من المؤكّد أنّه ليس حمارًا
نشر بتاريخ: 2021-10-18 الساعة: 13:39
محمّد علي طه
"أنتم هنا بالخطأ لأنّ بن غوريون لم يُنهِ العمل ولم يَرمِكم في العام 1948!!"
هذا الكلام الخطير لم يتفوّه به شابّ أزعر من جمهور فريق "بيتار القدس" أو من زعران شبّان التّلال الّذين يعيثون فسادًا وعنفًا في الضّفّة الغربيّة المحتلّة، بل تفوّه به النّائب بصلئيل سموطريتش، رئيس قائمة الصّهيونيّة الدّينيّة في جلسة الكنيست يوم 14 تشرين الأوّل 2021 مخاطبًا النّوّاب العرب، واعتقد أنّه كان يخاطب مليونيّ عربيّ فلسطينيّ في الجليل والمثلّث والنّقب والمدن السّاحليّة.. كان يخاطبني وأبناء جيلي، ويخاطب أولادنا وأحفادنا!!
"بن غوريون لم يُنهِ العمل" أي لم يطرد المئة والخمسين ألف عربيّ فلسطينيّ الّذين بقوا منغرسين في وطنهم مثلما طرد 750 ألف عربيّ من القدس ويافا وحيفا وعكّا وطبريّا وصفد وبيسان ومئات القرى الّتي محوها عن الخريطة.
"لم يرمكم!!" كأنّنا سقط المتاع!!
وهذا الكلام ذكّرني بتعبير شاعَ بعد النّكبة في مدننا وقرانا الصّامدة حينما كان جيش الاحتلال الإسرائيليّ يحاصر بلداتنا ويجمع أهلها في السّاحات العامّة ويعتقل بعض الرّجال ويُلقي بهم وراء الحدود فيقال بسخرية مُرّة "كبّوهم عَ جنين.. كبّوهم ورا الحدود!!".
ومن الجدير ذكره أنّ هؤلاء الرّجال كانوا يعودون سرًّا ومشيًا على أقدامهم إلى بلداتهم. وكم رجلٍ مات في أثناء العودة برصاص الجنود أو مغروسًا في تراب مرج ابن عامر الموحل في فصل الشّتاء!!
النّائب سموطريتش الّذي يعتبر بقاءنا خطأ تاريخيًّا ويسعى لتصحيح هذا الخطأ ليس وحيدًا في الكنيست أو في المجتمع الإسرائيليّ العنصريّ بغالبيّته بل يمثّل قطاعًا كبيرًا، منه النّاطق ومنه الصّامت، وعندما نطق بفمّه أو من عضو آخر من جسده لم يشجب هذا الكلام حزب صهيونيّ آخر. والسّكوت علامة الرّضا كما قال أجدادنا.
وسموطريتش هذا الّذي يريد البلاد خالية من العرب كان وزيرًا في حكومة سيّد التّحريض بنيامين نتنياهو.
لم يكن كلام سموطريتش جديدًا بل كان قد خاطب أحد النّواب العرب في شهر نيسان الماضي عندما تشكلّت حكومة التّغيير الّتي بدون تغيير، قائلًا: "العرب مواطنو إسرائيل مؤقّتًا، ولهم ممثّلون في الكنيست مؤقّتًا". كما منع حزب الليكود وبنيامين نتنياهو من تشكيل حكومة تعتمد على القائمة الموّحدة على الرّغم من أنّ رئيس هذه القائمة زار الحاخام العنصريّ دروكمان الأبّ الرّوحيّ للصّهيونيّة الدّينيّة كي يحظى على بركته، وقد كتب هذا السّموطريتش "يجب أن يعرف المسلم الحقيقيّ في هذه البلاد أنّ أرض إسرائيل ملك لشعب إسرائيل، وكلّ مواطن عربيّ لا يعترف بذلك لن يبقى هنا!!"
من المؤكّد أنّ هذا النّائب ليس حمارًا كما زعم أحدهم هو يعرف أنّ العربيّ الفلسطينيّ سواء كان مسلمًا أو مسيحيًّا أو درزيًّا لن يبقى في وطنه إذا ما اعترف بأنّ فلسطين ملك لشعب إسرائيل.
عرفنا كثيرين من هذه "الماركة" مثل كهانا وزئيفي والجنرال الصّراصيريّ وغيرهم.
عرفنا المجازر في الطّنطورة وعيلبون وعيلوط وكفرقاسم ويوم الأرض وهبّة الأقصى..وغيرها!!
وصمدنا وبقينا وأنجبنا الأولاد جيلًا وراء جيل، منتصبي القامات ومرفوعي الهامات، علماء وصيادلة وأطبّاء وفنّانين ومحامين و.. وخمسة في عين الحسود!!
"حفي لساني" وأنا أكرّر بأنّنا ما زلنا نخوض ملحمة البقاء والصّمود عسّى أن يفهم الّذين يهندسون قصورًا على الرّمال.