الرئيسة/  مقالات وتحليلات

لا يستطيع احد ركوب ظهرك الا اذا انحنيت

نشر بتاريخ: 2021-10-21 الساعة: 12:56

 

الكاتب: عيسى قراقع

 

انتم هنا بالخطأ، انتم أعداء، وخسارة ان ديفيد بن غوريون قائد الحركة الصهيونية وأول رئيس وزراء في إسرائيل لم يكمل المهمة، كان عليه طرد كل الفلسطينيين من البلاد، هذا ما صرح به عضو الكنيست الإسرائيلي المتطرف سموترتيش لأعضاء الكنيست العرب يوم 15/10/2021.
هذه الاقوال العنصرية المستندة الى مذكرات بن غوريون الذي قاد النكبة الفلسطينية عام 1948، وقاد عملية التطهير العرقي والعصابات الصهيونية التي ارتكبت المجازر وعمليات الطرد والقتل والنهب والاستيلاء على ارض فلسطين في افظع كارثة إنسانية حلت بالشعب الفلسطيني.
هذه الاقوال هي السياسة الرسمية الإسرائيلية المتواصلة حتى الآن، الحرب على الرواية الفلسطينية والحق الفلسطيني التاريخي في ارضه، هي عقلية الاستيطان والجرافة والهدم والتهويد والعزل والقتل ومحو خارطة فلسطين ارضا وشعبا وثقافة ووجود.
لقد أسست الحرب والمذبحة دولة إسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني، ولكن الإبادة الأخطر التي تجري وتتواصل هي على الهوية الوطنية الفلسطينية، طمسها والغائها واسكاتها ككينونة وحقوقا راسخة جذورها في الماضي والحاضر وغدا في عقول الأجيال، فلا غرابة من تقطيع أشجار الزيتون القديمة، ونبش قبور اجدادنا وسرقة تراثنا وحكايتنا حتى لا يبقى منا سوى الخراب.
بقاؤنا وصمودنا بعد كل هذه النكبات والويلات اصبح بالنسبة لهم خطأ، ويجب تصحيحه بمطاردة اشباحنا وتبخير اجسادنا وإقامة عالمهم الاستعماري فوق عالمنا حتى تتطابق اساطيرهم مع لاهوت مسلح وعدهم ان يعودوا غزاة على ارضنا، ليمسحوا ضوءنا وحقيقتنا، ويؤسسوا مملكتهم فوق اجسادنا ورائحة خبزنا.
تصفية السكان الفلسطينيين الأصليين لم تعد كافية وانما يجب تصفية الذاكرة والثقافة الوطنية الفلسطينية لاستكمال المشروع الصهيوني الاحلالي وانكار أي حقيقة زمنية للتاريخ الفلسطيني وتجريد فلسطين من أية أهمية معرفية زمانية ومكانية.
الحروب العسكرية الإسرائيلية الدموية لم تصل الى نتيجة، لهذا يجب تصفية الطابو الفلسطيني، شهادة الميلاد، التاريخ المكتوب، التاريخ الشفوي، الحكاية المتداولة، الموال والقصيدة والكتاب والنشيد والذاكرة، فموت الذاكرة هو اخطر أنواع الموت، ومن لا ذاكرة له لا وطن له.
لم يكتف الصهاينة بنهب كنوزنا الثقافية والفكرية والمادية خلال النكبة والنكسة، سرقوا صورنا والبوماتنا وطوابيننا واصوات اسلافنا واعشاب غزلاننا ووردنا الجبلي، سرقوا مخطوطاتنا ومذكراتنا وما خربشته اصابعنا على موج البحر، وما نقشته ازاميلنا على الحجر، وما بقي من صلواتنا في الكنائس والجوامع من ترانيم وصلاة، سرقوا رسائلنا الى حبيباتنا وتركونا في الرحيل بلا مواعيد لا في البيت ولا في الحقل ولا في المنفى.
يجب ان تبقى الأرض خالية من الناس ومن الكتاب ومن الذكريات ومن الدروس في المدرسة حتى تتحقق ارض الميعاد، لهذا فالعدوان والتحريض على مناهج التربية والتعليم الفلسطينية ليست مسألة عابرة، لان المدرسة الفلسطينية لا تلتقي مع الخندق الإسرائيلي، وتعاليم العسكر المحتلون لا تستطيع منع تعاليم الحالمين بالحرية وحق تقرير المصير.
التحريض الصهيوني على المناهج الفلسطينية يستهدف الغاء شرعية الفلسطينيين على ارضهم واعلاء شأن الرواية الصهيونية الاستعمارية وتجريد الفلسطينيين من وطنهم، لا وجود للفلسطينيين، انهم البدائيون اللصوص والمتخلفون والمجرمون، وكما قال الزعيم الصهيوني بيغن: اذا كانت هذه فلسطين وليست ارض إسرائيل فإن الفلسطينيين هم المحتلون.
ممنوع ان نعلم في كتبنا المدرسية عن الشهداء والأسرى والجرحى، ممنوع ان نحفظ أسماء مدننا العريقة حيفا وعكا واللد والناصرة، ممنوع ان نتحدث عن القدس عاصمة دولة فلسطين، ممنوع ان نتحدث عن المجازر الصهيونية وجنازات الشهداء وزيارة عوائلهم، ممنوع ان نطلق أسماء قادتنا ورموزنا على الميادين والشوارع والمؤسسات، ممنوع ان نقرأ حكايتنا اليومية، الموت على الحواجز، الاعتقالات الليلية، ممنوع ان نصل الى حقولنا، ممنوع ان نولد ثانية من غيابنا ونستعيد اسماءنا من العتمة والسجون.
المعاهد البحثية الإسرائيلية والتحريض السياسي وتسخير كل الإمكانيات المادية والبشرية والدعائية أصبحت مسخرة لتقصي الكتب المدرسية والمناهج التعليمية الفلسطينية، والهدف الأساسي نزع الشرعية عن كل محتوى هذه المناهج، المقاومة، الامل، الصمود بهدف الترويض والتطويع والاستسلام للامر الواقع، انها الحرب على الوعي والادراك والتفكير واقتناص الدماغ الفلسطيني.
ان دور نظام التعليم الإسرائيلي هو نزع الصفة الإنسانية عن ثقافة السكان الأصليين وأسلوب حياتهم بما يشمله التحكم في الرموز الوطنية والثقافية، وان دولة إسرائيل صممت مناهجها لغرس الشعور باحتقار الذات والدونية في نفوس الشباب العرب وسلخهم عن انتمائهم الوطني ونزع ارتباطهم في فلسطين.
الحرب على الثقافة الفلسطينية وتحوير الوعي الفلسطيني يقول: عليك ان ترى من يقتلع أشجار الزيتون ويبني المستوطنات على ارضك فلا تغضب ولا تنهض ولا تقذف حجرا ولا تدافع عن شرفك وكرامتك، وعليك ان ترى المداهمات والاعتقالات والاعدامات وفي نفس الوقت لا تراهم، عليك ان تخترع مصطلحات أخرى لوصف اعمال وممارسات الاحتلال، ليكن لديك لغة ناعمة او اقنعة تجميلية او تبريرات لا تساهم في وقف الجريمة او المذبحة، اشطب درس المقاومة عن اللوح، وامسح تلك القصيدة التي تفجر مظاهرة، اشطب كل ما يتعلق بحق عودة اللاجئين، لا تحفظ خارطة فلسطين وحدودها، ليس لك غد ولا امس.
الاتحاد الأوروبي الذي يتساوق مع التحريض الإسرائيلي والامريكي على مناهج التعليم الفلسطينية وشكل لجنة تحقيق تستهدف فقط المنهج الفلسطيني، يمارس الابتزاز المالي على السلطة الفلسطينية حيث يضع شروطا للتمويل مقابل تغيير في المناهج وفق الرواية الإسرائيلية.
الاتحاد الأوروبي يستجيب للنظرية الصهيونية التي تستهدف تجريم النضال الوطني الفلسطيني، ومصادرة فلسطين معرفيا وجغرافيا واسكات التاريخ الفلسطيني بالقوة، وان تاريخ وجغرافيا فلسطين هي تاريخ وجغرافيا إسرائيل ارض التوراة كما يزعمون.
الاتحاد الأوروبي الذي يناقض نفسه من خلال دعواته لتطبيق القانون الدولي واتفاقيات جنيف واحترام قواعد ومعايير حقوق الانسان في الأراضي المحتلة يساهم في تكريس وتعميق الاحتلال من خلال مساهمته في تعميم التاريخ التوراتي المشوه والمختلق كبديل للتاريخ الفلسطيني.
الاتحاد الأوروبي الذي يستخدم المال للمقايضة والضغط على السلطة الفلسطينية، لا يدرك انه يشجع على بقاء وتخليد الاحتلال وتحرير المحتلين أخلاقيا من جرائمهم وارهابهم من خلال تدجين المدارس وفرض التصورات الاسرائيلية عليها والمصادقة على الرواية الإسرائيلية، انه يساهم في دعم الخطاب التوراتي الصهيوني المهيمن ونفي الوطنية الفلسطينية.
هل اصبح الاتحاد الأوروبي شريك في دعم الاحتلال من خلال ما يسمى بالتمويل المشروط للمؤسسات الاهلية والرسمية في فلسطين؟ والتي يشترط عليها ان لا تدعم مقاومة الاحتلال لا سلميا ولا فكريا ولا إعلاميا ولا عسكريا ولا اجتماعيا ولا إنسانيا، هي أعلنت ان المستوطنات غير شرعية، وفي نفس الوقت يجب عدم مقاومة المستوطنين، هي أعلنت ان إسرائيل تحولت الى دولة تمارس جريمة الفصل العنصري في الأراضي المحتلة وفي نفس الوقت يجب عدم مقاومة هذا النظام الخطير الذي حول الفلسطينيين الى سجناء وعبيد في معازل وكنتونات.
الاتحاد الأوروبي اعلن عن مقاطعة منتوجات المستوطنات الإسرائيلية وفي نفس الوقت فان العشرات من المؤسسات المالية الأوروبية تقوم بتمويل شركات التوسع الاستيطاني في فلسطين والاستثمار في المستوطنات ودعم الجمعيات الاستيطانية المتطرفة، وان إسرائيل بالنسبة للاتحاد الأوروبي هي الدولة المفضلة، ابرمت معها الشراكة والاتفاقيات التجارية والاقتصادية والتي لم تجرؤ حتى على تجميدها امام استمرار انتهاكات حقوق الانسان الفلسطيني.
الاتحاد الأوروبي يتساوق مع القوانين والتشريعات الإسرائيلية ومع اتفاقية الاطار التي وقعت بين اميركا ووكالة غوث اللاجئين التي تعتبر كل اسير وشهيد فلسطيني مجرم وارهابي، وان عمليات القرصنة لأموال الشعب الفلسطيني التي تقوم بها إسرائيل تحت هذا الادعاء يشبه تماما سياسة الابتزاز المالي وشروط الدعم التي يمارسها الاتحاد الأوروبي على المؤسسات الفلسطينية في الأراضي المحتلة.
الاتحاد الأوروبي لم يفتح تحقيقا حول مناهج التدريس الإسرائيلية ومحتواها، الاقصاء المتعمد لكل عربي وفلسطيني، الاوصاف السلبية البغيضة وروح العداء والكراهية لكل فلسطيني، تجريد الفلسطيني من انسانيته، تربية التلاميذ اليهود في مدارسهم كي يصبحوا جنودا حاقدين ومتوحشين، ينظرون للفلسطينيين كأغيار ودونيين وحقراء.
صفقة القرن الأميركية في عهد ترامب بكل ما حملت من مشاريع اقتصادية ورفاهية واموال على حساب الكرامة والحقوق السياسية لم تستطيع ان تجعل الفلسطيني ينحني ويستسلم، حجز أموال الشعب الفلسطيني فترات طويلة وتجويعه لم تجعل الفلسطيني يركع ويخضع، فرؤوس الفلسطينيين دائما في الأعلى ليس عبثا.
في مدارسنا سيبقى النشيد الوطني الفلسطيني صادحا عاليا كل صباح، وفي مدارسنا نتعلم تاريخنا منذ عهد الكنعانيين حتى عهد ياسر عرفات قائد الثورة الفلسطينية المعاصرة، وفي مدارسنا سنتعلم قصائد أبو سلمى وإبراهيم طوقان ومحمود درويش ومعين بسيسو وتوفيق زياد ووثيقة الاستقلال، ومن مدارسنا سنخرج الى الساحات والمظاهرات، سنزور عوائل الشهداء والأسرى، وفي مدارسنا سنرسم خارطة فلسطين من البحر الى الصحراء ونلبس الكوفية السمراء، وفي مدارسنا سنعمر الذاكرة بتاريخنا الماضي والحاضر ونمشي بخطوات واثقة الى المستقبل.
لن ننحني حتى لو تم قتلنا كما قتل الناشط الحقوقي الأمريكي المفكر مارتن لوثر وهو يقول:
لا يستطيع احد ركوب ظهرك الا اذا انحنيت، فلا تنحني...

mat
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024