المرأة العربية تستطيع .. تونس نموذجا
نشر بتاريخ: 2021-10-03 الساعة: 15:04
موفق مطر
نعتقد بضرورة دعم تجربة المرأة العربية في موقع رئاسة الحكومة، لكونها أول مرة، وغير مسبوقة، لكن الاعتقاد الأهم هو أن إنجاح هذه التجربة مسؤولية وطنية يتحملها كل من ينادي بالديمقراطية والحقوق منهجا للحياة السياسية والثقافية والاجتماعية، وسيكون نجاح التجربة برهانا على مدى انسجام الأحزاب مع شعاراتها وخطابها الشعبي.
نعلم جيدا – نحن هنا في فلسطين – أن أي خطوة متقدمة في مسار التحرر، والانتصار للقضايا المجتمعية الأساسية كقضية حقوق المرأة وتطبيق مبدأ المساواة والعدالة، وتحقيق الاستقرار وتأمين القرار الوطني المستقل للأشقاء العرب، نعتبرها مساندة مباشرة للقضية الفلسطينية، ولحركة التحرر الوطنية الفلسطينية، فالشعب الفلسطيني يدرك جيدا انعكاس إنجازات الشعوب العربية في قضايا الحرية والحريات والحقوق على مستوى الوعي العام بالقضية الفلسطينية، لأن تحرير القضية الفلسطينية من نظرة الأحزاب (المحدودة) والتي قد يحددها البعض بالمصلحة الآنية، أو يوظفها لتحقيق مكاسب فئوية ضيقة، سيجعلها قضية الشعب كله، ونعتقد في هذا السياق أننا لم نسمع ونلمس فعلا من الأشقاء في تونس، إلا أنهم يعتبرون قضية الشعب الفلسطيني قضيتهم، ما يجعلنا مطمئنون لعمقنا الاستراتيجي العربي أكثر.
وقد كتب الرئيس أبو مازن : "تستحق تونس كل هذا لأنها أيضا حبيبة فلسطين ونصير فلسطين وحاضنة فلسطين، ولم يأت منها لفلسطين ولم يخرج عنها لفلسطين إلا كل الخير والاهتمام والدعم الكامل وبلا مقابل".
وكتب عن الماجدة وسيلة بورقيبة – زوج الزعيم الحبيب بورقيبة (رحمهما الله): "امرأة مناضلة وسياسية بارعة ودبلوماسية عظيمة وصديقة حميمة للشعب الفلسطيني.. وهي من أفضل النساء المناضلات والسياسيات اللواتي عرفتهن في حياتي. وهي في نفس الوقت مليئة بالحماسة للدفاع عن القضية الفلسطينية ومطلعة وبشكل مفصل على الوضع العربي والدولي كله".
قد لا يكون اختيار رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد للدكتورة نجاح بودن رمضان لتشكيل حكومة تونسية انتصارا لقضية المرأة العربية عموما والتونسية خصوصا وحسب، بل تأكيدا لإيمان الأحرار الديمقراطيين التقدميين بقدرة الإنسان واستطاعته على النجاح، وتحديا واجبا لكل (المفاهيم والتعاميم الخاطئة ) التي حرمت المرأة من حق تبوء المناصب الأعلى وصاحبة قرار على الصعيد الوطني.
يمكن فهم محاولات الرئيس التونسي قيس سعيد ومساعيه لاستعادة الدولة وتحرير معانيها ومضامينها ومؤسساتها وقوانينها، في سياق الوفاء لبرنامجه الانتخابي، وتأكيد تميز فلسفة تونس الدولة التي أرسى قواعدها زعيم الاستقلال الحبيب بورقيبة، ونعتقد أن تصريحات السيدة نجلاء بودن بعد تكليفها وإفادتها من حكوماتها ستكون مميزة بعضوية نساء وشباب بشكل لافت، يعني أن تونس بعد (25 تموز- جويلية) الماضي لن تكون كتونس قبل ذلك التاريخ، حيث تشهد البلاد تحولات جذرية من أجل الاستجابة لتطلعات الشعب التونسي في ترسيخ الوطنية والمواطنة والدولة في الوعي والسلوك الفردي والجمعي، وترسيخ متطلبات الحياة الديمقراطية والدستورية والسيادية، بعد عشر سنوات كانت خلالها تونس بمثابة مخاض عسير كادت الدولة خلاله تذهب ضحية الاجتهادات الخاطئة – كما اعترف أكبر الأحزاب، وكاد المولود الجديد المسمى الديمقراطية يختنق في زحمة الصراع على السلطة ومكاسبها ومغانمها.
حظيت المرأة لدى الشعوب المتقدمة بسلوكيات مجتمعاتها، وبتطبيق منهج الديمقراطية وحقوق الإنسان، وشهدت فترات تولي السيدات منصب رئيس الحكومة، قفزات وإنجازات نوعية في دول - على سبيل المثال لا الحصر- كألمانيا كالسيدة أنجيلا ميركل، وبريطانيا مارغريت تاتشر، والهند إنديرا غاندي، وشهدت دول عربية ومنها فلسطين حضورا للسيدات في حكوماتها، أثبتن خلالها قدرات استثنائية في ظروف استثنائية، لكن التحدي الأكبر بالنسبة للمرأة العربية عموما والتونسية خصوصا سيكون في تقديم تجربة غير مسبوقة، علاماتها التميز في الأداء الحكومي، والتنمية في كل مساراتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، وتطبيق القانون، وتكريس علاقة الثقة والاحترام بين السلطة التنفيذية والشعب مدعومة بالمحبة في الاتجاهين، كضرورة لا بد منها لتوطيد الصلات بين شرائح الشعب الحاكمة منها عبر السلطات الثلاث: القضائية والتشريعية والتنفيذية، والمحكومين أصحاب القرار في اختيار الحكام.
mat