معركة السموع..عبرة
نشر بتاريخ: 2021-11-14 الساعة: 11:55
فتحي البس
في الخامسة والنصف من صباح يوم 13/11/1966 عبرت أرتال الدبابات الإسرائيلية لتشارك مع أكثر من 400 جندي وأسراب من الطائرات حديثة الصنع خط هدنة 1948 للانتقام من قرية صغيرة وادعة "السموع" بحجة أن الفدائيين انطلقوا منها للقيام بعمليات في عمق الكيان الإسرائيلي. لم يكن في القرية سلاح ولا مسلحون، وكانت في حماية الجيش الأردني الذي تحرك لمواجهة المعتدين ودفع بسرب من الطائرات من طراز هوكر هنتر التي لا تقارن بكفاءة الطائرات الإسرائيلية، لكن طياريها يمتلكون الجرأة والشجاعة، قاتلوا وناوروا واستشهد منهم البطل موفق السلطي.
تفاصيل المعركة ونتائجها معروفة وكتبت شهادات كثيرة حولها، لكني توقفت أمام شهادة إبراهيم أبو هشهش، الطالب آنذاك في مدرسة مخيم الفوار، القريب من السموع، حيث شاهد وزملاءه جزءا من المعركة الجوية، يقول على صفحته في الفيسبوك وتحت عنوان "موفق بدر السلطي في سماء مدرستنا".
"….. وفجأة جاءت الطائرات، في البداية أثار ذلك حماسنا البالغ، لكن سرعان ما تحول ذلك إلى خوف، ثم إلى رعب؛ فقد أدركنا أن حربا تجري في سماء مدرستنا. لاحظنا أن مجموعة من الطائرات تطارد طائرة مختلفة في ألوانها وشكلها......
عادت الطائرات تحاصر الطائرة المختلفة، كان بعضها يرتفع أعلى منها، وهي تحاول أن تظل في طيران منخفض يجعلك تخال أنها سترتطم بالجبال، ثم ترتفع في حركة خاطفة فوق الطائرات الأخرى، ويحدث ما يشبه الكر والفر بينها وبين الطائرات، ثم تعود إلى الطيران المنخفض، وهكذا. ثم فجأة سمعنا زعيقا طويلا ورأينا دخانا يتصاعد من الطائرة المختلفة التي اتجهت في طيران خفيض نحو الشمال الشرقي، وسرعان ما اختفت،....وصلت البيت فوجدت أمي تتحدث مع الجارات عن موفق بدر السلطي الذي انسحب بطائرته المصابة محاولا الوصول إلى القاعدة في المفرق، ولكنه سقط في الخان الأحمر. صار اسمه يتردد على كل لسان... نزلت إلى الشارع فسمعت الرجال يتحدثون عن معركة السموع، لكن الحديث كان متركزا أكثر على المعركة الجوية التي دارت فوق رؤوسهم، وعن بسالة الطيار الشهيد وبراعته.. بعد يوم أو يومين مرَّت من أمام دكان والدي سيارات تحمل نساء من شمال الضفة ومن الكرك والسلط وإربد، عرف الناس ذلك من أغطية رؤوس النساء. رأيت لأول مرة نساء يضعن غطاء رأس بعصبة من الحرير الأحمر النبيذي يضفي عليهن مهابة جليلة، تخيلت أن كلا منهن هي زنوبيا ملكة تدمر التي كنت أرى صورة تمثالها النصفي في الكتب أو على طوابع البريد".
اخترت هذه الشهادة كمدخل للحديث عن مواجهة عسكرية غير متكافئة، فمثل ما حدث في السماء، حصل على الأرض، جنود شجعان، أبطال تصدوا للعدوان واستشهدوا، فجاءت أمهاتهم الذي تخيل أبو هشهش أنهن يشبهن زنوبيا ملكة تدمر، رمز التحدي والكبرياء، لتفقد المكان الذي روت دماء أبنائهن أرضه، فشاهدن الدمار الذي تركه العدوان، أكثر من مئة بيت مدمر، تكاد تكون معظم بيوت القرية، فبكين الشهداء والمكان، فكان غضبٌ تفجر في كل المدن والقرى، شرق النهر وغربه، احتفاء بالأبطال، واحتجاجا على عدم الجاهزية لمواجهة العدوان، ومطالبة بالتسليح للسكان، لأنه لو كان بأيديهم، لأوقعوا بالمهاجمين خسائر لا قبل لهم بها، تماما كما حصل لاحقا في معركة الكرامة، حيث اتحدت إرادة الجيش بإرادة الفدائيين، فكانت الهزيمة الأولى لجيش العدو الذي ظن أنه لا يقهر.
العبر من معركة السموع كثيرة، أهمها أننا يجب ألا نثق بأي اتفاقات هدنة، طويلة أو قصيرة مع جيش الاحتلال، ولا وعود بالدعم والحماية من قوات عربية مشتركة أو ما يشبهها، وأن سواعدنا إن اتحدت، كفيلة بهزيمة العدو، وأن الأردن وفلسطين، سيظلان هدفا للعدو على مدى الزمن، وأن وحدتهما في المواجهة مع المخططات الصهيونية هي فقط الكفيلة بحماية ارضهما وسمائهما ومستقبلهما.
روح البطل موفق بدر السلطي، وأرواح رفاق سلاحه، ستظل ترفرف في سماء الأردن وفلسطين، تدعو لتصليب جبهتهما المشتركة والتي تحافظ على فخر أمهات الشهداء بما تحقق على أرض المعركة وفي سمائها.