الرئيسة/  مقالات وتحليلات

المرأه عاطفیة والرجل عقلاني: حقیقة ام ثقافة؟

نشر بتاريخ: 2021-10-10 الساعة: 12:06

 

بقلم: أ. منیرفا قسیس جرایسة

جملة نكرر استخدامها كأداةٍ لتعزیز الفوارق بین الرجال والنساء في إطار نفس المجتمع ونفس العائلة، جملة تحمل في طیاتها حكایة إقصاءٍ وعزلٍ للنساءِ وتُحرّر الرجالَ من كل القیود، فأصبحوا في المقدمة دائمًا في اتخاذ القرار السیاسي والاقتصادي والاجتماعي واعتبر مهمتهم دون غیرهم، بل وبقیت النساء في هامش المكان الثاني، أي في ظلال الرجال، بل وانطلاقتها كامرأة أو انسحابها مرتبطٌ وتوجهات المجتمع وهذا الرجل المنفتحة أو المنغلقة تجاهھا، ودرجة إیمانه بقدراتها وإمكانیاتها في المشاركة في مجالات الحیاة المختلفة أم لا.
في هذه المقالة، وددت أن أقدم تحلیلاً ومقارنةً بسیطة لمعنى العاطفة في تفاصیل حیاتنا كنساء ورجال، ومصادر جذورها الاجتماعیة: فما هي العاطفة؟
” العاطفة” هي خبراتنا الانفعالیة التي تُوصل مشاعرنا للآخرین، وغالبًا ما تحمل هذه العاطفة وظیفة الحمایة لنا، فهي تتضمن نوعًا من الاستجابات الآلیة اللاإرادیة للمواقف التي تُحفزنا لنكون أكثر جاهزیة للاستجابة لها، والتي
نعیشها سواءً بالتزام الهدوء أو الهروب من الموقف أو اتخاذ حیل الدفاع المختلفة عن أنفسنا، وهي موروثة في الدرجة الاساسیة عند جمیع البشر مع بعض الفروقات الفردیة ، والتي تتضمن عاطفة الخوف والغضب والابتهاج والحب…..، وتحمل العاطفة صفة العمومیة في دورها في حیاة كل فرد فینا، فهي في النهایة تُساهم في تشكیل إدراكنا وتصوراتنا لذواتنا وللآخرین وتساهم في بناء معظم مشاعرنا نحو ما یحیط بنا وتشكیل طرق تواصلنا معهم حیث تلعب ثقافة المجتمع دورا اساسیا في هذا المجال.
أما مدخل التفسیر السائد لمعنى “العاطفیة” فیكمن في عملیة ربطها بإلغاء مفهوم العقلانیة والمنطق، وأیضاً بكونها فقدان للسیطرة على الذات والمشاعر، ومن ثم إلصاق ھذه الصفة بالنساء فقط من قبل من یقوم بالتمییز ضدهن رجالاً كانوا أم نساء.
لو انطلقنا من ھذا التفسیر غیر الدقیق لمعنى ” العاطفة” والمُستخدم كعادته لتعزیز الفوارق الاجتماعیة، ووجها تركیزنا نحو المنطق والعقلانیة في ملاحظة ونقاش بعض المؤشرات الموجودة في محیطنا وتحلیل نتائج الدراسات المتعلقة بهذا المجال على سبیل المثال قضیة العنف بشكل عام، لوجدنا أن من یُعنّف أكثر ھم الرجال، والحجة هي عدم القدرة على ضبط انفعالاتهم توترهم وغضبهم على عائلاتهم، نساءً واطفالاً. وغالبًا ما تُشجَع النساء المعنفات على مُسایرة المعنف، والتغاضي عن أخطائه وهفواته الدائمة لأنه (رجل)، ” فالرجال غیر قادرین على التحكم دائمًا بأعصابهم”، وھنالك العدید من المؤشرات على فقدان الرجال ھذه السیطرة الممنهجة. وبدون اللجوء إلى التعمیم، تظهر هذه السلوكیات بكل تفاصیلها في حیاتنا الیومیة، كقیادتهم للسیارات في الشارع وإدارتهم للخلافات
مع الاخرین وتواصلهم في إطار العائلة.
لنلقي الضوء أكثر على ھذه المرأة المتهمة بعاطفیتها باعتبارها من نقاط ضعفها…. خصوصا أثناء قیامها بمهمات عده في نفس الوقت، سواءً داخل المنزل أو خارجه حیث تسود المرونة والجاھزیة والتنظیم العالي لدى المرأة في
أداءھا للأدوار المتعددة المفروضة علیها والمتوقعة منها اجتماعیًا. لقد أثبتت العدید من الدراسات العلمیة قدرات النساء في ھذا المجال ارتباطا بوجود مناطق تركیز متعددة في الدماغ تستطیع من خلالها أداء العدید من المهام في
نفس الوقت بتركیز عالي رغم كونها مرهقة جسدیا، دون أن تؤدي ھذه المهام إلى التوتر والشعور بالضغط أو الغضب بالمقارنة مع الرجال.
ان عدم قدرتنا المجتمعیة على إعادة صیاغة مفهوم ” الرجولة” الحقیقیة والتي تم تضلیل المجتمع بأفكارٍ تحجب الأضواء عن نقاط ضعف الرجال وآلیة إسقاطهم لحالة الضعف والكبت الممنهج لعاطفتهم، وانعكاسه على سلوكیات تجلّت بأشكال عنفٍ وسیطرةٍ وتحكمٍ على من یُعتقد أنهم ضعفاء كالنساء والأطفال، وفي حقیقة الأمر فقد غاب عنّا المعنى الحقیقي ” للرجولة” في كونها تكمن في الحكمةِ والصبرِ وضبط النفسِ والابتعادِ عن ردّة الفعل العشوائیة والتي لا تُعبر إلاّ عن هشاشةٍ ممنهجةٍ ثقافیا تهدفُ إلى إقصاء النساء وتُبقي الحیّز فارغًا فقط للرجال.
إنّنا نُدرك الاختلاف البیولوجي الذي نولد به مع كل الفروق الترشیحیة بین الذكور والإناث، ھذه الفروق التي یحكمها، بلا شكٍ، المنطق العلمي البحت، بل ومن الجید الإشارة إلى اعتزازنا بهذه الفوارق كنساء ورجال لكن، یجب أن لا نهمل حالة المنطق الظاھرة في الدور الذي تلعبه الثقافات المختلفة في بناء شخصیة كل من الرجال والنساء، حیث یبرز التفاوت في الادوار التي تؤدیها النساء في المجتمعات الأفریقیة والعربیة مثلا, ویبرز ایضا طبیعة الاتجاهات التي یتم تعبئتنا بها عِبر عملیة التنشئة الاجتماعیة، وفي بناء تصوراتنا نحو ذواتنا وعملة التشكیل لهویتنا الجنوسیة، وبالتالي في تحدیدنا لمفهوم ” الرجولة” بشكل خاص، والتي رُبط بها كل معاني القوة والصلابة والصمود أمام أزماتٍ وتحدیاتِ الحیاة خصوصا في اطار الثقافة العربیة، فهو ( أي الرجل) ربان السفینة لأسرته ومجتمعه، حیث یتم تدریب الطفل الذكر في اطار الثقافة التقلیدیة على كبت عاطفته خصوصًا مشاعر
الخوف والحزن، وتحویلها الى داخله، ویتعلم أن لا یُخرجها إلى العلن، بل یكبتها في داخله والذي یتحول مع الوقت الى ضرر جسدي ونفسي علیه وسمح له فقط بالتعبیر عن الغضب كأداةٍ تُحرك سلوكهالانفعالي تجاه القضایا والتحدیات الیومیة، بسبب ربطها ثقافیًا بمعاني الضعف وعدم النضج والهشاشة فهو ” رجل” منذ طفولته وسُمح للإناث بالتعبیر عن ھذه المشاعر بكل حریة، فهن یحملّن معاني الضعف ویحتجن لقوة الرجل المتماسك القوي.
وفي المقابل، فقد مُنح للطفل الذكر أن یُعبر عن عاطفة واحدة وبكل حریه، ألا وهي عاطفة الغضب والتي رُبطت ثقافیًا بمعاني ” الرجولة” بتفاصیلھا المختلفة، فیُطلّقَ العنان للرجال في التعبیر عنھا، مستندین إلى القبول المجتمعي
والثقافي لھم، حتى ولو تم التعبیر عن (عاطفة الغضب) داخل الأسرة أو في العمل أو الشارع، بغض النظر عن
آثارھا وسلبیاتھا على ذاتھ وصحتھ الجسدیة والنفسیة وعلى الآخرین بمختلف المستویات.
اعتمادًا على الازدواجیة التي اتبعتھا الثقافة في تمییزھا ضد النساء وحتى الرجال، وفي تعزیزھا للفوارق بینهم كبشر، من الضروري توجیھ السؤال التالي: ھل حقیقةً أن الرجل بلا عاطفة؟؟ لا یحب ولا یكره؟؟ لا یحزن ولا
یتألم؟؟.
والإجابة واضحة في تفاصیل حیاتنا وقُربنا من سلوكیات الرجال والنساء، فنحن كبشر نملك في داخلنا كل العواطف الإنسانیة ونعبر عنها بكل بساطة، قبل ان تقولبنا الثقافة المجتمعیة وفق قوانینها، عاداتها وتقالیدھا عبر عملیة التنشئة الاجتماعیة … لدرجة اننا نشعر بأننا عاجزین عن تغیرھا، حیث لھا سلطة إرغامیة علینا، فنشعر الرجل الحنون على أسرته ( بالضعيف)، والمشارك لزوجته ھموم ومتاعب الحیاة بالشخص (المحكوم) ….. بأننا جزءاً منها، لكن نختبر قوة وجودھا وتمركزھا فقط عندما نحاول أن نخرج عنها ونتحرر منها، حیث یُتهم وغیرھا من التصنیفات المجتمعیة ُ التي بنیت على علاقات قوة غیر متكافئة للنساء، والتي باعتقادي أن المتضرر منها لیس فقط النساء وإنما أیضا الرجال، فهم یملكون المشاعر ولدیهم عاطفة جمیلة ُ تعبر عنها طفلة ٍ تجاه والددمعة أ ٍب عند زواج ابنته وغیرھا الكثیر ُ من المواقف التي تبرز إنسانیة الرجل بكل تفاصیلها، فهل یعني كل ھذا ُيقدم لها كل المعاني الجمیلة للأبوة، وفي تعلق طفل ومرافقته والده إلى كل مكان ویشعر بالأمان في ظله، وفي أن بأن الرجل غیر عاطفي؟؟
باعتقادي لا، وآن الأوان لإخراج أنفسنا من قوقعة ھذه التصنیفات، ً لنكن أكثر تحررا في فكرنا وشعورنا،
ولنواجه ھذه المنظومة الاجتماعیة الثقافیة التقلیدیة التي تقولب أفعالنا وتصوراتنا نحو أنفسنا ونحو الاخرین،
العدالة الاجتماعیة بسبب إیماننا أن ذلك حق تجاه أنفسنا وتجاه المجتمع ً رجالا ونساء. بطریقة نكون فیھا نحن كما نحن، ولیس كما یتصورنا فقط الآخرون والمجتمع، ولندرك أ ّن لنا دور في تحقیق
فلعلها تكون خطوة أولى باتجاه القضاء على كافة أشكال العنف المجتمعي، وبشكل خاص العنف الموجه ضدالنساء.

mat
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024