وعد بلفور شرارة الحروب الدينية والصراعات الدموية
نشر بتاريخ: 2021-11-02 الساعة: 10:52
موفق مطر
لا عجب ولا غرابة من فعلة مندوب منظومة الاحتلال الاستيطاني العنصري الإسرائيلي المشينة على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، فهذا المندوب الذي مزق ميثاق المجلس الأعلى لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، أمام بصر ممثلي الدول الأعضاء إنما يعكس طبيعة حكومة المنظومة التي أنشئت بقرار من الأمم المتحدة بعد جملة إرهاصات وإعدادات هيأتها الإمبراطورية الاستعمارية آنذاك بريطانيا العظمى منذ وعد بلفور عام 1917، حيث منحت المنظمة الصهيونية وعدا بإنشاء ما سمي الوطن القومي لليهود في فلسطين، فهذه المنظومة ما أنشئت ومنحت سمة دولة إلا لتؤدي وظيفة استعمارية في فلسطين قلب الوطن العربي ومركزه الإستراتيجي تحت يافطة "الوطن القومي"، لذا من البديهي أن يكون مندوبها عاقا، ناكرا، جاحدا لا قيمة للشرائع الإنسانية والقوانين الدولية لدى منظومته، ليس هذا وحسب، بل يعتبرها خطرا يمس تكوينها المتشكل من مجموعة من الجرائم ضد الإنسانية كالاستيطان والاحتلال والإبادة والتطهير العرقي والأبرتهايد، أما عن أدواتها فنعتقد أن سجلات المجازر الدموية بحق الشعب الفلسطيني بمدنه وقراه والموثقة في أرشيف الأمم المتحدة كافية ليس لطرد هذه المنظومة من الأمم المتحدة وحسب، بل العمل بجدية على تفكيكها وإعادة الحق لأصحابه الأصليين (الشعب الفلسطيني) لأنها قنبلة موقوتة مزروعة في مركز العالم الحضاري والمقدس للمؤمنين في أقطاب الأرض كافة، ستنفجر عند أول شرارة تشعل حربا دينية في المنطقة، سعت هذه المنظومة لتهيئة كل أسبابها عندما وفرت أسبابها وبيئتها بالاحتلال والاستيطان وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وتحاول فرض صيغتها الدينية على المنطقة والعالم، في ظل انتشار صيغة الدولة الديمقراطية في العالم عموما، والدولة الوطنية الديمقراطية في الوطن العربي.
مرت مئة وأربع سنوات على الجريمة ضد الإنسانية التاريخية غير المسبوقة التي ارتكبتها دولة الانتداب والاستعمار (بريطانيا العظمى) والمعروفة لدى محكمة التاريخ بملف (وعد بلفور) حيث يمكننا اعتبار الثاني من تشرين الثاني/نوفمبر من العام 1917 تاريخ ابتداء مأساة ونكبة الشعب الفلسطيني التي استكملت بعد واحد وثلاثين عاما من تمكين المنظمات الإرهابية الصهيونية من صك إنشاء دويلة على أرض الشعب الفلسطيني التاريخية واغتصاب جزء كبير وهام وحيوي من وطنه فلسطين لصالح هذا المشروع الاستعماري الوظيفي (إسرائيل) فثبت للقاصي والداني ولكل باحث عن الحقيقة في طيات التاريخ أن روح القانون الدولي قد انتزعت وأجهضت حتى قبل نظم أي كلمة أو نص فيه، فذهبت كل محاولات نفخ الروح فيه سدى، فالدول الاستعمارية ما زالت تستخدم المنظومة الصهيونية لتحقيق أهدافها في الحفاظ على مصالحها، فيما الضحية هو الشعب الفلسطيني الذي ساهم في تشكيل وجه ومضمون المنطقة حضاريا ومنحه ميزات تاريخية غير مسبوقة.
ما ميز الجريمة الأفظع في تاريخ البشرية أن هذا الوعد البريطاني قد أسس وأرهص لفصول دموية وسلسلة مجازر بحق المواطنين الفلسطينيين المدنيين الأبرياء ارتكبتها المنظمات الصهيونية اليهودية الإرهابية تحت بصر وسمع سلطتها الاستعمارية في فلسطين بقصد تفريغ أرض فلسطين من شعبها ذي الأصول العميقة جدا جدا في التاريخ والجذور الحضارية، واستبداله بيهود تم اقتلاعهم من مجتمعاتهم الأصلية من بقاع الأرض وجلبهم إلى أرض وطننا فلسطين، ليس حبا باليهود وإنما لاستخدامهم كأدوات صدامية مع الشعب الفلسطيني والشعوب العربية المجاورة، فيما تعود نتائج الحروب لصالح المنظومة الاستعمارية العالمية التي تداولت على تشغيل منظومة إسرائيل لصالحها.
لقد تصدى الشعب الفلسطيني وفجر ثورات متتابعة لمنع تطبيق هذا الوعد، وما زال حتى اللحظة يقاوم منظومة إرهاب عنصري وأبرتهايد تحمل مسمى دولة عضو في الأمم المتحدة لكنها لا تعير شريعتها أي احترام، بل على العكس تحاول وبتشجيع من دول استعمارية كبرى البقاء في موقع المتمرد الخارج على القانون الدولي، والمواثيق الأممية، ونسف جسور السلام وتدمير المبادرات في مهدها أيا كان مصدرها.
آن الأوان لتكف بريطانيا العظمى - صاحبة (الوعد الجريمة ضد الإنسانية) – عن الإمعان في جريمتها التاريخية، ورفع يدها والإقرار بجريمتها، وإبداء المواقف العملية الدالة على نية حقيقية لتصويب مسار قادتها وساستها التاريخي، الذين تسببوا بسفك دماء الشعب الفلسطيني منذ أكثر من مئة عام، ذلك أن الشعب الفلسطيني لن يغفر ما دام الساسة البريطانيون لا يريدون الاعتراف بحقوقه التاريخية والطبيعية في أرض وطنه فلسطين وأقلها الاعتراف بدولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران من العام 1967، وأخطر ما في عناد هؤلاء الساسة أنهم يعلمون جيدا أنهم يتحملون أولا وأخيرا مسؤولية صراعات وحروب دينية بين شعوب ودول المنطقة، تبدو اليوم مفتوحة على كل الاحتمالات بلا حدود زمنية.
تعمل منظومة الاحتلال (إسرائيل) التي اخترعوها وأنشأوها على تعميمها في كل مكان من الوطن العربي، وحتى في دول المنطقة، ظنا أنها تملك دعما من الدول الاستعمارية يمنعها من الاحتراق بنارها.
mat