اتفاق «حماس» وإسرائيل: أين الجديد؟
نشر بتاريخ: 2021-10-07 الساعة: 13:11
عبد المجيد سويلم
على مستوى بنود الاتفاق لا جديد على الإطلاق.
بصرف النظر عن الإعلانات المدوية حول الانتصارات المدوية أيضاً، وبصرف النظر عن «رضوخ» إسرائيل و»استسلامها» أمام «المقاومة»، فإن شيئاً من هذا كله لم يحدث، واتفاق التهدئة الجديد لا جديد فيه.
عدنا إلى نسخة جديدة من الاتفاقات السابقة، نفس الشروط أو الاشتراطات الإسرائيلية، ونفس الالتزامات التي كانت مطلوبة من «حماس» سابقاً.
نفس بنود ما تسمى مظاهر التخفيف من الحصار، على صعيد المواد - هذه المرة هناك نص عن مواد البناء - ومنع أي تحرك ضد إسرائيل، (يصنف إسرائيلياً بأنه تحرك عسكري أم أمني)، بما في ذلك البالونات الحارقة، ناهيكم طبعاً عن إطلاق النار والصواريخ. لا تختلف الاتفاقات عن بعضها إلا في تفاصيل تتعلق بالدمار الذي لحق بالقطاع، ولا تختلف مظاهر تخفيف الحصار إلا بمدى التزام حركة حماس مقابلها.
باختصار، فإننا قد خضنا أربع حروب لكي نصل إلى نفس النتيجة، والى نفس الاتفاقات، وبشروط مماثلة أو أقسى.
وهنا يقفز السؤال: إذا كنا قد خضنا هذه الحروب الأربع وما بينها لنصل إلى نفس النتيجة، أو اقل أفلا يصبح هذا السؤال الذي دفع أهلنا في القطاع ثمنه فقراً وعوزاً وجوعاً وبطالةً وهجرةً وتشرداً...؟ أفلا يهز كل هذا فينا كلنا، ودون استثناء الضمار والمشاعر؟
هل هي رخيصة حياة أهلنا في القطاع حتى نجرب عليهم ما لدينا من أهداف سياسية خاصة، طالما أن نتائج هذه التجارب أصبحت تتكرر في كل حرب، وأصبحت اتفاقات وقفها هي نفس اتفاقات كل حرب منها؟
باسم من تمت هذه الحروب، ومن أجل ماذا بالضبط؟
إذا كانت من اجل الناس، ومصالح الناس، والأهداف الوطنية للناس، ومن اجل حياة كريمة للناس، فأين هي الآن؟
ألم تكن حرب واحدة تكفي؟
حربان لزيادة التأكيد!
ما سر هذه الحروب؟ ولماذا تكرر لكي نصل إلى نفس النتيجة، من يحرّكها،/ ولمصلحة من بالضبط تخاض؟
إذا كانت من اجل أن تبقى جذوة «المقاومة» مشتعلة فلا بأس، شريطة أن تبقى فعلاً، وشريطة ألا تؤدي إلى الدمار، وشريطة مساعدة الناس على الصمود، وتوفير مقومات هذا الصمود. فهل تحقق شيء من هذا؟
ألم يعد مشروع «المقاومة» كله معروضاً للمساومة السياسية تحت «غطاء» الحفاظ على سلطة «المقاومة» لحركة حماس وأقرانها وتوابعها وأقربائها وأنسبائها بالمعنى السياسي وليس بالمعاني الاجتماعية المعروفة طبعاً؟
وهل يوجد دليل أبلغ من دليل التهدئة تلو الأخرى على أن الأمر في النهاية هو أمن لإسرائيل مقابل الخبز لقطاع غزة؟
وبماذا بالضبط يختلف الواقع الذي كرسته التهدئة الجديدة عن كل أنواع التهدئة السابقة، بل وبماذا يختلف هذا الواقع عن خطة لابيد التي طرحها في مؤتمر هرتسيليا، «الأمن مقابل الاقتصاد»؟، هل هناك من حبل سرّي؟
وبمناسبة الحديث عن الأمن والاقتصاد دعوني هنا أشرح ما أراه قادماً لا محالة، ودعوني اشرح اكثر في موضوع «الجديد» الحقيقي لاتفاق التهدئة الأخير.
الجديد الجديد، والجديد الحقيقي ليس له علاقة مباشرة ببنود التهدئة المكررة كما أوضحتها وأعلنتها مختلف المصادر وإنما «بالحبل السرّي» بين هذا الاتفاق والخطة الاقتصادية التي ترعاها الولايات المتحدة، ووافقت عليها إسرائيل والتي ستؤدي في نهاية المطاف الى تكريس استراتيجية «تقليص الصراع» كما بتنا نعرفها عن ظاهر قلب.
الجديد الجديد هو أن استراتيجية «تقليص الصراع» كانت مطروحة من أعوان نفتالي بينيت وكانت تتركز في (نقاطها الثماني) على الضفة الغربية، ولم تتضمن في حينه أي إشارات واضحة حول قطاع غزة.
الخطة لم تعجب الرئيس بايدن كما يقال، ولذلك فقد «أوحى» لهم بضرورة التحرك نحو القطاع، وكان أن سارع لابيد، وتلقف الأمر وطرحه بصورة واضحة وجلية كما بتنا نعرف جميعاً.
بايدن لا يريد أن تتولى حركة حماس أي مهام مباشرة في إطار إعادة الإعمار، وهو يرى أن ذلك سيكون منوطاً «بسلوكها» وفي قدرتها على توفير الأمن، وضبط ولجم كل الذين سيحاولون «التمرد» على هذا الاتفاق والاتفاقات اللاحقة.
الحكومة الإسرائيلية ليس لديها موقف نهائي ومسبق حول دور «حماس»، ولكنها تحاور المصريين على هذا الدور، الآن، وخصوصاً لجهة ملف تبادل الأسرى.
فهل كان يحتاج الأمر لتواجد كل الشخصيات القيادية من حركة حماس في القاهرة لو كان الأمر يتعلق باتفاق تهدئة كالاتفاقات السابقة؟
أقصد أن الجديد في هذا الاتفاق حول التهدئة هو علاقته باتفاق الأسرى لاحقاً، وباتفاقات اقتصادية قادمة، ولكن ليس قبل ضمان انضباط حركة حماس والتزامها بالأمن الكامل لإسرائيل.
والسبب هو أن الحكومة الإسرائيلية يستحيل عليها تسويق الاتفاق «الجديد»، دون ضمان عودة «الأسرى» الإسرائيليين من جهة، ودون أن تتعهد حركة حماس «بإنهاء» الأعمال العسكرية والأمنية التي تصنف على أنها أعمال عدائية بل وحتى إرهابية في القاموس الإسرائيلي. ولهذا فإن الاتفاق هو اتفاق تهدئة قصير الأمد وليس طويل الأمد مؤقتاً، لأن اتفاقا طويل الأمد يعتبر مستحيلا قبل تبادل الأسرى، وقبل ضبط الوضع بالكامل، وقبل الاتفاق الإسرائيلي الأميركي القطري على دور حركة حماس سياسياً بعد أن يتم تقييم سلوكها في الالتزام التام، وفي الضبط العام.
وما دامت قطر هي الراعية اللاحقة والضامنة الموثوقة من قبل واشنطن وتل أبيب فلا بد، إذاً، من التنسيق التام مع مصر، ولا بد من ضمان تركيا بالموافقة وإيران بعدم التعطيل.
اقصد أن إرجاء «بيع» مشروع المقاومة مقابل دور سياسي مكرس ما زال في الطريق، والطريق ليس معبداً بالكامل، وهناك من المطبات والعقبات ما يكفي ويزيد.
وفي النهاية، سيكتشف الجميع، المخدوعون والمخادعون، والذين يعرفون ويتابعون، والذي يتفرجون، أن الحروب على القطاع كانت للوصول إلى اقل بكثير مما كان عليه الوضع قبل اندلاعها مع فارق وحيد: قصم ظهر هذا الشعب بانقسام دفعنا ثمنه من لحمنا الحيّ، ودفع أهلنا في القطاع قسمه الأكبر.