من حق الأسرى التحرر من سجون الاحتلال والإفلات من قيوده
نشر بتاريخ: 2021-09-14 الساعة: 12:53
بقلم: المحامي علي أبوهلال
كما هم دائما يواصل الأسرى في سجون الاحتلال معركة الدفاع عن حقوقهم في الحرية والكرامة الإنسانية، بكل شجاعة واقتدار، رغم قلة الإمكانيات وضعف الوسائل التي يمتلكونها، حيث يقف الأسرى في طليعة شعبنا وقواه الوطنية في مواجهة الاحتلال وممارساته وسياساته العدوانية التي تستهدف النيل من شعبنا وحقوقه الوطنية المشروعة، وفي مقدمتها حقه في العودة والحرية والاستقلال الوطني، وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.
ويضرب الأسرى نماذج فريدة من التحدي والمقاومة والإصرار على مواجهة الاحتلال بكل شجاعة، رفضا لإجراءات إدارات سجون الاحتلال التي طالت الأسرى، بعد فرار 6 أسرى فلسطينيين من سجن جلبوع الإسرائيلي، يوم الاثنين الماضي 6/9/2021، والأسرى الستة جميعهم من منطقة جنين، 5 منهم من حركة الجهاد الإسلامي، وهم: مناضل يعقوب نفيعات، ومحمد قاسم العارضة، ويعقوب محمود قدري، وأيهم فؤاد كمامجي، ومحمود عبد الله العارضة، والسادس هو قائد كتائب الأقصى سابقا في الضفة زكريا الزبيدي.
بدأت سلطات الاحتلال سلسلة عقوبات جماعية في السجون، طالت إنجازات هي في الأصل حقوق للأسرى حصلوا عليها بعد معارك وإضرابات عن الطعام، ومنها التمثيل الفصائلي، وإلغاء “الكانتينا” (متجر يشتري منه الأسرى احتياجاتهم)، وتقليص “الفورة” (فترة خروج السجون)، وصعدت سلطات السجون من سوء تعاملها مع الأسرى، وأجرت “تنقلات” بكل السجون.
وتقدر مصادر فلسطينية أن عدد الأسرى الفلسطينيين نهاية أغسطس/آب الماضي بنحو 4650، يقبعون في 23 سجنا ومركز توقيف وتحقيق، بينهم 40 أسيرة، ونحو 200 قاصر، و520 معتقلا إداريا.
الحركة الأسيرة في سجون الاحتلال قررت البدء ببرنامج تصعيدي لمواجهة هجمة إدارة سجون الاحتلال عليها، ابتداء من يوم الجمعة المقبلة، تبدأ بعدم التعامل مع إدارة السجون، والتمرد على قوانينها، ودخول دفعة أولى من قادة الحركة الأسيرة إضراباً مفتوحاً عن الطعام، سيتصاعد بشكل يومي. وبذلك تكون الحركة الأسيرة قد أجمعت على رفع راية التحدي، ولن يتم القبول بأن تستمر الهجمة بحقهم، للهروب من الفشل الأمني الإسرائيلي في سجن جلبوع”. وتشير المؤسسات الحقوقية أن الأوضاع داخل المعتقلات مقلقة جدا، وأن حجم الاعتداءات على المعتقلين كبير وأصبح لا يطاق. وأكدت المعلومات الواردة من سجون الاحتلال، أن هناك اتفاقا مع جميع فصائل العمل الوطني والإسلامي في السجون على تشكيل لجنة طوارئ لمتابعة الخطوات النضالية ضد إدارة السجون، وكان أول قرار التأكيد من لجنة الطوارئ على الإضراب المفتوح عن الطعام في الأيام القادمة ما لم تتراجع إدارة السجون عن هجمتها المسعورة على أسرى الجهاد وإعادة كافة إنجازات الأسرى داخل الأقسام لما قبل 692021.
وفي نفس الوقت رفضت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، السماح للمحامين بلقاء أسرى عملية الجلبوع الأربعة وهم زكريا الزبيدي ومحمود عارضة ومحمد عارضة ويعقوب قادري، الذين أعادت اعتقالهم مساء يوم، الجمعة 10/9/2021، وفجر السبت 11/9، وتواصل اعتقالهم في أقبية المخابرات في الجلمة.
وفي خطوة أخرى غير قانونية وفي غياب محاميهم مددت محكمة الصلح الإسرائيلية في مدينة الناصرة، مساء يوم السبت نفسه، اعتقال الأسرى الفلسطينيين الأربعة، المعاد اعتقالهم، حتى 19 سبتمبر/ أيلول بطلب من النيابة الإسرائيلية لاستكمال التحقيق معهم، بتهمة ” التخطيط لعملية ارهابية والانتماء لتنظيم محظور”.
وأوضح المحامون الموكلون بالدفاع عن الأسرى الأربعة، أن “المخابرات تخفي كل المعلومات حول الأسرى الذين تم اعتقالهم، فيما تفرض المحكمة منع التقاء الأسرى الأربعة بطواقم الدفاع عنهم”.
وقررت “محكمة الناصرة المركزية” خلال جلستها المنعقدة يوم الأحد الماضي 13/9، رفض الالتماس الذي تقدم به محامي هيئة شؤون الأسرى والمحررين، للسماح له بزيارة الأسرى الأربعة الذين أُعيد اعتقالهم خلال الأيام الماضية، مع تنامي المخاوف لدى المحامين والمؤسسات الحقوقية من تعرض الأسرى الأربعة للتعذيب والتنكيل أثناء التحقيق معهم.
فيما تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلية أعمال البحث عن الأسيرين مناضل يعقوب نفيعات وأيهم فؤاد كمامجي، اللذين حررا نفسيهما من سجن الجلبوع، وتكثفت عمليات التمشيط التي تجريها قوات الاحتلال في منطقتي مرج ابن عامر وجنين.
إن الهجمة المسعورة التي تقوم بها سلطات الاحتلال ضد الأسرى تعبر عن الحقد والانتقام التي تضمرها للأسرى، خاصة بعد نجاح الأسرى الستة في الفرار من سجن جلبوع، وتمكنهم من اختراق نظام الحراسة المشدد والمنيع، كما أنها تشكل انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني، ولمبادئ حقوق الانسان التي تكفل حماية الأسرى وتصون حقوقهم.
فقد أكدت الاتفاقية الخاصة باحترام قوانين وأعراف الحرب البرية لعام 1907 في المادة 8 من الاتفاقية على أن أسير الحرب الذين يحاول الهروب ثم يقبض عليه قبل أن ينجح في ذلك، ينال عقوبات تأديبية، أما في حالة نجاحه في الهرب، ثم جرى أسره من جديد، فلا يتعرض لأية عقوبة بسبب الهروب السابق. وأعادت اتفاقية جنيف لعام 1929، في المادة 50، التأكيد على ذات النص الذي ورد في اتفاقية لاهاي.
وعالجت المواد 91 – 94 من اتفاقية جنيف الثالثة (1949)، والتي تمت المصادقة عليها من قبل أكثر من 190 دولة، بما في ذلك إسرائيل والولايات المتحدة، مسألة هروب أسرى الحرب.
وفي جوهرها، تنص هذه المواد على أنه لا يجوز معاقبة الهروب الناجح، مع تحديد ما الذي يعد “حالة هروب ناجحة” (المادة 91)، أما محاولات الهروب الفاشلة فيمكن أن تؤدي إلى عقوبة تأديبية فقط وربما مراقبة خاصة كإجراء وقائي (المادة 92)؛ فيما إن الأفعال ذات الصلة والمرتكبة من قبل سجناء آخرين بقصد تسهيل الهروب والتي لا تنطوي على أي عنف ضد الحياة تستحق عقوبة تأديبية فقط (المادة 93).
في المقابل من ذلك، وإذا كان الأشخاص الذين تم اعتقالهم من قبل قوة الاحتلال ليسوا أسرى حرب، بل مدنيين، تم اعتقالهم مثلا لمخالفتهم لأوامر عسكرية معينة أو لانتهاك القانون الجنائي في البلد الذي يعيشون فيه تحت الاحتلال، فهؤلاء، بموجب المادة 120 من اتفاقية جنيف الرابعة، لا يخضعون، في حال أعيد القبض عليهم بعد هروبهم أو أثناء محاولتهم الهروب، إلا لعقوبة تأديبية، ويمكن فرض مراقبة خاصة عليهم “شرط ألا يكون لهذه المراقبة تأثير ضار على حالتهم الصحية، وأن تجرى في أحد المعتقلات، وألا يترتب عليها إلغاء أي ضمانات تمنحها لهم هذه الاتفاقية”. كما لا يتم تعريض المعتقلين الذين ساعدوا في الهروب أو محاولة الهروب “إلا لعقوبة تأديبية”.
كما أن الإجراءات الانتقامية التي بدأتها سلطات الاحتلال ضد الأسرى في سجون الاحتلال، تعتبر هي أيضا غير قانونية، ومن حق الأسرى مواجهتها بكل الوسائل الممكنة بما في ذلك التمرد والعصيان، والاضراب عن الطعام، وهذا ما قرر الأسرى القيام به اعتبارا من يوم الجمعة القادمة، إذا ما تراجعت عنها سلطات الاحتلال وإدارات السجون عنها.
إن الأسرى يعرفون حقوقهم جيدا، ويعرفون كيف يدافعون عنها، وعلى شعبنا وقواه الوطنية وعلى جميع المؤسسات الحقوقية والأهلية، وعلى جميع أحرار العالم ومناصري شعبنا في كل مكان، أن يعلنوا دعمهم للأسرى لنيل حريتهم وصيانة حقوقهم وكرامتهم الإنسانية، فذلك هو الوفاء الحقيقي للأسرى الأبطال الذين يتقدمون صفوف شعبهم في مواجهة الاحتلال، ويواجهون قواته المدججة بكل الأسلحة الفتاكة والمتطورة، ويمتلكون الأجهزة والوسائل والتقنيات التكنولوجية، الأكثر تطورا وتقدما وحداثة، بإرادتهم الحرة والصلبة وأجسادهم العارية.
محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.