيرة من إنتاج النفايات، من خلال المنع والتخفيض وإعادة التدوير وإعادة الاستعمال بحلول عام 2030” ، فكيف يمكن تحقيق هذه الغاية في مناطق الصراع؟ وعنصرية إسرائيل تسري على كل مجالات الحياة بما فيها العنصرية البيئية، هناك تقريبا 25 منطقة صناعية استيطانية تضم 29 منشأة في الضفة الغربية، تلقي بنفاياتها الضارة كالمواد الكيماوية السامة، على المناطق والتجمعات الفلسطينية بما فيها الأراضي الزراعية، وتُسرِّب مياه الصرف الصناعي والمنزلي من المستوطنات إلى مزارع الفلسطينيين ومواشيهم ومصادر مياههم، ما يمثل انتهاكا صارخا للقانون الدولي وحقوق الإنسان، ويشكل تلوثا حقيقيا وخطيرا على استهلاك الفلسطينيين واستخداماتهم للماء والتربة والهواء والغذاء.
جدير بالتذكير أن استهلاك الفرد الإسرائيلي للمياه أضعاف المواطن الفلسطيني، وبالتالي أثّر شُح ّالمياه على استدامة الانتاج الزراعي والصناعي الفلسطيني والاستهلاك المنزلي. عدا عن ارتفاع منسوب تلوث المياه خصوصا في قطاع غزة وانتشار الأمراض بسبب ذلك. وأدى إلى تفاوت حقيقي في استهلاك المياه حتى بين المناطق الفلسطينية.
ولا يمكن التخلص من ذلك التشوه في أنماط الانتاج والاستهلاك في فلسطين، دون إنهاء الإحتلال الاسرائيلي، وتعزيز المنتج الوطني والحد من استيراد المنتج الأجنبي، ونشر الوعي والتثقيف ابتداء من الأسرة، وانتقالا إلى كل فئات ومؤسسات المجتمع حول أنماط الاستهلاك الصحية والإيجابية، وتغيير العادات الاجتماعية السيئة في الاستهلاك. ووضع أنماط للتخلص من النفايات دون إلحاق الضرر بالبيئة الفلسطينية وإعادة تدويرها.
تحقيق الهدف الثاني عشر يتطلب تشكيل حراكات وطنية ودولية لمحاسبة اسرائيل على سرقتها للموارد الطبيعية والمواد الخام الفلسطينية، والتصدي لما تقوم به اسرائيل من القاء نفاياتها على المناطق الفلسطينية، على غرار الحركة التي انطلقت في السبعينات في الولايات المتحدة الامريكية، للتصدي للعنصرية البيئية التي مارسها الأغنياء البيض، بالقاء نفايات صناعاتهم السامة في تجمعات السود في مقاطعة وارن بولاية نورث كارولينا.
أصبح تحسين أنماط الانتاج والاستهلاك ضرورة ملحّة، للحد من المشكلات الناجمة عن الفقر والبطالة والحرمان، ولا بد من إعادة الاعتبار للتكافل والتماسك الاجتماعيّين، وللقيمة المهمة للزراعة في فلسطين لتعزيز الإنتاج من جهة، ولحماية الموروث الثقافي والهوية الوطنية من التهويد وسرقة الاحتلال من جهة ثانية، وبما أن اسرائيل تتحكم بمصادر الطاقة الفلسطينية وتحرم الفلسطينيين منهـا، لا بد من الاستثمار الحقيقي في الطاقة البديلة كالشمس والرياح في توليد الطاقة الفلسطينية، ووضع حد للممارسات الخاطئة لاستخدام الطاقة وتسريبها في المناطق الفلسطينية.
أخيرا، فلسطين ليست قضية تسول، ولو طبق القرار الدولي الذي يمنح فلسطين الحق في التصرف بمواردها الطبيعية، لوفّر المجتمع الدولي مليارات الدولارات من منح وقروض للشعب الفلسطيني. ولأعطيت فلسطين فرصة إثبات أنها دولة قادرة أن تكون في الصدارة العالمية، بالتطور والتقدم لولا الاحتلال المعيق الرئيسي للنهوض في القطاعات الفلسطينية وإقامة الدولة الفلسطينية وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
*ماجستير تنمية وحل الصراع
mat