الرئيسة/  مقالات وتحليلات

الإسلام السياسي وإحباط فرصة التنوير والنهضة العربية

نشر بتاريخ: 2021-11-04 الساعة: 11:42

 

باسم برهوم


لا يختلف اثنان على أن حملة نابليون على المنطقة العربية، كانت حملة استعمارية، ولكن علينا أن نعرف أننا قبل هذه الحملة، لم يكن لدينا مطابع للكتب ولا صحافة ولا مدارس وجامعات بالمعنى الحديث للكلمة، باختصار لقد شكلت حملة نابليون أول اتصال عربي جدي بالحداثة، وبعصر التنوير في أوروبا. بعد هذا التاريخ وبفعل هذه الصدمة الحضارية، طرح أحد مفكري عصر النهضة العربية ألبرت حوراني السؤال النهضوي الكبير.. لماذا هم تقدموا ونحن تأخرنا؟
المقصود بحركة النهضة والتوير العربية، هي تلك الحركة التي بدأت بفعل الصدمة سابقة الذكر، وأصبحت نتائجها ملموسة مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، والتي بدأت الأمة العربية تدخل بخطى واثقة في عصر الحداثة، وأصبح لدينا مطابع وطباعة كتب، ولدينا صحافة وصحف وصحفيون وكتاب رأي، كما أصبح لدينا مدارس وجامعات حديثة، ودخلت إلى حياتنا أنواع مختلفة من الفنون، وشهد الوطن العربي نهضة أدبية في الشعر والرواية وإعادة كتابة التأريخ. وفي جوانب لا تقل أهمية عن ظهور الدولة الحديثة، سواء النظم الإدارية، أو تكريس مبدأ القانون، ودخلت الصناعات الحديثة، وتطورت البنى التحتية وطرق الاتصال والمواصلات. 
 ولعل الأهم من كل ذلك، النهضة التي شهدتها اللغة العربية، وظهور الثقافة العربيّة المشتركة، وبالتوازي مع النهضة الفكرية والثقافية في مجالات الأدب واللغة، ظهرت ثقافة سياسية، تجمع بين رغبة العرب كأمة موحدة، وبين الرغبة ببناء نظم سياسية ديمقراطية، كما انتشرت ثقافة الحرية والاستقلال والمساواة بين كل أفراد المجتمع، وبالتحديد النهوض بواقع المرأة العربية، فظهرت الحركات النسوية، والمرأة الشريك في القرار السياسي، بعد أن تمتعت بذات الفرص في التعليم والعمل.
وفي الفترة من نهاية القرن التاسع عشر، وحتى سبعينيات القرن العشرين، امتلك العرب كل المقومات النهضوية، برز خلالها كبار المفكرين والشعراء والسينمائيين والرسامين والنحاتين، وبالفعل كان أمل الأمة بالنهوض كبيرا.
السؤال ما الذي حصل وأحبط هذه الفرصة التاريخية لنهوض الأمة العربية؟ ما الذي حدث لنصل إلى ما آلت إليه أمورنا من انحطاط ودمار وتمزق، وأن نصل إلى لحظة فيها دول عربية عديدة مدمرة وفاشلة؟ 
هناك مجموعة من الأسباب والعوامل التي أدت إلى إحباط النهضة وحركة التنوير، ويمكن تقسيمها إلى خارجية وداخلية، موضوعية وذاتية.
من دون شك أن أحد أهم الأسباب الخارجية هو تلك الأطماع الاستعمارية الإمبريالية، التي أرادت ولا تزال تريد إبقاء المنطقة بموقعها الإستراتيجي وما فيها من ثروات تحت هيمنتها، وبالتالي هذا التناقض الأساسي إمكانية بين النهوض العربي والهيمنة. أما الأسباب الداخلية فهي تعود إلى وجود أنظمة سياسة عربية إما محافظة، أو عسكرية دكتاتورية، وكلا النوعين لم يكن ملائما له لا النهضة ولا التنوير، ولا حرية الرأي والتعبير، ولا تأسيس نظم سياسية تستند إلى مبدأ العقد الاجتماعي، وتداول السلطة، وجود هذه الأنظمة كان في الغالب مفيدا للهيمنة الاستعمارية، فكانت المصالح المشتركة في كبح جماح التطور والنهوض.
ولعل وجود إسرائيل ومشروعها الصهيوني التوسعي هو العامل الأكثر خطورة والذي قاد إلى كل التداعيات التي منعت حالة النهوض المشار إليها كي تبلغ أهدافها، أن تكون هناك أمة عربية حديثة متطورة وعصرية...!! وجود إسرائيل وما نجم عنه من سلسلة طويلة من الحروب واستنزاف لمقدرات التنمية، وجود إسرائيل الذي استغلته بعض الأنظمة العربية لقمع الجماهير وإسكاتها وتبرير انقلاباتها العسكرية.
أما العامل الذي لا يقل خطورة عن العوامل السابقة فهو ظهور حركات الإسلام السياسي، التي بحجة مواجهة موجة "التغريب" في النصف الأول من القرن العشرين، بدأت بنخر المجتمعات العربية واستخدمت كل أشكال الإرهاب الفكري، خاصة سيف التكفير، تكفير الأفراد والمجتمعات، ودخلنا في موجات متتالية من العنف وسفك الدم العربي بأيد عربية.
إن خطورة الإسلام السياسي هو في سيطرته على عقل المحتمع، وخطف هذا العقل ليعيش في الماضي أكثر من عيشه في الحاضر، وتفكيره بالمستقبل. وبأمر من الدوائر الاستعمارية وتواطؤ الأنظمة سيطر الإسلام السياسي على جهاز التعليم، مناهج وهيئات تدريسية وإدارات الوزارات. بعد ذلك بعقدين من الزمن أو أكثر قليلا كانت الأفكار النهضوية قد مسحت من العقل العربي، وكان من أبرزها أيضا السيطرة على عقل المرأة لكونها بالنسبة للإسلام السياسي المكمل لدور المدرسة الاخوانية في البيت للسيطرة على عقل الأجيال.
إلى اين أخذت حركات الإسلام السياسي الأمة العربية؟ لقد حققت هذه الحركات الأهداف الأهم للصهيونية والاستعمار، فقد أدخلتها إلى الظلامية والتفكك والتمزق، والأهم المساهمة الفعالة في إحباط تحقق النهضة العربية.

mat
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024