هو السهل الممتنع
نشر بتاريخ: 2021-12-09 الساعة: 12:00
محمود أبو الهيجاء
كان له من اسمه كل النصيب، فهو حسن فعلا، وهو البطل بقدر ما انتصر في كل معاركه ضد النص الإعلامي الفاسد، ليظل نصه البليغ، أيقونة من أيقونات النص الإعلامي الفلسطيني، الملتزم بهموم قضيته وشعبه، بحثا وتحليلا، ونقدا، وتطلعا حضاريا، وبلغة استخرجها من بين أضلعه، وأسكنها مقام الحس على رؤوس أصابعه، وفي حبر قلمه السيال، ولم تكن هذه غير لغة هواه الفلسطيني، حتى كتب القصيدة. ولأن حامل الهوى تعب، تلوع حسن البطل في هواه، بقدر ما كان يتطلع دوما أن تكون محبوبته فلسطين، بأحسن أحوالها وحالاتها، لكي تمضي قدما في دروب الحرية، حتى نيل كامل استقلالها، وعودة المشردين من أبنائها.
هل ثمة معنى في كون حسن البطل كان بليغ السمع بعينه، لا بأذنيه ..؟؟ لا أشك في ذلك، وأقصد المعنى الدال على قوة الإرادة وتفتحها الذي يجعل من الإعاقة مهما كان نوعها صفرا على اليسار.
كل الذين كانوا يتحدثون مع حسن البطل، وأنا منهم، كانوا يتعلمون تحريك الشفاه على مهل، ليسمعها حسن بعينيه واضحة وبينة، وبقدر ما يتعلق الأمر بي في هذا السياق، كنت حينها أدرك الكلمة مذاقا طيبا، لطالما يظل ضائعا مع الكلام السريع، بل ويكون مرا مع الثرثرة، مع حسن لم تكن هناك ثرثرة، ولا كلاما يلقى على عواهنه، كل كلمة كانت تخرج بحركة الشفاه، كانت تخرج بكامل أناقتها وبأوضح معنى لها.
لقد أعطانا حسن البطل موهبة الحديث بحركة الشفتين، والأهم موهبة السمع الحميم، إذ حينما كان يتحدث كان لا بد أن تنصت جيدا كي لا تضيع أية كلمة مما يقول.
كائن من طراز العشب الذي يتفلت للحياة من بين الصخور، ودود وأنيس ونديم كمثل ندماء القصيدة، واضح كمثل فكرة طيعة، وديع المعشر، وقوي الشكيمة، وباختصار حسن البطل كان هو السهل الممتنع، روحا، وسلوكا، ونصا، وحكاية، كم سنفتقد هذا الجميل ... يا إلهي، كيف نبكيه، وبأي الكلمات نرثيه..؟ وهل نستطيع رثاء من طوع الكلمة في نص المقالة الصحفية حتى باتت شهية كحبة حلوى.
من المؤلم أني في عمان فلم أحضر جنازته، ولن أحضر مجلس عزائه، وعزائي أن صحبته الطيبة ستقوم بالواجب، إنا لله وإنا اليه راجعون.